مرت الأيام الأولي من رمضان الكريم وحالة الكهرباء أفضل مما توقع الجميع، رغم درجة الحرارة التي جاوزت الاربعين، وطول ساعات الصيام التي جعلت استخدام أجهزة التكييف عند من يملكونها أمرا لابد منه، ورغم «هيصة» مسلسلات التليفزيون وطول السهر، ورغم التمسك - حتي الآن - بالنظام العتيق الذي يجعل مواعيد العمل في رمضان تبدأ في العاشرة بدلا من أن تبدأ في السابعة أو الثامنة صباحا وتنتهي قبل أن تشتد الحرارة.. كما يحدث في دول الخليج علي سبيل المثال.
المهم.. اننا - واللهم أتمم نعمتك - لم نواجه حالات انقطاع الكهرباء في ظل الظروف الجوية الصعبة خلال الأيام الماضية. ولا شك أن جهودا مشكورة من الحكومة ومن وزارة الكهرباء وباقي الجهات المعاونة لها قد تمت لتحقق هذه النتيجة. محطات الكهرباء التي تعطل اجراء «العمرة» المطلوبة لها في ظروف ما بعد الثورة تم اصلاحها. والمحطات الجديدة التي تعطل العمل بها جري استكمال بعضها. والنتيجة زيادة الطاقة المتاحة بحيث زادت عن الاستهلاك.
هذا أمر جيد، ولكنه لا يكفي. فالمطلوب - قبل أي شيء - هو تأكيد ثقافة التقشف وترشيد الاستهلاك عند المواطنين. لا يمكن أن نعاني الامرين في زيادة انتاج الكهرباء لكي يتم تبديدها في أجهزة تكييف تعمل علي مدار الساعة، وفي تليفزيون يسهر حتي الصباح، وفي زينات مُبالغ فيها تملأ الشوارع وتبدد الطاقة المتاحة.
ثقافة ترشيد الاستهلاك (في الطاقة وفي غيرها من السلع الأساسية) ينبغي ان تسود البرامج لذلك ينبغي أن تبدأ من مدارس الأطفال وتستمر علي الدوام. انشاء المحطات الجديدة لتوليد الكهرباء يكلفنا ما لا نملك من عملة صعبة. وإذا لم تتحول هذه الطاقة إلي انتاج فسوف تدفع الاجيال القادمة الثمن غاليا.
ما نضيفه من كهرباء ينبغي أن يتوجه أولا - وقبل كل شيء - إلي الصناعة والانتاج. كل محطة جديدة لانتاج الكهرباء ينبغي أن تتحول إلي الآلاف من فرص العمل وليس إلي أجهزة تكييف تعمل ليل نهار، أو اسراف في الاستهلاك غير المنتج.
لا ينبغي أن نري مصانع تعمل بنصف أو ثلث طاقتها لعدم توافر الطاقة، بينما الطائرات واليخوت الخاصة تحصل علي الطاقة المدعومة، وحي بأكمله يشتعل بالزينات الكهربائية لأن محل حواوشي جديدا فتح أبوابه، أو لأن أحدهم يحتفل بطهور ابنه أو زواج ابنته أو عودته من «العمرة» التي يقوم بها للمرة العشرين!!
سياسة التقشف وترشيد الاستهلاك ليست مطلوبة فقط بالنسبة للكهرباء، بل لكل شيء وعلي كل المستويات. نحن مجتمع قليل الموارد وعلينا أن نحسن التدبير وأن ندرك ان تبديد الموارد هو نوع اخر من الفساد، وقد جربنا الاثنين ودفعنا الثمن. والان لابد من حرب لا تهدأ علي الفساد، ومن جهد لا ينتهي لكي تذهب مواردنا إلي المكان الصحيح.. تبني الصناعة والزراعة وتصنع التقدم. تصلح التعليم والصحة. تبني المساكن لمحدودي الدخل. ندرك أن خلق فرصة عمل أقرب إلي الله من انارة ألف لمبة لتزيين مسجد يسطع فيه نور الله من قلوب المؤمنين.