في ذكرى وفاته.. «محمد نجيب» قيادة عسكرية صارمة وصديق للأطفال

الرئيس الراحل محمد نجيب
الرئيس الراحل محمد نجيب

تمر اليوم ذكرى رحيل أول رئيس لجمهورية مصر العربية بعد انتهاء الحكم الملكي، وهو الرئيس الراحل محمد نجيب، الذي انتقل في 28 أغسطس 1984 بمستشفى المعادى العسكري، بعد دخوله في غيبوبة إثر مضاعفات تليف الكبد.

 

وفي السطور التالية تسلط «بوابة أخبار اليوم» الضوء على بعضًا من جوانب حياة الرئيس الراحل محمد نجيب .

 

ميلاده ونشأته


ولد محمد نجيب بالخرطوم لأب مصري وأم سودانية، وعاش مع والده البكباشي بالجيش المصري يوسف نجيب حتى عام 1917 حين حصل على الثانوية العامة .

 

والتحق بالكلية الحربية في مصر في أبريل عام 1917 وتخرج فيها في 23 يناير 1918، ثم سافر إلى السودان في 19 فبراير 1918 والتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط في الجيش المصري بالكتيبة 17 مشاة.

 

دخل مدرسة البوليس وعندما تخرج خدم في أقسام عابدين ومصر القديمة وبولاق وحلوان ثم انتقل إلى الحرس الملكي في أبريل ١٩٢٣، كما التحق بكلية الحقوق وحصل علي الليسانس ثم دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929 ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص ، وترقى إلى رتبة اليوزباشي في ديسمبر ١٩٣١، ثم رقي إلى رتبة القائم مقام في يونيو 1944 ، وفي تلك السنة عين حاكما إقليميا لسيناء ، وفي عام 1947 كان مسئولا عن مدافع الماكينة في العريش ، ورقي لرتبة الأميرالاي عام 1948.

 

شارك «نجيب» في حرب فلسطين عام 1948 و أصيب  3 مرات كان آخرها في معركة التبة في دير البلح في ٢٣ ديسمبر ١٩٤٨، وهي أهم المعارك التي خاضها في فلسطين وعددها ٢١ معركة .

 

بعد عودته من فلسطين عين قائدا لمدرسة الضباط العظام عام ١٩٤٩، وعين في العام نفسه مديرا لسلاح الحدود، ثم رقى إلى رتبة اللواء في ديسمبر ١٩٥٠، ثم مديرا لسلاح المشاة، ثم انتخب رئيسا لمجلس إدارة نادي الضباط .

 

مواقف صعبة في حياة «نجيب»


علم نجيب خبر وفاة والده وهو لم يتجاوز الثالثة عشر وكان وقتها يدرس في كلية غوردون التي كانت تمنع التحاق المصريين ولكن نجيب كان استثناء لأن والده كان من موظفي الحكومة السودانية قبل أن يكون من أبناء الجالية المصرية.

 

وتذوق محمد نجيب داخل كلية غوردون كل معاني الاضطهاد والعنصرية والتشدد، حيث كانت بدايتها عندما رغب في للالتحاق بقسم الهندسة واجبروه على الالتحاق بقسم المعلمين.


ثلاث جلدات ظلت لها أثر عميق في نفس محمد نجيب


وفي السنة الثانية له بالكلية جاء مدرس اللغة الإنجليزية يملي عليهم قطعة إملاء جاء فيها "إن مصر يحكمها البريطانيون"، فلم يعجب ذلك محمد نجيب ونهض واقفا ومعترضا قائلا "مصر تحتلها بريطانيا فقط ولكنها مستقلة داخليا وتابعة لتركيا"، فثار المدرس الانجليزي غاضبا وأمر بجلده عشر جلدات على ظهره .

 

الجلدة الثانية


لم تكن تلك الجلدة الأخيرة بالزعيم الصغير، فقد كان يفعل ما يمليه عليه ضميره دون خوف وكان يستعد هو واثنين من زملائه لإلقاء محاضرة عن حضارة الإسلام فعرف المسئولون بالكلية وجاء إليهم المشرف الانجليزي، غاضبا وقال "ماذا ستفعلون يا حيوانات، هل هي فوضى كان يجب أن تأخذو رأينا"...فلم تمر الكلمة على مسمع محمد نجيب مرور الكرام واستفزته كلمة حيوانات وطلب من المشرف الانجليزي أن يعتذر فغضب أكثر وأمر بجلده عشر جلدات.

 

الجلدة الثالثة


المرة الثالثة التي جلد فيها نجيب ورواها في مذكراته قائلا "جاء مدرس اللغة الانجليزية يوزع علينا كراسات الإنشاء وجاء عند كراستي وقال الإنشاء جيد ولكن الخط رديء جدا"، ثم ألقى بالكراسة على طول زراعه من النافذة وأمرني بأن أحضرها ولكنني أصررت على الرفض وقلت له "مادمت رميتها فأرسل من يحضرها أما أنا فلن اذهب، فهددني بالجلد فقلت له "أنا أقبل الجلد ولا أقبل الإهانة".

 

علاقته بالضباط الأحرار

 

بدأت صلته بالضباط الأحرار من خلال لقائه مع الصاغ عبد الحكيم عامر عندما عين أركان حرب في اللواء الذي يرأسه نجيب أثناء حرب فلسطين ، ثم عرفه بجمال عبد الناصر، ثم التقي بباقي مجموعة الضباط الأحرار .

 

اختاره الضباط الأحرار قائدا لثورة ٢٣ يوليو وشكل أول وزارة بعد استقالة على ماهر باشا عام ١٩٥٢، وتولى رئاسة الجمهورية عام ١٩٥٣، إلى أن استقال من جميع مناصبه في ١٤ نوفمبر ١٩٥٤، ثم أصدر مجلس القيادة بيانا في ٢٧ فبراير ١٩٥٤ أعلن فيه عودته رئيسا للجمهورية إلى أن وقعت أزمة "مارس" التي انتهت لصالح الضباط وإعفائه من منصبه وحددت إقامته لأكثر من ٢٥ عاما في فيلا زينب الوكيل "زوجة النحاس باشا" بالمرج إلى أن أطلق السادات سراحه عام ١٩٧٤.

 

شخصية «نجيب»


كان اللواء محمد نجيب يتمتع بشخصية صارمة في التعامل العسكري وطيبة وسماحة في التعامل المدني، اختاره الضباط الأحرار ليكون قائدا لثورة 23 يوليو 1952، لسياسته التي تمتاز بالمرونة والدقة .

 

نشرت جريدة "تليجراف" البريطانية برقية وردت إليها من مراسلها في القاهرة أن الرئيس محمد نجيب يتمتع بشخصية صارمة في التعامل العسكري وطيبة وسماحة في التعامل المدني، تشبه سياسية معاوية بن أبي سفيان الذي كان يهدف إلي الإصلاح، ويسير على سياسة تمتاز بالمرونة والدقة .

 

وقد وصف مراسل وكالة أسوشيتد برس «إدوارد مولاك»، الرئيس محمد نجيب بصديق الأطفال وذلك خلال مرافقته في رحلته إلى الصعيد .

 

وقال «مولاك» إنه خلال حضور اللواء محمد نجيب حفل تكريم له في فندق ونتر بالاس بالأقصر، وبينما كان أحد الخطباء يلقي كلمة ترحيب به تقدمت طفلة صغيرة من اللواء نجيب وصعدت على ركبتيه وأسندت ظهرها إلى صدره وراحت تأكل قطعة من الشيكولاتة، وهو ما يعكس بعض صفات الرئيس محمد نجيب التي تجتذب الأطفال وتجعلهم يأنسون به، وكان الأطفال في المدن والقرى وفى الطريق الزراعي وعلى جانبي السكك الحديدية يرحبون بصديقهم الكبير محمد نجيب ويطيرون فرحا برؤيته .

 

ويقول اللواء نجيب عن حبه للأطفال، إن الأطفال مثال حي للنقاء والإخلاص، وهم يظهرون شعورهم ويعملون بوحي من فطرتهم وطبيعتهم، وهذا ما يحبه فيهم، وأنه على الرغم من بساطتهم وسذاجتهم فإنك لا تستطيع أن تخدعهم لأنهم يملكون حاسة سادسة يتعرفون بها على من يحبهم .

 

طبيب عالمي يصف محمد نجيب


أرسل أستاذ الطب النفسي بجامعة ديرهام بانجلترا البروفيسير ألكسندر كندي، عام 1953، خطابًا إلي وزير الصحة دكتور نور الدين طراف، يشكره على مقابلة الرئيس محمد نجيب في القاهرة .

 

قال في رسالته « لم أتأثر في حياتي مطلقا بشخصية إنسان مثل هذا التأثر.. وحتى علاقتي بفرانكلين ديلانو لم تترك في نفسي مثل هذا الشعور بالإعجاب والثقة، كما تأثرت بهذا الرجل العظيم .. وكل ما أرجو هو أن يدرك المواطنين أن الأمر في مصر ليس مجرد تبدل الحكومة، إنما هو تغيير الروح» .

 

وتابع: «تسلمت صورة محمد نجيب وسأعلقها في مكتبي في نيوكاسل، وسيسعدني كثيرا أن أشرح لزائري سبب وجودها في هذا المكان» .

 

محمد نجيب «مؤلفًا وكاتبًا»

 

كتب عدة مؤلفات منها " رسالة عن السودان ، مصير مصر ، كلمتي للتاريخ ، كنت رئيساً لمصر ، وفي ٢٨ أغسطس عام ١٩٨٤ توفي محمد نجيب بمستشفى المعادي العسكري ، عن عمر يناهز 82 عام ، وشيع جثمانه في جنازة عسكرية مهيبة .