عادل حمودة يكتب .. كيف ينجو العرب بأنفسهم من مستنقع الحرب القادمة فى كردستان؟

الكاتب الصحفي عادل حمودة
الكاتب الصحفي عادل حمودة

لندع تركيا وإيران تدمران قواتهما العسكرية وتحدان من توسعاتهما السياسية فى حرب عصابات لن تنتصرا فيها!
مصــانع الســلاح المعطــلة فى الغرب تدق طبول الحرب بعد انتهاء الأزمة
السورية وغروب داعش لتدمير مخزون من الأسلحة يزيد على 300 مليار دولار

لقد عانى أكراد تركيا من حملات الإبادة والتطهير العرقى والتهجير القسرى وطمس هويتهم وإلغاء لغتهم ومنعهم من ارتداء زيهم القومى رغم أنهم يشكلون نحو 15 % من السكان.
واجه الأكراد هناك سنوات عصيبة حتى عند وصول كمال أتاتورك إلى السلطة بعد سقوط الدولة العثمانية رغم أن الميثاق الوطنى الذى أصدره ينص على احترام حقوق الأقليات لكنه لم يتردد فى فرض سياسة شرسة لصهر الأقليات فى الجسم التركى الكبير وهو ما أدى إلى انتفاضات كردية متعددة انتهت بتدمير مئات القرى الكردية وقتل الالاف من أهلها وترحيلهم قسرا إلى أماكن أخرى وتوطين أتراك مكانهم وفى كثير من الأحيان لم يتردد الجيش التركى فى استخدام الغازات السامة على نطاق واسع ضد الأكراد بجانب ضربهم بالطائرات والمدفعية الثقيلة كما فعل مع الأرمن.
وفى كثير من الأحيان أحرقت قري الأكراد وغاباتهم وحصدت أرواح حتى الذين استسلموا للقوات التركية واضطرت مئات من النساء إلى الانتحار الجماعى بإلقاء أنفسهن فى نهر منور قبل أن تطولهن أيدى الجنود الأتراك ويتعرضن للاغتصاب والانتهاك.
ومنعت تركيا الزى الوطنى للأكراد وحرمتهم من تعلم لغتهم واعتقلت وقتلت من يعزف موسيقاهم وأطلقت عليهم » سكان الجبال « وقلعت مليون ونصف منهم وأسكنتهم فى أواسط الأناضول بعيدا عن مسقط رأسهم.
ولم يكن أكراد العراق (15 مليونا) وإيران (7 ملايين) وسوريا (مليون نسمة) أفضل حظا من أكراد تركيا.
وهناك جاليات كردية محدودة فى لبنان وروسيا واذربيجان وأرمينيا وجورجيا وبريطانيا وسويسرا وهولندا والنمسا يقترب عددها من الثلاثة ملايين نسمة ليصل مجموع الأكراد فى العالم إلى أربعين مليون نسمة.
لقد بدأ تاريخ كل هؤلاء قبل ثلاثة ألاف سنة فى دولة موحدة مستقلة سميت « كردستان « تقع فى المنطقة المحصورة بين روسيا وإيران والعراق وسوريا وبلغت مساحتها 410 آلاف كيلومتر مربع أى أنها أكبر من بريطانيا وهولندا وبليجيكا وسويسرا والدنمارك مجتمعة وترتفع فوق سطح الأرض بأكثر من ألف متر وتتخللها أنهار عديدة منها دجلة والفرات.
وما أن دخلت الإسلام قبل 13 قرنا حتى تاثرت بالثقافة العربية وإن احتفظت بلغتها الخاصة ويصعب علينا بالقطع ان ننسى أن صلاح الدين الأيوبى ولد على أرضها فى قبيلة رأوند (إقليم يارفان) وخرج من شعبها ليطرد الصليبيين من القدس ويوحد مصر والشام والحجاز والعراق ويؤسس الدولة الأيوبية ونقل مصر من الشيعة إلى السنة قبل أن يموت ويدفن فى دمشق تحت أرض الجامع الأموى.
وهناك شخصية شهيرة أخرى.. شخصية السيد أحمد عبد الجواد ــ أو «سى السيد« ــ التى أقتبسها نجيب محفوظ من زوج شقيقته زينب وكان كرديا هاجرت عائلته إلى مصر واستقرت فى الغورية.  
وطوال حكم الدولة العثمانية لم يشعر الأكراد بالغربة فى وطنهم الذى كان موحد جغرافيا وإن كان خاضعا سياسيا لحكم الباب العالى فى الاستانة التى لم يكن ليهمها سوى تلقى الجزية من الولايات الخاضعة لها ومنها كردستان.
لكن.. ما أن خرجت الدولة العثمانية منهكة ومريضة بعد الحرب العالمية الأولى حتى قسمت أراضيها بين بريطانيا وفرنسا حسب ما نعرف من معاهدة سايكس بيكو التى قسمت كردستان إلى خمسة قطع ضمتها للدول الخمس.. وفى تلك اللحظة بدأت مأساة الأكراد.
لم يتوقف الأكراد عن كفاحهم من أجل الاستقلال الذاتى فى الدول التى قسمت أرضهم عليها ولم تفلح إلا محاولة واحدة فى إيران.
بعد دخول قوات الحلفاء ( البريطانية والفرنسية والسوفيتية ) المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية إلى إيران شجعت موسكو الأقليات فى المناطق الخاضعة لها ووافقت فى عام 1946 على قيام جمهورية مهاباد الكردية لكن تلك الجمهورية لم تستمر سوى سنة واحدة.. فما أن انسحبت القوات السوفيتية من شمال العراق قامت قوات الشاه محمد رضا بهلوى  بمعاونة البريطانيين والأمريكيين ــ بمهاجمة جمهورية مهاباد وألقت القبض على زعمائها وأعدمتهم ولكن إحدى الشخصيات البارزة فى تلك الحركة الاستقلالية نجح
مصطفى البارزانى هو و500 مقاتل فى الفرار عبر الحدود إلى الاتحاد السوفيتى وظل هناك حتى قامت ثورة يوليو عام 1958 فى العراق فعاد إلى وطنه فى أربيل بعد 12 عاما فى المنفى.
والحقيقة أن العراق فى ظل الملكية كانت الدولة الوحيدة التى أعترفت بالقومية الكردية وسمحت باستخدام اللغة الكردية فى التعليم والإعلام ولكن ما أن قام عبد الكريم قاسم بثورته حتى طارد كل الأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب الكردية وظلت تلك المطاردة مستمرة بعد سقوط عبد الكريم قاسم وتولى عبد السلام عارف السلطة.
لكن ما أن وصل البعث ممثلا فى أحمد حسن البكر إلى الحكم حتى أرسل عزيز شريف للتفاوض مع مصطفى البارزانى ليصلا إلى اتفاق فى 11 مارس 1970 ينص على 15 مادة تعترف باللغة الكوردية وبمشاركة الأكراد فى الحكومة المركزية وبأن يكون أحد نواب الرئيس كرديا بجانب مشاركة الأكراد فى السلطة التشريعية.
لكن ذلك الاتفاق لم يكتب له النجاح أكثر من خمس سنوات لجأ البارزانى بعدها إلى إيران ولحق به 35 ألف مقاتل من البشمة ركه إلى جانب 150 ألف رجل وامرأة ليعلن المقاومة ضد العراق من الدولة المعادية لها فلم تتردد الحكومة العراقية فى إعدام 227 من قيادات الأكراد ردا على حرب العصابات التى شنت ضد قواتها المسلحة.
من جديد عادت المفاوضات ــ فى عام 1984 ــ بين البارزانى والنظام العراقى لإعادة النظر فى مشروع الحكم الذاتى بما يجعله معبرا عن كل الفصائل الكردية ولكن لم يكتب لتلك المفاوضات النجاح خاصة وأن الأكراد إنحازوا إلى إيران فى الحرب التى اشتعلت بينها وبين العراق واستمرت 8 سنوات.
وما أن انتهت تلك الحرب حتى قرر صدام حسين ــ فى 15 إبريل 1987 ــ الانتقام من الأكراد باستخدام الأسلحة الكيماوية السامة فى ضرب أربيل والقرى المحيطة بها فمات خمسة ألاف وفر خمسين ألفا وفى 16 مارس 1988 وقعت غارة أخرى بنفس الأسلحة على مدينة حلبجة لتتكرر الماساة ذاتها وبشعور
صدام حسين بالانتصار أصدر ــ فى 6 سبتمبر 1988 ــ عفوا عن الأكراد الفارين إلى تركيا وإيران فعادوا إلى موطنهم فى شمال العراق.
بعد حرب تحرير الكويت ( فبراير 1991 ) بعدة أشهر وبالتحديد فى 7 مايو 1991 أجبر صدام حسين على منح الأكراد حكما ذاتيا بعد مفاوضات قادة من الجانب الكردى مسعود البارزانى وإن رفض صدام حسين اعتبار كركوك ( حيث أكبر حقول النفط ) كوردية كما رفض القبول بضمانات دولية لتنفيذ الاتفاق بين الطرفين.
على أن الأكراد لم يقنعوا بالحكم الذاتى الذى نالوه تحت جناحى الحكومة العراقية وطالب جلال طالبانى الأمين العام للاتحاد الوطنى الكردستانى  فى 5 فبراير 1993 ــ اليهود فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك إسرائيل بمساعدة الشعب الكردى الذى يتعرض للإبادة.
وبتلك التصريحات أصبح جلال طالبانى شخصية ملفتة للنظر ومؤثرة فى العراق فقد أختير عضوا فى مجلس الحكم الانتقالى العراقى الذى تأسس بعد الإطاحة بنظام صدام حسين ليشغل بعد ذلك منصب رئيس الجمهورية مرتين.
وقد أبدى جلال طالبانى اعتراضه على الاستفتاء الذى صوت فيه أكراد العراق يوم 26 سبتمبر الماضى بنسبة 92 % للانفصال عن الدولة المركزية فى بغداد ولكن القدر لم يمهله تغيير ما حدث فقد توفى بعد عدة أيام فى 3 أكتوبر الجارى.
شارك فى الاستفتاء ثلاثة ملايين ناخب محدثين إنقلابا سياسيا فى الشرق الأوسط.. ربما يزيد من حالة الفوضى القائمة.. وربما يفتح جبهات جديدة للحروب فيها.. خاصة بعد أن أوشكت الحرب فى سوريا على الانتهاء.. وفقدت داعش الكثير من وجودها على الأرض
ولحقت بالقاعدة وراء الغروب.. وقدرت الأسلحة التى وضعت فى مخازن الجيوش بخمسائة مليار دولار.. وأصبح من الضرورى إستهلاكها لتدور مصانع السلاح المعطلة فى الغرب من جديد.
ورغم أن الأكراد مستعدون للتفاوض مع تركيا والعراق وإيران إلا أنهم غير مستعدين للتنازل عن حلم الدولة المستقلة لتنضم كردستان إلى قائمة الدول التى تنتهى بكلمة ستان.. أفغانستان وطاجستان وأذربيجان مثلا.
وفى مواجهة نتيجة الاستفتاء أغلقت تركيا والعراق حدودهما مع أربيل التى لا تملك منفذا على البحر وقامتا بمناورات مشتركة سميت « العين الحمراء « بينما استسلمت سوريا لما جرى وهو أمر متوقع بعد أن أصبح للأكراد مكتب تمثيل فى موسكو بجانب السفارة السورية هناك بما يعنى أن روسيا منحازة للدولة الكردية مثلها مثل الولايات المتحدة وفرنسا واليونان وبولندا والسويد والأردن وبلجيكا وبلغاريا وقبلها إسرائيل التى لن تتردد فى مساعدة إربيل عسكريا فى مواجهة إيران التى تريد إسرائيل إضعافها ووقف زحفها وتوسعها.
وكانت إيران قد أوقفت رحلاتها الجوية من وإلى أربيل للضغط على الأكراد وطلب رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادى من الأكراد تسليم المطارات التى على أرضهم للسلطة العراقية.. لكن.. ما يثير قلق الحكومة العراقية أكثر إصرار الأكراد على أن كركوك جزء من بلادهم وأرضهم.. وتنتج حقول النفط هناك 40 % من من النفط العراقى.. وآخر ما يمكن قبوله أن تتوقف إمدادات النفط من هناك.
وبصريح العبارة هددت المنظمات الشيعية الموالية لإيران ــ سواء فى العراق أو خارجها ــ بالحرب على الأكراد ووصفتها منظمة بدر بأنها «حتمي».
والمؤكد أن الولايات المتحدة مع الدولة الكردية المستقلة ولكنها تخشى أن تبعد النظر عن مواجهة ما تبقى من داعش.
وكانت أربيل قد ساهمت بقوة فى إزاحة داعش عن مناطقها بدعم من قوات بريطانية وفرنسية لا تزال تعاونت مع مقاتلى البشمة ركة ( وتعنى الذين لا يهابون الموت ) والذين لا يقل عددهم عن 200 ألف مقاتل.. وهم بارعون فى حرب العصابات بحكم الطبيعة الجبلية لبلادهم.
وحسب بول ديفيس محلل المخابرات العسكرية المتقاعد فى البنتاجون فإن الدولة الكردية المستقلة لن يكتب لها البقاء إلا إذا أعلنت الولايات المتحدة حمايتها لها ولو حدث ذلك ــ وهو أمر متوقع تماما ــ فإن إيران وتركيا والعراق قد تجد نفسها مجبرة على الحرب وفى هذه الحالة سيسود التوتر المنطقة من جديد وإن أدى ذلك إلى إضعاف قوى إيران وتركيا وهو ما يصب فى مصلحة الدول العربية التى تخشى من تمددهما وسيطرتهما على المنطقة.
لكن.. المشكلة أن تجبر الولايات المتحدة الدول العربية على الحرب نيابة عنها مع الأكراد.. فى هذه الحالة لن تستفيد الدول العربية من فرصة تورط إيران وتركيا وحدهما فى الحرب وستقاسم معهما الخسارة.
إن الدولة الكردية أمر واقع لا مفر منه لكن على العرب التعامل معها بحنكة وخبرة وحكمة بأن يظلوا على الحياد تاركين الحرب المستفيدين منها لغيرهم ويكفيهم ما نالوه من متاعب وصراعات أهلية وطائفية ومذهبية فى دولهم.
ولو كنت من أحمد أبو الغيط أمين عام الجامعة العربية لشكلت لجنة سرية من الخبراء لدراسة الموقف بدقة وإبلاغ احتمالاته للدول الأعضاء قبل أن تسارع كل دولة على حدة فى اتخاذ قرار منفرد دون مشاورة الآخرين بما يزيد من حالة الخسارة التى نعيشها منذ سنوات عديدة.
لنتصرف هذه المرة بطريقة علمية ودون عشوائية حماية لمصالحنا القومية ولتكن هذه فرصة للجامعة العربية لكى تكون نافعة ومفيدة ربما لأول مرة فى تاريخها.

المراجع :
1-  الملل والنحل والأعراق - هموم الأقليات فى الوطن العربى - مركز ابن خلدون
2-  الدكتور عماد عبد السلام روءوف : دراسات وثائقية فى تاريخ الكرد الحديث وحضارتهم
3-  جنكيزخان تشاندار : قطار الرافضين السريع.
4-  دكتور حامد محمود عيسى : المشكلة الكردية فى الشرق الأوسط.