أعتاد الفلاح المصري على مر الزمان الاحتفال باستقبال موسم كسر القصب، وفي محافظة أسوان كان يعد هذا الموسم بالنسبة للفلاح "فتحة الخير"، فمن بيع المحصول يزوج أولاده ويشيد بيوتهم.

كما كان الأغلبية يدخرون الأموال لحج بيت الله الحرام، أما الآن وخلال العقود الأخيرة تغير هذا الوضع ليستقبل الفلاح موسم الكسر بمجموعة من الهموم والمشاكل، لتتحول ملامح قصة الاحتفال بموسم كسر القصب إلى قصة حزينة أبطالها مجموعة من المزارعين البسطاء.

الحاج حمدان أحد مزارعو مدينة كوم امبو، وعضو الجمعية الزراعية بها يروي قصته قائلاً " أملك من الأرض 12 فدانًا أزرعهم منذ عشرات السنوات بمحصول قصب السكر، ومن ربحها شيدت منزل الأسرة واستطعت بدء حياتي قوياً، وكل عام كنت انتظر هذا الموسم لجني ثمار تعبي وجهد، فمنه كنت أسد احتياجات منزلي، وأدخر لتخطيط مستقبل أولادي وبناتي، فكان مزارع القصب لدينا أفضل حالاً من الموظف الحكومي صاحب المعاش".

وهنا تغيرت نبرة الحاج حمدان للحزن قائلاً " أما الآن وخاصة خلال السنوات العشر الأخيرة تغير الوضع تماماً، وأصبحنا نحمل هم اقتراب موسم كسر القصب لما يحمل معه مشاكل طويلة، أولها عدم حصولنا على مستحقاتنا المالية بموعدها، فمن الطبيعي أننا نحصل على حوالي 60% أو 70% من إجمالي ثمن القصب المورد للمصانع وذلك فور توريده، فنقضي به احتياجاتنا لأنه مبلغ جيد ، ثم مع نهاية العام المالي نحصل على بقية المبلغ، أما ما يحدث الآن هو مماطلة المصانع لنا فبدأت تحصل لنا 20% ثم تؤخر بقية المستحقات وتعطينا فتاتاً كل بضعه أشهر، حتى تنتهي السنة المالية ولم نحصل على مستحقاتنا، فالعام الماضي مثلاً تمكنا من الحصول على أموالنا بنهاية شهر أكتوبر، مما أوقعنا بمشاكل مالية طوال العام مع كثرة مديونياتنا".

أما المزارع إبراهيم بسطان والذي تعد الزراعة مهنته العائلة المتوارثة فيقول لنا " كلمة فلاح كانت مصدر فخر وشرف لنا خاصة مزارع القصب، فأسوان يعد القصب شريان حياتها، وكل عام كان أجدادي يحتفلون بكسر القصب وبالفعل كان عندنا عادة متوارثة بأن يحج لبيت الله الأكبر سناً في العائلة من أموال موسم الحصاد سنوياً، أما الآن فالوضع تغير كلياً، فأستطيع أن أقول إن هذه المهنة أرهقتنا وكونت ديون قصمت ظهورنا، فمع كل موسم نأخذ قروض من بنوك الائتمان الزراعي ونقوم بالصرف على زراعتنا، وحينما يأتي موسم الكسر تبدأ المعاناة، فن جهة فالمصانع تترك قصبنا المحروق في الأراضي لمدة 15 يوماً بحجة عمل محضر للقصب المحروق وخلال هذه المدة يخف وزنه للغاية، وبدلاً من أن تزن السيارة 10 أطنان تتقلص ل6 أطنان، كما أن في هذه المدة تقل نسبة سكرية القصب فيجبرنا المصنع على بيعه له ب200 جنيه للطن بدلاً من 400 جنيه ، لنشهد خسارة كبيرة كل عام ".

وعلى جانب آخر أكد لنا ممدوح أشرف مزارع بأسوان أن قصة الاحتفال بموسم الكسر انتهت لدي الأغلبية إلا قليل من المزارعين الذين يتعاملون مع عصارات القصب فيأخذوا أموالهم فوراً ، إلا أنهم قلة للغاية ومعروفون بأسوان، مشيراً إلى أن موسم الكسر من المفترض أن يتم فيه جمع العمال لكسر القصب ثم تعبئته بالجرارات أو القطار لتوصيله للمصنع، فهم أمر في ظاهره يسير إلا أن ذلك لا يحدث بل تحدث تعطيلات كثيره".

ويضيف " أكثر ما نعاني منه كل عام هو حرماننا من أسمدة الخلفة الخامسة لمحصول القصب، بالمديرية تعينا أسمدة حتي الخلفة الرابعة فقط أي السنة الرابعة ومن هنا نمر بعام كامل نشتري الأسمدة من السوق السوداء لنصل إلى موسم الحصاد ونكون قد صرفنا آلاف الجنيهات على السماد ، وهو ما لا تعوضه لنا أيه جهة، وقد شكينا لمديرية الزراعة كثيراً ألا انه لم يستجب لنا أحد، فنحن أولى بالأموال التي نصرفها بالسوق السوداء فالحياة أصبغت صعبة والمصاريف كثيرة ، وما كان يكلف 10 جنيهات قديماً يكلف ألف حالياً".

وعن آمال وأحلام هؤلاء المزارعين فيقول الحاج حمدان " كل ما أحلم به هو أن تعود بهجة موسم الحصاد ولذا فعلي المصانع إعطاءنا حقوقنا المالية بموعدها، كما أن على بنوك الائتمان الزراعي تسهيل إجراءات قروضنا ، فنحن نحصل على قروض بفوائد 17% وبالرغم من ذلك الإجراءات معقدة جدا ".

ويشير إبراهيم بسطان " نحن الآن في عصر تطور التكنولوجيا فلم لا تتطور عملية الحصاد وتحصيل المقابل، نريد من الحكومة أن تطور العملية الزراعية لنستعيد مجد الفلاح المصري مرة أخرى ، فأسوان بها خير المزارعين وأجود الأرضي إلا أن المنظومة ككل تحطم كل آمالنا في النهوض بالمهنة مرة أخرى".