ليس دفاعاً عن الفساد!!

خاطرة

أثارت استقالة وزير التموين ضجة باعتبارها إنجازاً ديمقراطياً كبيراً وشفافية سبقها ضجة وضجيج اشد منها حول اتهامات موجهة لهذا الوزير.. تعالت بها اصوات تعودنا منها التأييد والتهليل لكل ما له علاقة بالحكومة ووزرائها.. وإنجازاتها. وكان هذا مثيراً لدهشتى ولكثير من الشجون والابتئاس!
- تحدثنا فى مقال سابق عن الجهل وقوة القتل الثلاثية التى صار يملكها - وما كنا كذلك وكان فى مقدمتها (التعليم) ومنظومته بكل أوزارها التى تتأبى على أى تغيير.. حتى صارت فساداً ينخر فى عقل الأمة ويسد عليها منافذ المستقبل - وبذا صار التعليم على رأس منظومة الفساد فى الحقيقة لأنه أبعدها غوراً ويمتد سنين طويلة دون أية وقفة حقيقية أو مساءلة داخل الحكومة او البرلمان.
- جاء على لسان لجنة تقصى الحقائق بمجلس النواب أن الاتهامات تتمثل فى إهدار المال العام.. وفساد منظومة الوزارة بشأن صوامع بعض المحاصيل المصرية، وأيضاً العشوائية فى القرار.. يا سبحان الله!.. هل هذا يخص هذه الوزارة وحدها حتى تكون كل هذه الضجة؟
- هل يرى تقرير لجنة تقصى الحقائق أن ما جرى فى وزارة التموين أشد هولاً من فساد منظومة التعليم كما أشرنا؟ ألم يصل إلى ادراكها ما حل من ضياع بالعقل المصرى ودور منظومة هذا التعليم فى بث بذور التلقين للصغار ليطرحوا غلواً وتعصباً ثم ارهاباً دموياً يشعل المنطقة العربية كلها ثم ينفجر فى كل الأرض.. دون أن نرى من يسارع منهم بمساءلة النفس أو طلب المساءلة والتقصى كما فعلوا مع وزير التموين أو نجد من أيقظه ضميره إزاء هذا الأمر الجلل ليسارع بطلب رفع هذه اليد الشريرة عن عقول ابنائنا.. تلك اليد التى ظلت ومازالت لعقود طويلة قابضة على المصير والمستقبل.. وحين يئست الاسرة من تكرار شكاواها للحكومات لجأت الى الله تستجير ثم إذا بأبنائهم  ينفجرون متظاهرين ضد السيد الوزير لأول مرة فى تاريخ هذه الوزارة.. ولكن مازال السيد الوزير والوزارة بكل ارثها المخيف بمأمن من أى تقص أو مناقشة حقيقية أو أى إلتفات!!
- ويسأل السائلون أيضاً: هل ظاهرة المحتكرين لاستيراد الغلال من الخارج.. وإفساد المحصول المحلى بخلاف ما جرى من وقائع فساد أطارت بهذا الوزير- هى أولى بالمساءلة دون من يدمرون صناعة الدواء فى مصر لصالح ما يستوردونه ومدمرون آخرون فى جهات أخرى ونحن فى اقسى ظروف نمر بها اقتصادياً ويمر بها غالبية المواطنين المصريين فى ظل اقصى معاناة معيشية بما فيها إحتياجاتهم للأدوية وغيرها.. ألا تنطبق اتهامات لجنة التقصى من إهدار المال العام وفساد منظومة العمل والتعامل أو التوطؤ الخفى أو المستتر فى ظل عشوائية فى القرارات وفقدان أى سياسة عامة حاكمة وقانونية ألا ينطبق ذلك أيضاً على تدمير صناعة الدواء ومنظومة العمل بوزارة الصحة.... أو لا ينطبق ذلك أيضاً على من يتلاعب بالثروة الحيوانية لصالح المحتكرين او من يسعى لتدمير ثروة مزارع الدواجن وإفلاس المشتغلين بها وراجعوا معى ما نشر مؤخراً من خلال إحدى صحفنا القومية الكبيرة معنوناً كالتالى: (طوفان الأوبئة يضرب مزارع الدواجن) (اصحاب المزارع: بيوتنا أتخربت والمسئولون فى غيبوبة) (إلقاء الفراخ النافقة فى النيل) (البيطريون يتهمون الزراعة ورجال الأعمال: لقاحات مستوردة تحمل الأمراض للمصريين)!! ولك ان تسأل لم فى هذا التوقيت؟ ولك أن توزع مسئولية ذلك على المؤسسات والوزارات المسئولة، وأيضاً: لك أن تستحضر ما تم الإعلان عنه جهاراً فى مجال اهدار المال العام وفى مفاصل هامة من الدولة ثم ما جرى من طناش ونسيان لها دون أى مساءلة.. واسأل معى كم عدد القرارات الخاطئة المتعارضة مع الصالح العام للبلد وصدرت فى ظروف لا تحتمل شيئا من التفريط أو التهاون أو التواطؤ مع محتكرى وكبار التجار فى كل مجال.. ظروف بالغة الصعوبة والخطر!!
يقول السيد النائب رئيس لجنة تقصى الحقائق: إن استقالة الوزير خالد حنفى وزير التموين تعد انتصاراً للحق والعدل ودولة القانون.
ونحن إذانشكر لجنة التقصى ورئيسها على جهودهم لاثبات فشل وزير التموين وما تم من تجاوزات مخربة أو (فشخرة) لا تشكل تهمة بل مجرد عرض نسمح لانفسنا أن نستقصى أيضاً حقيقة ما أعلنه السيد رئيس اللجنة من انتصار الحق والعدل ودولة القانون! أى الدستور.
- هل استقالة هذا الوزير وحده هى الحق والعدل وسيادة القانون؟!
- لست هنا أدافع عن الفساد بوزارة التموين فأنا شأن كل المصريين ضد الفساد.. ولكن الفساد برمته وبجذوره كظاهرة تجتاح كل شىء حتى القانون والدستور وحتى صارت الغالبية تُحس بها وبعضها يعلم أن ظاهرة الفساد صارت طوفانية تمتد وتتمدد فى كل مكان ولا يعقل الزعم بمقاومتها فى بقعة دون أخرى - فهذا عبث - إذ هى تحتاج إلى طوفان مقابل من التغيير الجذرى يطهرنا ويطهر هذا البلد من كل اثر لطوفان هذا الوباء ولابد من الاعتراف بأن ذلك الوباء يساعد عليه ضعف وهشاشة حكومة تفتقد أى توجه سياسى يحكم عمل فريقها.. ويضمن سلامة خططه ونتائجها.. هذا الفريق الذى يجب أن يتصف بعلو الكفاءة والهمة بما يتفق وحجم ما نواجهه الآن من تحديات مخيفة تحول دون استرداد موقعنا ودورنا وقدرتنا على (الانتاج ثانية) والنهوض وتولى مصر لدورها الحتمى إزاء عالم عربى مشتعل ممزق وشق بداية لديمقراطية حقيقية هى مفتاح التقدم للجميع.