هل يسمعنى أحد؟!

فى هذا المكان، وتحديداً فى 21/7/2014 - أى منذ أكثر من عامين - كتبت حرفياً: "أن عملية الإصلاح عملية مركبة وشديدة التعقيد، ولها تشابكات سياسية واجتماعية، وتقتضى التنسيق والتعاون التام بين كافة مؤسسات الدولة... وأن مجهودات الإصلاح ستذهب فى مهب الريح لو استمرت المؤسسات الحكومية كل منها يعمل فى جزر منعزلة دون خطة عمل واضحة المعالم ومسئوليات محددة وتنسيق كامل بين كافة أجهزة الدولة بدلاً من تصارعها وإفشالها لبعضها البعض، فعلى رئيس الحكومة العمل على توفير مكتب فنى محترف دوره المتابعة لخطة الإصلاح وضمان التنسيق الرأسى بين صانع القرار والجهات التنفيذية، إلى جانب التنسيق الأفقى بين الجهات الحكومية المختلفة". وبعد مضى أكثر من عامين لايزال هذا المكتب الفنى غائباً، ولايزال التنسيق بين أجهزة الدولة ومتابعة برنامج الإصلاح مفقوداً، فأما آن الأوان لندرك خطورة الموقف وأهمية ما نقول قبل فوات الأوان؟
وفى 23/10/2014، كتبت ما نصه أنه: "يسيطر على تفكير كثير من المسئولين فرض حلول أمنية لمشكلات هى فى المقام الأول بعيدة كل البعد عن قدرة الشرطة، ويجب ألا يسند عبء حلها إلى وزارة الداخلية... من الخطأ الجسيم أن يلقى تبعة فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية على عاتق الشرطة، فهذا ليس من مهامها. وقد أدى استنزاف الداخلية فى مهام ليست منوطة بها أصلاً إلى إرهاق الشرطة وسوء حالة الأمن العام إلى حد بعيد".
تذكرت الآن هذه الكلمات بعد حوالى عامين تقريباً ونحن نتعامل مع أزمة الدولار، فتم إغلاق أكثر من 54 شركة صرافة، وصعدنا من الإجراءات البوليسية لمواجهة أزمة اقتصادية فى المقام الأول. إن الإجراءات البوليسية وإغلاق شركات الصرافة يساهم فى انتشار السوق الموازية، فالسوق الموازية خارج سوق الصرافة، وأعتقد أن قرارات الإغلاق جاءت على الطبطاب لتجار العملة. إن السوق الموازية الآن خارج مصر فى دول الخليج تحديداً، والجميع يبيع ويشترى خارج القطاع المصرفى لندرة العملة... فلا الإغلاق هو الحل ولا الإجراءات البوليسية ستخفف من المشكلة، ولا تغليظ العقوبة إلى الإعدام - على النحو الذى تمناه بعض المسئولين - سيخفف من غلواء المشكلة، يجب ألاـ نرتكن إلى الشرطة لكى تحل لنا مشاكل السياسة النقدية وسوء إدارة الأزمة الاقتصادية... بالمناسبة أزمة السجاير الآن من صنع الحكومة بنسبة 100%، ولن تحلها الشرطة.
وفى 27/11/2014 عدت لأكرر بأننا: "لو لم نبدأ عملية إصلاح مؤسسى حقيقية داخل الجهاز الحكومى، ونعدل نصوص القانون الجنائى المستمدة من قانون جوزيف تيتو من عهد يوغوسلافيا الشيوعية؛ فستذهب كل جهود الإصلاح الاقتصادى والاجتماعى هباءً، وستستمر الأيادى المرتعشة مرتعشة". ولم نفعل شيئا حتى هذه اللحظة، ولايزال الجهاز الحكومى والإدارى المعوق الرئيسى للإصلاح فى هذه البلاد.
وفى 30/4/2015 -أى منذ أكثر من عام ونصف تقريباً -تساءلت لماذا ألغت الحكومة نظام المناطق الحرة الخاصة، وكتبت حينها: "فجأة وبدون أية مقدمات وبدون أية مناقشات مع أصحاب الشأن، ألغت الحكومة المناطق الحرة الخاصة، وهى استثمارات تجاوزت ثلاثين مليار جنيه على الأقل، وحصيلة رسومها لا تقل عن حصيلة الضرائب التى تسددها المصانع المثيلة بنظام الاستثمار الداخلى، ويتعرض أصحاب هذه المصانع الآن لتحرش غير مسبوق من الجمارك... رغم أن تراخيصها لاتزال سارية. إن وزارة المالية كانت الضاغط الأساسى لإلغاء هذه المناطق وللأسف رضخت وزارة الاستثمار لهذه الضغوط دون دراسة وافية بدعوى أن بعض المناطق الخاصة تلجأ إلى ممارسات ضارة. والحقيقة أن التهرب الجمركى ليس فى هذه المناطق، فهى جميعها تحتوى على استثمارات أجنبية ومصرية وتخضع لرقابة محكمة... ارحمونا... إذا كانت هناك بعض المخالفات فلا يعنى هذا القضاء على صناعات واستثمارات بالمليارات وتشريد عمال بالآلاف فى غمضة عين". والآن وبعد مضى عام ونصف تدرس وزارة الاستثمار ضرورة إعادة العمل بنظام المناطق الحرة الخاصة... ما كان من الأول!!
وفى نفس التاريخ قلت إننى أؤيد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ولكنى قلت أيضاً:"إننى لست مطمئناً لاستعداد مصلحة الضرائب ولا أعتقد أن لديها حالياً الكفاءات والبنية الأساسية اللازمة لتطبق هذه الضريبة بشكل كفء ودون إرباك للاستثمار والمستهلكين". وبعد مضى عام ونصف ونحن مقبلون على تطبيق ضريبة القيمة المضافة أعتقد أننا أضعنا عاماً ونصف العام دون أن نستعد جدياً لتطبيق الضريبة، وقناعتى أننا لو لم نؤهل القائمين على التطبيق بالتدريب والبيئة الفنية؛ فإن الحصيلة لن تزيد عن 10 مليارات جنيه، ناهيك عن الإرباك والارتباك الذى ستحدثه فى الأسواق وفى مناخ الاستثمار... اللهم إنى قد بلغت... اللهم فاشهد.
وفى 21/5/2015 حذرت من أن إلغاء المزايا الضريبية فى قانون المناطق الاقتصادية سيكون له أثر سلبى على تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وسترفع من تحديات الاستثمار فيها، وتساءلت: "لماذا تم إلغاء المزايا الضريبية رغم أن المزايا الضريبية تطبق على المناطق الصناعية الخاصة فى روسيا (13%) وتركيا (15%) وماليزيا (10%) - وهو سعر الضريبة الذى كان قائماً فى ظل القانون المصرى قبل تعديله من حكومتنا السنية - وكوريا الجنوبية (10%) وإندونيسيا (10%) والعقبة فى الأردن (5%)... هل نتوقع بعد ذلك النجاح فى هذا الأمر؟". وبعد عام ونصف يشكو رئيس الهيئة الجديد د. أحمد درويش إلى الجميع من أن انعدام المزايا الضريبية من المعوقات الأساسية لترويج الاستثمار فى المنطقة... للأسف لم يسمعنا أحد!!
ما سبق بعض الأمثلة على ما نكتب ويكتبه غيرى، ولم يهتم أحد من المسئولين بما نكتب. وأحياناً أسأل نفسى: هل يسمعنى أحد؟ هل يقرأ أحد؟ هل هناك جدوى مما أكتب ويكتبه غيرى؟ هل أستمر فى الكتابة أم يكفى إلى هذا الحد؟ هل نحن نؤذن فى مالطة؟ هل يُنظر إلى كل ما نكتب على أنه كلام فارغ أو أنه كلام نظرى؟ هل يأخذنا أحد من المسئولين بشكل جدى؟ هل النقد الموضوعى يقدره أحد؟
الإجابة على هذه الأسئلة: لا يهم... سأستمر فى الكتابة أنا وغيرى، فلايزال الأمل قائماً فى غد أفضل مهما كانت تحديات الحاضر، ولن أتوقف طالما القلب ينبض، فمصر الآن فى مفترق الطرق، فلا يمكن لها أن تسعى فى السير بذات الخطى البطيئة. ولازلت على قناعة لا تلين أن المستقبل القريب أفضل وأكثر إشراقاً، وأحاول من خلال هذه الكتابات أن أسهم بأى قدر كان فى كشف معالم الطريق للمستقبل حتى ولو لم يهتم أحد من أعضاء الحكومة... لا يهم!!