من اختطف ضحكة المصريين ؟

لابد الاعتراف والإقرار بوجود هذه الظواهر

 اشتهر المصريون بخفة الظل والتفاؤل والتغلب علي الهموم بالضحكة الصافية النابعة من القلب وظلت هذه السمات اهم ما يميزهم لمئات السنين ، فكان المصري عندما تغلبه الظروف سواء اقتصاديا او مجتمعيا او غير ذلك يطلق النكات حتي وإن كانت علي شخصه المغلوب المنهزم امام ذاته وأمام الظروف، كما انه اعتاد ان يبتسم كلما شعر بأن دموعه ستغالبه لتعبر بذلك ضحكته عن كل ما يختلج في صدره أو يشعر به سواء كانت مشاعر سعادة او حزن ! ولكن مع الأسف تغير الأمر كثيرا في الآونة الاخيرة عما كان عليه وتغير المصريون وتغيرت وجوههم الراضية بأخري ارتسمت عليها علامات القلق والإجهاد والألم والهموم بشكل لافت للنظر وبمجرد النزول إلي الشارع يمكنك ان تراها مما يدفعك للتساؤل عما حدث للمصريين حتي تختفي ابتسامتهم بهذا الشكل ، وعن الظروف التي اختطفت هذه الابتسامة او الضحكة وكيف يمكن ان تسترد من جديد بعد ان قضت عليها تحديات الواقع الذي لا يرحم. وفي خضم رحلتي للبحث عن هذه الابتسامة الضائعة وجدت امامي اسبابا متعددة منطقية وقوية ومعلومة للجميع ربما كان آخرها سعر الصرف الذي ارق جميع المصريين حتي غير المعنيين بالاقتصاد او بأخبار المال غير انهم يعلمون جيدا انه سيؤثر علي احوالهم المعيشية المتواضعة أيا كان مستوي تواضعها اضافة إلي عدم شعورهم باستمرار بالاطمئنان جراء الظروف الاقتصادية وأحاديث الإرهاب، ثم توقفت امام كتاب شيق لكاتبه الأكاديمي الاقتصادي الدكتور جلال امين تحت عنوان " ماذا حدث للمصريين ؟! " وقد شرح فيه دكتور جلال وحلل الظاهرة بشكل علمي وفي سياق رشيق وأرجعها إلي ما اطلق عليه "الحراك الاجتماعي" والذي افرز من وجهة نظرة معظم الأزمات التي نعاني منها وعلي رأسها بالطبع الأزمة الاقتصادية والتي واكبتها بالطبع تغيرات في الثقافة المجتمعية المصرية سرد علي رأسها نظرة المجتمع إلي بعض الكماليات باعتبارها ضرورة ترمز إلي صعود السلم الاجتماعي بالإضافة إلي الارتباط بين اختلال ميزان المدفوعات وارتفاع معدل هذا الحراك المجتمعي وكذلك النمو المذهل في أنماط سكنية معينه ترمز للطبقية وتعبر عن قمة السلم الاجتماعي ،بينما توجد بالطبع عشوائيات كثيرة علي الجانب الآخر. اضافة إلي انصراف أبناء الحرفيين للعمل في وظائف مكتبية تاركين عمل اجدادهم وحرفهم وكذلك تهرب بعض الأثرياء من دفع الضرائب المستحقة عليهم في الوقت الذي تركز الدولة فيه علي التنمية في المدن علي حساب القري الفقيرة في اغلب الأحيان. ولم يغفل ايضا دكتور جلال امين الإشارة إلي التفكك الأسري المتزايد كأحد اهم الأعراض المصاحبة للحراك الاجتماعي بالإضافة إلي التغريب او "الأمركة " التي انتشرت بين المحسوبين علي الطبقة الراقية . وأودّ ان أشير هنا إلي ضرورة عدم اغفال الازدياد الدراماتيكي للفجوة المجتمعية والتناقض بين الطبقات والمستويات المعيشية والذي من شأنه بكل تأكيد تعكير الصفو المجتمعي والترسيخ لمشاعر السخط والحسرة وخاصة مع تآكل الطبقة الوسطي التي تمثل العمود الفقري للمجتمع لأنها تتألف من الصفوة الحقيقية كالأطباء وأساتذة الجامعة والمهندسين والمحامين وغيرهم من المثقفين الحقيقيين مما أعطي انطباعا بأن هناك "مصرين" مصر الأثرياء واخري مصر الفقراء !

     وهنا لابد مع الاعتراف والإقرار بوجود هذه الظواهر ان ندرك ان الإعلام قد زادها تعقيدا بأسلوب طرحه لها وتركها دون إيجاد حلول حقيقية، مع إصراره علي الانفصال التام عن المجتمع من خلال تقديم وجبات درامية لا تمس هموم غالبية المصريين مخاطبا شريحة معينة او من خلال تقديم مواد مسفة للشريحة الأخري تفسد اكثر مما تصلح اضافة إلي ما يبث من برامج يومية أضعفت الروح المعنوية للشارع المصري جراء عشوائية وسوداوية الطرح التي ينتهجها ،وبالتالي فالإعلام هو المتهم الأول بسرقة ضحكة المصريين بتصديره هذا الكم الهائل من الطاقة السلبية والتغييب إضافة إلي تردي الواقع بالفعل ولذا أودّ من هذا المنبر المحترم ان أكرر تنبيهي بضرورة الالتفات للأثر السلبي لما يبث عبر وسائل الإعلام المختلفة دون أدني شعور بالمسئولية المجتمعية وضرورة الحفاظ علي الروح المعنوية للمصريين التي أصبحت الآن بالفعل تعاني الأمرين وفي ادني مستوياتها إلي ان يتم التغلب علي مصاعبنا والمرور بهذه المرحلة بسلام او بأقل خسائر ممكنة.