خاطرة

أول القصيدة .. وحتي آخرها

مازلنا علي وعد بمشاهدة ما لم نتمكن من مشاهدته مما يستحق.. في رمضان الماضي الذي رحل عنا وهو  يلملم ما تمزق من ردائة الوقور جراء ما فعل السُفهاء منّا وخاصة من نصَّبوا من أنفسهم سادة لرمضان وأعزة "التليفزيون" وعلي كل قنواته التي أهلكتنا وأهانته. علما بأن لنا كمصريين ما يجمع بين البهجة الدنيوية والتقاليد الروحية التلقائية منذ قرون في منظومة فريدة أبدعها هذا الشعب الفنان رغم ما يعتقده البعض انها إبداعات الفاطميين، وما هي كذلك وإلا انسحب الأمر علي كل من حكمه الفاطميون من أمم.. اذن هو رمضان المصري.. مثل جحا المصري.. الذي لا يستقيم تواجده بمصر إلا بوعي من الشخصية المصرية  الخلاقة.

وعليه.. ما زالت اطلالتنا علي دراما رمضان لم يكتمل تأملها.. علها تكتمل ونجد ما يشي بفرج الله القريب واسترداد بعض ما فقدناه.

وإذا انتقلنا إلي ما فعل بعض السفهاء منا برمضان بخلاف الدراما.. وجدنا في الصدارة وفي الخلفية دائما "الإعلانات".. ومعها من يلازمها صفوان متلازمان لأنهما أولا: يتداخلان تداخلا عجيبا وطبيعيا في نفس الوقت حيث غاب الهدف -أي هدف ذي معني- وحضر اجتذاب الرزق غير الحلال.. في أغلبه.. وسيطرت كل أساليب التجارة في أرخص حالاتها حيث يهون كل عزيز.. وتدهس كل قيمة وتبتذل رموز فنية أو وطنية غناء أو شعارات.. تلك هي نقطة الالتقاء الساطعة بين الإعلانات والبرامج والإعلانات للحق حققت تقدما تقنيا كبيرا في هجومها علينا وعلي كل شيء. تنفرد الإعلانات أيضا بقدرة شيطانية عبر امتهان الدراما وامتهان صانعيها.. فالأحكام سيطرتها فرضت علي الدراما ان تتقلص.. الحلقة الآن 25 دقيقة فما دونها وكانت قديما 40 دقيقة فما فوقها وأيضا حرية كاملة في اقتحام العمل الدرامي.. إعلانات بين المشهد والمشهد أو المشهدين والفترة الإعلانية قد تصل إلي ثلاثة أضعاف الفترة الدرامية وكما أشرت سابقا يمكن لأباطرة الاعلانات ولمزيد من الكسب أن يقيموا مسابقات بجوائز لمن يتمكن من جمع أشلاء الحلقة أو أشلاء المسلسل.. الإعلانات باختصار هي السيدة المطاعة التي تفرض علي الجميع بلا نقض ولا إبرام ولا نفس.. إملاء شروطها وشروط ما تسمح بعرضه وبمن -فيما عدا قلة من كبار الفنانين يملكون حرية الاختيار وفيما عداهم أو معهم- تضمن أوسع مساحة من الكسب المتوحش!

وتسأل نفسك لمن تتوجه هذه الاعلانات.. ان دققت قليلا فعليك الاعتراف انها تخاطب مصر أخري.. ليست مصر التي نعرفها ونريد بناءها.. انها تذكرنا بحديث عبدالناصر عن مجتمع النصف في المائة.. انها تضج بأعلي ما نتخيل من زينة الدنيا وزخرفها.. كوميونات علي كل لون وعلي أعلي المستويات منتجعات وملاعب جولف.. فنادق ومطاعم بل وأكلات لم يسبق للغالبية السماع بها أو رؤيتها -وحتي لا يقال انه حقد طبقي- والقول بهذا تدليس ازاء مجتمع يريد ان يولد بعد ثورة وينهض.. ولكن ليكن فما قولكم.. في أن تكون هذه الاعلانات تشغل عددا كبيرا من الساعات وما رأيكم فيما يتخللها ويا للعجب من اعلانات هزيلة بائسة عن الفقر والفقراء واستشراء المرض بين الكبار والصغار.. بهدف طلب العون والمساعدة.. والأعجب ان جزءا كبيرا من هذه الاعلانات يأتي من قبل مؤسسات ووزارات تتنصل بهذا من دورها.. وأين القادرون فعلا علي العون بسهولة ولكنهم لا يبالون أصلا بإقالة عثرة هذا البلد.. ومن يفعل فبليّ للذراع وبمكاسب وابتزاز يطوع القوانين لخدمة مصالحه باسم الاستثمار.

فيما عدا ما يفعله رجل وطني حقيقتي مثل الدكتور "مجدي يعقوب" أو "الدكتور محمد غنيم" وقلة قليلة ممن يملكون ضميرا وطنيا حيا فلا نجد الا النذر اليسير من المسئولين وأصوات أقل في مجلس النواب المحير.

هذه صورة واقع لا تقدمه لنا هذه الاعلانات لكنا نستخلصه مما يمور داخلها من استفزاز وتناقضات لا تفيدنا بقدر ما تزيد من احتقان الغالبية.

الحديث عن مثالب هذه الاعلانات وخاصة ما يتعلق بالجانب الخلقي والمهني والانفلات في السلوك العام حديث يطول لكثرة تفاصيله، أما البرامج فلها حديث آخر.

هامش :

يا سبحان الله.. برغم ما نزل بالتعليم من وبال علي مر الأجيال وزاد الطين بلة بتسريبات أقرب للخيال أو الخيال.. مازال معاليه علي مقعد الوزارة قاعدا مطمئنا كما ينام هادئ البال.. وما له من زوال.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

السيد وزير الثقافة يدعو بقوة إلي منع جوائز الدولة عن أعداء الدولة!! هل سمع أحد عن اساءة للجوائز وللدولة.. أفظع من تلك؟!