ماسبيرو زمان وماسبيرو الآن

غاب عن المسئولين وقتها العائد الاجتماعي والأدبي والتربوي الذي تحدثه هذه البرامج

كان للقرار الحكيم ببث قناة "ماسبيرو زمان" وقع جميل في نفسي وأعتقد أن هناك الكثيرين يشاركونني هذا الشعور، وفي تصوري أن القناة ستحوذ علي درجة عالية من المشاهدة من كل الأعمار وستجذب الكبار لأنها سوف تساعدهم علي استرجاع الزمن الجميل وتذكرهم بما استمتعوا به في وقت مضي، واستعادة الذكريات لها سحر خاص ومتعة فائقة  وسوف تجتذب الشباب أيضاً ليتعرفوا علي ما كان آباؤهم يستمتعون به وهناك احتمالان فقد يعجبون به ويقدرونه ويجدون فيه دروساً مستفادة وقد لا يعجبهم ويستهويهم التهكم عليه وفي كلتا الحالتين هناك متعة لهم أيضاً. أما علي المستوي الشخصي وجدت في بث هذه القناة فرصة لأعرض اقتراحاً علي الأستاذة / صفاء حجازي طالما ناديت به قبل ذلك وأتمني أن يتحقق علي يديها. والاقتراح هو أن تستعيد إذاعة برامج التنوير التي كانت تبث في التليفزيون القومي من خلال قنواته المحدودة  البرامج الثقافية المتعددة التي كانت تشكل نسبة مخططا لها بوعي كامل بآثارها الإيجابية في تشكيل فكر المشاهد لها. فمثلاً كان هناك برنامج وأرجو ألا تكون الذاكرة قد خانتني يسمي "كتاب اليوم" يذاع أسبوعياً، يتناول كتاباً قيماً ويستعرضه المذيع مع أحد مفكري ومثقفي المجتمع مما كان محفِّزاً للقراءة والإطلاع. وكذلك نادي السينما الذي كان يستعرض فيلماً محترماً ويناقش ما فيه بجدية وعمق فبالإضافة إلي المتعة بالمشاهدة كان بمثابة درس غير مباشر لشباب المخرجين والمؤلفين والمجتمع الفني  كما كان هناك عدد من البرامج العلمية الهادفة مثل "العلم والإيمان" للدكتور / مصطفي محمود وعالم البحار للدكتور / حامد جوهر وعالم الحيوان وعالم النبات وتكنولوجيا و"عصر العلم" الذي كان لي شرف تقديمه وإعداده علي ما يقرب من 40 عاماً هذا بالإضافة إلي العديد من الأفلام التسجيلية الهادفة التي كانت تزخر بها مكتبة أفلام التليفزيون. كل هذه البرامج حذفت بجرة قلم دون تمعن في أثر هذا علي جيل بأكمله ولم يكن هناك سبب لذلك سوي أنها مكلِّفة وليس لها عائد مادي  وغاب عن المسئولين وقتها العائد الاجتماعي والأدبي والتربوي الذي تحدثه هذه البرامج في وجدان من يتابعونها وأعترف أنني لم أكن أتصور وأنا أقدم برنامجي أن لهذه البرامج هذا التأثير الذي ألمسه حتي الآن عندما التقي بالبعض ويتعرف عليّ ويذكرني به بعد انقطاع ما يقرب من خمسة عشر عاماً بل ويفتقدونه ويفتقدون "العلم والإيمان" وعالم الحيوان  الخ ويفتقدون البرامج التنويرية الثقافية غير المباشرة من خلال مسابقات وألعاب كانت علي درجة عالية من الرقي والإتقان وغير ذلك مما لا تسعفني به الذاكرة  هناك فرق بين الأجيال التي نشأت مع هذه البرامج والأجيال التي تنشأ اليوم علي البرامج الجاذبة للإعلانات والمال  والآن نصف نحن الكبار بعض شبابنا بالعنف وعدم احترام الكبير وبعض قيم المجتمع وتقاليده الإيجابية والاحترام الكافي ونلقي باللوم علي مؤسسات التعليم تارة والإعلام والثقافة تارة أخري وهو سليم تماماً إلا أن ما يبّث في الإعلام المرئي لهو أقواهم أثراً  حاولت مراراً إقناع المسئولين بإعادة هذه البرامج وفشلت بالرغم من أنني كنت عضواً في مجلس اتحاد الإذاعة والتليفزيون لسنوات  فشلت في إقناع المسئولين بالرغم أنه كان هناك قبول من أعضاء مجلس الاتحاد.

ياليت الأخت العزيزة /صفاء حجازي في محاولتها الجادة المشهود لها لتطوير رسالة التليفزيون أن تتكرم بالنظر في إعادة ولو بعض من هذه البرامج في صورة جديدة متطورة بالطبع بما يلائم المفاهيم الحديثة وبأفكار جديدة وعدم فصلها في قنوات متخصصة بل تكون علي شكل جرعات ثقافية في كل القنوات وقد يكون ذلك من خلال لجنة ممن تراهم قادرين علي التطوير والتحديث ومصر مليئة بالخبرات العلمية والثقافية القادرة علي إحياء هذا البعد المهم الغائب.