يوميات الأخبار

هل هي بداية حرب أهلية في الولايات المتحدة؟

ان من المثير ان يقف قائد شرطة مدينة دالاس لينعي زملاءه وهو بالمناسبة اسود فقد ابنه الاكبر في مشاجرة وعملية سرقة انتهت بقيام الشرطة باطلاق النار عليه


يخشي أغلب الامريكيين أن تكون بلادهم علي شفا حرب أهلية وذلك في اعقاب احداث العنف التي جرت مؤخرا في العديد من المدن الأمريكية وخاصة ما جري في مدينة دالاس بولاية تكساس والذي اسفر عن مقتل سبعة من ضباط الشرطة وإصابة خمسة من زملائهم.

وقد جاء غلاف جريدة «الديلي نيوز» الواسعة الانتشار معبرا عن هذا الخوف فقد افردت الجريدة صفحتها الاولي لصور العلم الأمريكي الذي رفع وقد تمزقت  اطرافه وكان العنوان الموجود أسفل الصورة وبخط صغير يقول: «أمريكا الممزقة».

ومع انتشار ظاهرة الإرهاب الذي اصبح وباء يهدد العالم فإن الساسة الأمريكيين وصناع القرار في واشنطون لا يكفون عن الحديث عن أن الإرهاب هو أكبر خطر يواجه الولايات المتحدة.. ولكنهم للأسف لا يتناولون الإرهاب الذي اصبح شبه مسيطر علي المجتمع الامريكي وهو إرهاب العنصرية والكراهية وأساليب التخاطب غير اللائقة وانتشار السلاح في ايدي افراد الشعب.. والكراهية اصبحت الوباء الاكثر انتشارا في الولايات المتحدة حيث ان كثيرا من البيض يكرهون السود والسود يكرهون الشرطة والمسئولين عن الأمن ورجال الحزب الديموقراطي يكرهون الحزب الجمهوري واعضاء الحزب الجمهوري يكرهون الديموقراطيين بمن فيهم الرئيس باراك أوباما.

وبالمناسبة يفضل أغلب الساسة الامريكيين وكل وسائل الاعلام وصف ما يجري من حوادث قتل يروح ضحيتها العديد من افراد الشعب بأنها مجرد حوادث عنف وذلك لأن تسمية الإرهاب محجوزة باسم كل ماله علاقة بمنطقتنا الشرق الأوسط.

وبالمثل كذلك لا تتوقف كل وسائل الدعاية  والاعلام الامريكية والجهات الرسمية الامريكية عن الحديث عن انتهاكات حقوق الانسان في منطقتنا وأما ما يجري هنا من مظاهرات واحتجاجات للمطالبة بالعدالة أو المساواة في التعامل فإنهم يطلقون عليه «الحقوق المدنية» أي ان الحقوق الانسانية بخير والحمد لله والخلاف هو حول حقوق مدنية.. ازدواج المعايير سمة مميزة.

ولا أريد هنا ان ابتعد عن الاحداث التي جرت هذا الاسبوع والتي تتتابع والتي تشير الي ان احتجاجات الستينيات التي اجتاحت الولايات المتحدة قد تعود وبعنف لتهدد انتخابات الرئاسة الأمريكية.

وكانت وسائل التواصل الاجتماعي التي تعبر المسافات والأزمنة في لمح البصر قد لعبت دورا هاما في اندلاع العنف حيث شاهد الامريكيون ما نقلته أجهزة الاعلام من فيديوهات تصور استخدام رجال الشرطة العنف في قتل رجل اسود يدعي والتون ستيرلنج بولاية لويزيانا وشوهد وهو ملقي علي الارض وهو يحاول ان يستخدم سلاحه في الهجوم علي الشرطة إلا ان رجال الشرطة الذين جثموا علي ظهره لم يكتفوا باطلاق رصاصة واحدة بل اطلقوا ٤ رصاصات ادت الي مقتله فورا.. وخرجت زوجته وأسرته لتطالب بالعدالة بعد ان شاهد كل الامريكيين قتل زوج وأب لخمسة أطفال علي يد الشرطة.

وقد رأي البعض ان تصرف الشرطة كان له ما يبرره خاصة ان القتيل الذي كان يبيع اشرطة تسجيل كان قد هدد بعض الناس بسلاحه وهو ما استدعي طلب حضور الشرطة.. ولم تمض ٢٤ ساعة حتي شاهد الشعب الامريكي حادثا آخر وكان الضحية شابا اسود يدعي فيلاندرو كاستيل من ولاية مينسوتا حيث استوقف رجل الشرطة كاستيل وهو يقود سيارته لأن احدي لمبات السيارة الخلفية كانت غير مضيئة وهي مخالفة مرورية وتوقف الضحية دون أي مقاومة واخطر الضابط انه يحمل سلاحا مرخصا وعندما طلب الشرطي الرخصة والتأمين الخاصين بالسيارة مد الرجل يده الي جيبه الخلفي لتقديم المستندات المطلوبة ولم ينتظر ضابط الشرطة ربما لاعتقاده بأنه يسعي الي استخدام سلاحه فأطلق ٥ رصاصات ادت الي مقتله.. وجاء ذلك كله عبر الفيديو الذي صورته صديقة القتيل باستخدام الهاتف المحمول والذي نقل عبر الانترنت وربما كان هذا الحادث هو القشة التي قصمت ظهر البعير.. فقد انطلق تنظيم اطلق علي نفسه «حياة الشخص الاسود مهمة» وهو تنظيم تم تشكيله منذ عامين للدفاع عن الأمريكيين ذوي الاصل الافريقي عقب احداث فيرجسون التي أدت الي مواجهات بعد قيام الشرطة بقتل شاب أسود اتضح فيما بعد انه لا يحمل اي سلاح وإن كان اسلوبه قد ضلل وتحدي الشرطة مما أدي الي تبرئة  ضابط الشرطة من تهمة القتل الخطأ.

واستنفر هذا التنظيم كل اعضائه وانصاره للقيام بمظاهرات حاشدة في كل المدن الأمريكية الكبري وقد توقف المرور في بعض المدن نتيجة هذه المظاهرات التي اراد المشاركون فيها الالتزام بالسلمية، إلا ان التنظيم في احدي مظاهراته بمدينة بالتيمور قام بتوجيه انصاره بالاستلقاء علي ارض الشوارع في المدن مما منع المحلات الكبري والمولات من استقبال العملاء وكان الغرض هو دفعهم للمشاركة في هدف التنظيم وذلك بعد التأثير علي سير العمل.. وقد سبق للتنظيم منع اجتماعات الدعاية لمرشح الرئاسة دونالد ترامب وكذلك للمرشحة هيلاري كلينتون.. ونظرا لما ابداه انصار التنظيم من غبطة وسعادة لقتل ٧ من ضباط الشرطة الذين كانوا يقومون بحماية المتظاهرين في دالاس حيث ذكرت رسائل التواصل الاجتماعي قولهم : «لقد كنا نسعي الي عدد اكبر» وكذلك: «هذا عمل رائع نريد قتل المزيد من الخنازير» وكذلك «اقتلوا الرجل الابيض».

ويطالب عدد من المراقبين حاليا بتصنيف هذا التنظيم كتنظيم إرهابي داخلي ينظم لزعزعة الأمن وإرهاب الأهالي.. ويجدر بالاشارة كذلك الي ان رسائل العنف التي يتم تبادلها علي الانترنت استقطبت بعض الجماعات الإرهابية التي تريد زعزعة الأمن حيث قامت جماعة معروفة باسم النمور السوداء بنشر رسائل تطالب بقتل كل من يرتدي الزي الازرق فيما عدا رجال البريد.

وتخشي السلطات الأمنية تصاعد عمليات العنف عند انعقاد المؤتمر القومي للحزب الجمهوري والذي سيعقد يوم ١٨ الجاري بمدينة كليفلاند وكذلك عند انعقاد المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي بمدينة فيلادلفيا يوم ٢٢ الجاري.. وبالتالي فمن المتوقع استخدام قوات من الجيش لحماية هذه التجمعات الهامة.

ويجدر بالاشارة إلي أن عدد ضباط الشرطة الذين قتلوا هذا العام اثناء  اداء عملهم قد وصل الي ٣٤ ضابطا.. ومن المعروف ان عددا كبيرا من خريجي الجامعات الامريكية يسعون الي الانضمام لصفوف ضباط الشرطة وهم جميعا مؤهلون ولا يوجد ضابط أو جندي حيث يطلق علي أي منهم اسم ضابط ويتدرج مرتبه حسب الاقدمية وحسب امكانيات المدينة التي يخدم بها.. والمرتبات معتدلة نسبيا الا انها تضمن معاشا جيدا بعد الاستمرار لسنوات في الخدمة الي جانب تأمين صحي وتسهيلات في الحصول علي قروض لشراء مساكن.

والغريب ان هؤلاء  الذين يخدمون الشعب ويسهرون علي أمنه قد اصبحوا هدفا لأفراد قلائل من السود.. وكان من المثير ان يقف قائد شرطة مدينة دالاس لينعي زملاءه وهو بالمناسبة اسود فقد ابنه الاكبر في مشاجرة وعملية سرقة انتهت بقيام الشرطة باطلاق النار عليه.. وقد سعت السلطات الامنية الي نفي تهمة استهداف السود عن افرادها حيث جاء في بيان نشر هذا الاسبوع ان عدد من قتلوا علي يد الشرطة منذ بداية العام الحالي بلغ ٥٢٣ شخصا منهم ١٢٧ شخصا من السود فقط.

ويصل عدد الأمريكيين السود الي حوالي ٣٠ مليونا من بين ٢٤٠ مليونا هم سكان الولايات المتحدة الامريكية.. إلا ان ٥٠٪ من المساجين الامريكيين من السود.. وهذا لا ينفي ان هناك عددا كبيرا للغاية من السود علي مستوي عال من الثقافة ويشغلون مناصب هامة وفي مقدمتهم الرئيس أوباما.

واذا كان الرئيس اوباما قد قطع زيارته لأوروبا ليعود للولايات المتحدة ليشارك في مواساة اهالي الضحايا فإن أغلب المراقبين انتقدوا اسلوبه في تناول الاحداث حيث تناول ما جري في دالاس باعتباره قضية سياسية للتوصل الي هدف بعيد المنال وهو الحد من الحصول علي الاسلحة النارية وهو الحق الذي كفله الدستور الامريكي.

ومن جهة أخري رأت هيلاري ان ما يجري حاليا قضية معقدة والقت باللوم علي البيض الأمريكيين.. ومن المعروف أن هيلاري تري ان تعاطفها مع السود قد يمكنها من التغلب علي خصمها العنيد والعنيف دونالد الذي رأي الالتزام بالتوازن في تصريحاته تجاه قضية التعامل فيما بين الشرطة والأمريكيين السود.

ولم تمنع دوامة العنف قيام جو والسن وهو عضو مجلس النواب السابق عن ولاية الينوي من كتابة تعليق ناري علي الانترنت قال فيه: «انها الحرب.. انتبه ياأوباما» وانتم يا ممثلي تنظيم  حركة السود الهمجية اعلموا ان امريكا الحقيقية ستلاحقكم.

ولم يتراجع رجل الكونجرس الامريكي عن تصريحاته المثيرة مؤكدا ان الوقت قد حان لحماية الشرطة.

انتخابات الرئاسة

واذا كانت احداث دالاس قد جاءت لتحجب نسبيا معركة الرئاسة الامريكية فربما كانت هذه الاحداث قارب النجاة المؤقت لهيلاري كلينتون في مواجهة الاتهامات الخاصة بسوء استخدام البريد الإلكتروني وتعريض اسرار البلاد للاختراق من جانب الدول التي تعاديها.

وكان رئيس وكالة التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي الذي اشرف علي التحقيقات الخاصة باستخدام هيلاري كلينتون لجهاز كمبيوتر وضع لاستخدامها في المنزل الخاص بها عندما كانت وزيرة للخارجية مما يخالف التعليمات التي تضمن عدم الحصول علي اسرار الدولة.. قام كومي في الايام السابقة لأحداث العنف بالاعلان فجأة بأنه سيعلن ما توصلت اليه التحقيقات وجاء ذلك بعد عقد الرئيس السابق كلينتون اجتماعا مع وزيرة العدل وهي المشرفة بطبيعة الحال علي كل التحقيقات واثار الاجتماع ضجة حيث انه اعتبر محاولة للتأثير علي وزيرة العدل وربما اغرائها بأنها قد تبقي في منصبها في حالة فوز هيلاري بالرئاسة.. واضطرت وزيرة العدل الي الاعلان ان لقاءها ببيل كلينتون كان مجرد لقاء اجتماعي تم فيه تبادل المعلومات عن اخبار الاسرة والاجازات.. واكدت انها ستقبل بأي توصيات يضعها مدير وكالة المباحث الفيدرالية.. وجاءت تصريحات كومي بعد ان عقدت الوكالة اجتماعا استمر لمدة ثلاث ساعات ونصف مع هيلاري.

وكان هناك تلهف اعلامي عما سيسفر عن هذه السلسلة من اللقاءات.. وعلي مدي ٢٠ دقيقة تناول كومي التحقيقات مؤكدا ان هيلاري ومساعديها قد تعاملوا مع البريد الإلكتروني ومستندات الخارجية باسلوب اتسم بالاهمال وعدم المسئولية وأشار الي ان التحقيقات اسفرت عن وجود بعض المستندات السرية ضمن هذا البريد.

وأوضح كذلك ان محامي هيلاري قد قام بإزالة اكثر من ٣٠ ألف  مستند مدرج ضمن هذا البريد الإلكتروني باعتبارها مستندات شخصية وأن عملية الإزالة قد تمت باسلوب لم تتمكن الوكالة من استرداده.. وقال مدير الوكالة انه اوصي بعدم احالة هيلاري للمحاكمة حيث انه لم يثبت وجود سوء نية.. وكانت هذه المفاجأة هي التي دفعت الكونجرس وبصفة خاصة اللجنة المشرفة علي مراقبة العمل الحكومي باستدعاء كومي للشهادة والاستفسار واستمر الاجتماع الذي نقل علي الهواء مباشرة علي مدي ٤ ساعات.. واذا كان كومي شخصا فوق مستوي الشبهات فقد اثبت اعضاء الكونجرس انهم علي كفاءة عالية قانونية وأن القضية لن تنتهي عند هذا الحد خاصة ان كومي قال ردا علي سؤال حول عقوبة الاهمال الجسيم في التعامل مع المستندات السرية واذا ما كان الامر يمس احد العاملين معه فكيف سيتعامل معه؟

وكان رد كومي الحذر ان الامر يتوقف علي عوامل عديدة ولكن العقوبة قد تكون الفصل من العمل او منع الشخص من الحصول علي تصريح أمني للاطلاع علي المستندات او حضور الاجتماعات الخاصة بالأمن القومي وان هذا المنع قد يصل الي عدة اشهر وقد يكون نهائيا.

وعندما سأله عضو الكونجرس لماذا لم يضع ذلك ضمن توصياته؟  قال: ان الامر ليس من اختصاصي.. وفي محاورة أخري نفي كومي ان تكون هيلاري قد كذبت علي المباحث الفيدرالية اثناء التحقيقات الا انه رفض التكهن بان هيلاري قد كذبت علي الكونجرس.. وهنا قرأ عضو الكونجرس تصريحات هيلاري امام الكونجرس بعدان اقسمت علي الادلاء بالحقائق وبين ما ذكره كومي عن ان هيلاري لم تكذب فيما يتناول وجود وثائق سرية في بريدها.. وقال: ان واحدا من هذين التصريحين غير صحيح إما ما ذكرته او ما ذكرته هيلاري.. وهنا انفجر مدير وكالة التحقيقات غاضبا لوجود ايحاءات تشير الي انه يريد مجاملة هيلاري.

المهم ان هذه الجلسة وما ذكره كومي اصبح يشكل ذخيرة هامة سيستخدمها المنافس العنيد ترامب في الهجوم عليها.. والمفاجآت قادمة.. والمثير حقا ان ترامب الذي لا يستطيع اي شخص ان يتنبأ بخطواته القادمة اثار بعض الجدل عندما قال انه سيفكر في القبول بالعمل كرئيس للولايات المتحدة اذا ما تم انتخابه.

وقد رفض ترامب تفسير تصريحه المثير.

مكاسب الفضيحة

هناك مثل معروف لدينا يقول ان هذا الشخص يستطيع تحويل الفسيخ الي شربات.. وهذا ما يمكن ان يقال عما حدث مؤخرا في واشنطون عندما اعيد افتتاح فندق وترجيت منذ شهرين.

ومن المعروف ان فضيحة وترجيت تعتبر اكبر فضيحة في تاريخ السياسة الامريكية وان هذه الفضيحة ادت الي استقالة الرئيس نيكسون من منصبه واحدثت زلزالا ضخما في الأوساط السياسية.. وتتلخص في قيام الرئيس نيكسون بتحريض انصاره من الحزب الجمهوري علي التنصت عما يدور في الحزب الديمقراطي.. وتم ذلك بأسلوب غير قانوني.. وارتبطت الفضيحة التي كشفها صحفي شاب يعمل بجريدة الواشنطون بوست باسم وترجيت وهو المبني الفاخر الذي كان به مكتب الحزب الديمقراطي الي جانب انه كان مقرا  لسكن ومكاتب عدد من الشخصيات الفنية والسياسية البارزة.

وبعد الفضيحة ألقت هذه الاخبار بظلالها علي المبني ولم يعد يستهوي الشخصيات البارزة حيث اصبح مبني سيئ السمعة.. إلا ان مستثمرا يدعي جاك كوهين اشتري المبني لعل وعسي الا انه لم ينجح في الاستفادة به وقام بإغلاق المبني منذ عشر سنوات وقرر إنفاق مبلغ ١٢٥ مليون دولار علي تجديده.

ونظرا لموقع المبني المتميز في واشنطون فقد اصبح فندقا فاخرا الي جانب وجود أماكن للمكاتب والمحلات والمطاعم.. واختار المستثمر تاريخ الفضيحة ليكون هو رقم تليفون هذا المبني ومن المثير ان المفاتيح الخاصة بغرف الفندق قد كتب عليها «لا داعي للاقتحام» وهي إشارة بطبيعة الحال لفضيحة التجسس.