قضية ورأي

جهاز الثقافة المرئية

لايزال صدي ندوة كاتب وكتاب بمعرض القاهرة الدولي السابع والعشرين للكتاب عن مستقبل الثقافة في مصر العربية وصاحبه سليمان حزين وزير الثقافة في عهد عبد الناصر وعميد الجغرافيين العرب، في السؤال الكاشف عن المحتوي بما اختزله غلاف ذلك الكتاب من دلالات التقزم والتعملق بين جذور الثقافة (النخيل المتقزم) والثقافة المتحولة أو المرئية (جهاز التليفزيون المتعملق) التي تربط بين طغيان تأثير التليفزيون وإصابة روافد الثقافة والهوية بحالة من تصلب الشرايين.

وأذكر أعمال عادل نور الدين رئيس معهد الإذاعة والتليفزيون الأسبق من واقع جمع التليفزيون بين الصورة والصوت وسيطرته علي حاستي السمع والبصر وقوة رسالته في نشر ثقافة التربية والأخلاق والسياسة، حيث يؤكد كتاب (حزين) وكذلك رؤي (نور الدين) علي دور التليفزيون في تشكيل الحالة الثقافية في المجتمع بكافة فئاته وأطيافه لاتساع وتنوع وظائفه بين وسائل الإعلام الجماهيرية الأخري وامتلاكه مخيلة متطورة لتصوير العالم وتقويمه،فهو يوجه اهتمامات الجمهور نحو القضايا المهمة في البلاد، ويشكل وعي المرأة ومرحلة الطفولة ويبسط العلوم للأطفال ويبني الوعي السياسي ويبحث في حل مشكلات التنمية الريفية والتحضر والتنمية الاجتماعية ويحارب مسببات التلوث البيئي وينشر الثقافة الدينية والجغرافية والاقتصادية والصحة النفسية، علاوة علي دوره في خدمة الإعلام العسكري وقت الحرب وخلال الأزمات السياسية (الحدودية والمائية) حسب مقتضيات ومصلحة الأمن الوطني.

نجح فيلم الخيال العلمي الأمريكي (إنتاج 2006)وأحداثه التي تدور في لندن وسحرة القناع الشهير في الكشف عن طغمة التليفزيون وأكاذيبه للحفاظ علي مستقبل النظام الفاشي من عواقب الثورة القادمة وتأكيد توظيفه في تغيير الواقع السياسي ومحاكمة الطغاة والفاسدين، وفيه ابتدعت عصبة هوليود فكرة الفوضي لاستدعاء الثورات في مناطق من العالم ومنها أحداث المنطقة العربية، وبادرت بإعلان قطعة الدومينوللدولة التي لن تسقط وهي إسرائيل. وكذلك نبوءة هربرت ماركوز في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد بحالة استلاب النخبة للتليفزيون وتزييف الواقع الاجتماعي لمشهد الفقر والفقراء.

وعن الإعلانات وظهور المرأة ومفاتنها كسلعة وانعكاساته علي ظاهرة التحرش الجنسي قياساً بحوادث مرورية من إعلان مثير عن ملابس داخلية نسائية في مدخل إحدي المدن الأوروبية، مع الفارق الثقافي المزعوم، وما جسده مسلسل ونوس الجاري عرضه عن برنامج ديني شعبي وربط استمراره بعوائده من الإعلانات بغض النظر عن محتواه وما يروج له من أخلاق مشبوهة،ناهيك عن برنامج التلذذ السادي بمشاعر الضيوف والمشاهدين تحت تأثير حريق مفتعل وانعكاساته النفسية علي سلوكيات الطفل ومستقبله.

فهل يحتاج جمهور المشاهدين إلي نوع من الحماية أم إصلاح شامل في التليفزيون؟ وقد خرجت علينا إعلانات شهر رمضان 2016 برائحة السياسة والجنس وظهور جيل إعلاني يعمق طريقة (إنسف حمامك القديم) لتسويق مفاتن الرفاهية العقارية المزيفة وقلاع الطبقية المفرطة لجذب النخبة أحادية البعد والتي لا تراعي شروط العقد الاجتماعي وكارثة غياب العدالة المكانية لتمكين الطبقات الفقيرة والمهمشة.

روادتني بعد نشر مقال سابق عن معدلات الإدمان في مصر وتجاوزها ضعف النسبة العالمية واستهداف فئة الشباب (ثروة الوطن) أمنية ظهور مبادرة مجتمعية تليفزيونية يشارك فيها الفنانون ورجال الفكر والثقافة والدين لدعم مراحل العلاج والتأهيل والتعافي، وتأسيس مركز وطني لأبحاث الإدمان في موقع بالصحراء، وربطه بخطة تهيئة الشرائح السكانية المستهدفة اجتماعياً وثقافياً للانتشار السكاني خارج الوادي والدلتا، والتي تستحق ومعها حماية البيئة من التلوث مجهوداً متميزاً من جهاز الثقافة المرئية (التليفزيون) لإعادة توزيع السكان في مصر.

فهل هناك أمل في تعميق رسالة التليفزيون لدعم التنمية التي تسعي إليها البلاد؟!