عاجل

د. فرخندة حسن تكتب

علم الفلك في الحضارة الاسلامية

برع علماء الدولة الإسلامية في علوم الفلك ولم يقف نشاطهم العلمي في هذا المجال عند المشاهدات والنظريات بل خرجوا إلي التجارب العلمية والقياس والرصد، مما أدي إلي تدقيق حركة الشمس والقمر وميل مدار البروج وطول السنة الشمسية وحددوا أوج الشمس وغير ذلك من الجهود التي نجحوا في الارتفاع بها إلي المستوي ليصبح علماً هو ما نطلق عليه إلي الآن علم الفلك Astronomy وليس التنجيم Astrology كما كان قبل ذلك.

كان الخليفة المأمون قد أمر ببناء مرصد في شمال بغداد وآخر علي جبل قسيون في دمشق، أتاح وجود هذه المراصد التي يمكن اعتبارها معامل بحث علمي، مجالاً جديداً لمزيد من الدراسة والمشاهدات وعمليات الرصد المنتظمة، واكب جهود الرصد هذه عدة محاولات لتطوير أجهزة الرصد البسيطة التي كانت متاحة في ذلك الوقت سواء كانت من التراث المصري أو اليوناني القديم، انتهت محاولات التطوير بعدة ابتكارات واختراعات لآلات جديدة لعل من أهمها  تطوير آلتين هامتين وهما الأسترولاب لرصد النجوم والإبرة المغناطيسية والتي تعتبر أول بوصلة بحرية استخدمها الإنسان، هناك من يشير إلي أن العرب قد أخذوا فكرة الإبرة المغناطيسية من الصين وطوَّروها وقسموها إلي درجات واستخدموها في الملاحة واستمر استخدامها لمدة طويلة، ويقال إنها ساعدت في رحلات فاسكو دي جاما وماجلاَّن في بدايات العصر الحديث. يعد الأسترولاب من أهم الآلات وأشهرها ويستخدم لتحديد مواقع وحركة النجوم والكواكب، وكلمة أسترولاب أصلها يوناني قديم Astrolabon، و أستروباليونانية القديمة معناها  نجم و أولابو قيل في مرجع إن معناها «الكاشف» ، وفي مرجع آخر جاء معناها مرآة، يأتي الأسترولاب في عدة أشكال بدأت بأسترولاب بدائي وبسيط جداً في عهد اليونانيين القدماء وتطور بصورة كبيرة في العهد الإسلامي بواسطة عدد من العلماء علي فترات متتابعة كان أحد أهم أنواع الأسترولاب هو ما قام بابتكاره أبو إسحاق إبراهيم الفزاري، والذي عاش في القرن الثامن وتوفي في عام 777م، نتج عن محاولات التطوير المستمرة هذه ما يزيد علي 25 نوعاً من الأسترولاب، قام علماء المسلمين بابتكار عدة آلات رصد أخري مثل ذات الأوتار و ذات الحلقة والحلقة الاعتدالية وذات السمت والارتفاع و ذات الشعبتين  والربع المسطري وذات الجيب ... إلخ، وكلها تكنولوجيات لرصد مواقع وحركة الأجسام السماوية. مكَّن تطوير هذه الآلات علماء المسلمين من القيام بعمليات رصد في غاية الدقة ساعدت في تفسير عدد من الظواهر الطبيعية المرتبطة بحركة الأجرام السماوية بدرجة كبيرة.

ارتبط علم الفلك بالعلوم الرياضية والهندسية بدرجة كبيرة، ولذلك استخدم العلماء المسلمون المعارف الهندسية في بحوثهم الفلكية، وقاموا بتدقيق المشاهدات السابقة ورصد الظواهر الطبيعية بدقة، وصاغ علماء المسلمون نتائج بحوثهم في صورة جداول فلكية مبنية علي قوانين رياضية ويسمي الجدول الفلكي زيج، ويعرف علم الجداول بعلم الأزياج، وينسب كل زيج إلي مبتكره.

قام حبشي الحاسب (829 ميلادية) بصياغة عدة جداول فلكية وفسَّر ووصف بدقة شديدة ظاهرة كسوف الشمس، كما قام العباس بن سعيد الجوهري بعمليات رصد دقيقة لحركات الأجرام السماوية في مرصد بغداد (829 - 830م) ثم في مرصد دمشق (832 - 833م)، وصاغها في عدة أزياج، وكذلك علي بن عيسي الإسترولابي الذي عمل في مرصدي بغداد ودمشق، وكان صانعاً لآلات الرصد ومن ضمنها أنواع جديدة من الأسترولاب، كما صاغ أبو العباس الفضل بن حاتم الفيريزي Alvaritus في الفترة من 892 إلي 912 ميلادية عدة جداول فلكية وكتب رسالة عن الأسترولاب الدائري، ومن أهم الجداول الفلكية التي ظهرت في تراث النهضة الإسلامية هي جداول طليطلة التي صاغها الزركاني (1087م)، وهي تحدد مواقع الكواكب بدقة شديدة، وكان الزركاني وهو أحد علماء الفلك المرموقين في ذلك الوقت، قد اخترع أسترولاب أكثر تطوراً ساعده علي تدقيق مشاهداته حول مواقع وحركة الكواكب، ظل أسترولاب الزركاني يستخدم لعدة قرون واستخدم كذلك في تحديد خطوط الطول بعد ذلك، كما استخدمه كوبرنيكاس أحد علماء القرن السادس عشر الميلادي الذي استند في أبحاثه علي التراث الإسلامي الذي كان قد تمت ترجمته إلي اللاتينية، استند كوبرنيكاس بصفة خاصة علي أعمال البتروجي (1204م) أحد علماء النهضة الإسلامية ويسمي باللاتينية Alpetragius، وكانت مخطوطاته حول تحديد حركة الكواكب هي التي ساعدت كوبرنيكاس علي الوصول إلي نظرياته الحديثة في القرن السادس عشر الميلادي.

من أشهر علماء الإسلام كان ثابت بن قرة (826 - 901م) الذي قام بتطوير نموذج بطليموس ذي الدوائر الثمانية الذي يوضح حركة الشمس والكواكب، وأضاف له دائرة تاسعة لتدقيق ميقات وموقع الانقلابين الصيفي والشتوي، كما راجع التقديرات السابقة لطول السنة الشمسية فوجدها 365 يوماً و6 ساعات و9 دقائق وعشر ثواني وحسب ميل مدار البروج ليكون 30» 33٢٣.