قضية ورأي

دراما رمضان

بعد أكثر من عشر سنوات وربما تقترب من العشرين اصبحت جملة «دراما رمضان» أشبه بالمصطلح الأدبي أو الفني. ويتداول الناس هذه الجملة ويذكرها كل من يكتب من النقاد والمهتمين  بالمسلسلات التي يجري عرضها علي شاشات التليفزيون في هذا الشهر الكريم. والغريب أن هذا المصطلح.. دراما رمضان.. لا يرتبط بعلاقة نوعية بهذا الشهر. فهي ليست أعمال تختص به  أو أنها ولدت وتطورت في شهر رمضان حتي اصبحت لها خصائص وقواعد معينة حتي استحقت هذه التسمية. وحتي ايضاً قد يظن الذي لا يعلم شيئا عن حقيقتها و يتبادر إلي ذهنه أنها أعمال دينية تحض المسلمين علي الورع والتقوي ومكارم الاخلاق. أو أنها أعمال تختص باحداث التاريخ الاسلامي العظيم فينهل منها المتفرج  ما يفيده. أو أنها اعمال تتناول حياة الشخصيات الاسلامية البارزة في مجال الفقه والعلوم والفلسفة. ولكنه لا يتصور أبداً أن في هذا الشهر الكريم يفتح باب من أبواب الجحيم ويندلع منه كل ما هو غث وقبيح وكريه في شكل أعمال يظن صانعوها أنهم يقدمون فنا ولكن أي فن؟ وما أن تخرج هذه الأعمال الينا حتي يتصدي لها أصحاب الاقلام كل حسب هواه فقد تنهال اقلام المعترضين سبا وقذفاً وقد تنهال اقلام بعض المستفيدين بالاعجاب والمدح. وقد يتصور هذا الجانب من الأقلام الساخطة انهم بما يكتبون فإنهم يقضون علي هذه الظاهرة السيئة التي تفرض نفسها علينا كل عام في هذا الشهر الكريم. فإن أصحاب هذه الاعمال المتدنية يضحكون ويسخرون مما يكتبه المستنكرون بل يخرجون لهم ألسنتهم ويبدأون في الاستعداد للسنة التالية بما هو أكثر قبحا وعفونة من المسلسلات.
وقد لاحظت أن الهجوم علي «دراما رمضان» قد تركز علي ضعف الكتابة وانحدارها أي علي الجانب الأعظم أهمية من هذا الفن والتنويه المستنكر للابتذال والتجاوز في حوار المسلسلات وتحض السيناريوهات علي ارتداء الثياب التي تتنافي مع حرمة هذا الشهر بل وكل شهر. هذا بالاضافة إلي الافراط في تدخين السجائر  وتناول المخدرات بكل انواعها والكم الهائل من طلقات الرصاص في المعارك التي تقحمها أحداث المسلسلات.
وللأسف فإنني لا أستطيع أن أتذكر اسم أحد من السادة المؤلفين النوابغ ولكن استطيع أن اتذكر مصادر أعمالهم الجهنمية التي يسرقون منها ما شاء لهم من السرقة وينسبونها ببجاحة غريبة الي أنفسهم. ولولا ضيق المكان لذكرت أسماء المصادر بالتفصيل ولكني أكتفي بأن أقول أنها من الأفلام الأمريكية ومسلسلات  أمريكا اللاتينية والمسلسلات التركية. وأصبحت هناك مواد درامية جاهزة وهي «الفورمات» ويقدم المنتجون علي شرائها  من البرازيل أو المكسيك أو من أسبانيا وغيرها. وهناك ايضاً «الورش» الدرامية. . ونظام الورش ليس عيبا ومعمول به في كثير من الدول المتقدمة في فن الدراما بأنواعها. ولكن نظام الورش هذا يتم هناك بشكل علمي ويقوم بالاشراف علي كل ورشة اسم كبير في مجال الكتابة وأظن أن الكثيرين يعرفون أن الكاتب الكولومبي العظيم جابرييل جرسيا ماركيز كان يعمل في هذا النظام بل إنه اصدر كتاباً مهماً عن هذه التجربة.
وقد انبري الأخ يوسف القعيد وهو أديب يكتب الرواية وقد هاله هذا الانهيار والتدني في «دراما رمضان» ولذلك تصدي لهذه المشكلة ووجد لها الحل الذي يرتقي بها. ونادي الأخ يوسف باستنهاض بعض الاسماء التي يعتقد أن أصحابها قادرون علي إنقاذ الدراما التليفزيونية من عثرتها.
وعندما تأملت هذه الاسماء وجدت أن معظمها كانوا السبب في تطفيش الناس من مشاهدة التليفزيون بما قدموه في كثير من أعمالهم. وإذا لم يعجب الأخ يوسف القعيد هذا الكلام فإنني أطلب منه أن يجهد  ذاكرته ويذكر لنا عشرة أعمال خرجت من بين هذه الثلة وحققت نجاحاً مدوياً في مجال الدراما التليفزيونية. ولكياخفف عنه الأمر فإنني أكتفي منه بخمسة أعمال فقط يذكرها الناس ويطالبون بعودة عرضها ولكي اشفق عليه وأخفف عنه هذا الأمر أقوم أنا بهذه المهمة وأتذكر بصعوبة «المال والبنون - الليل وآخره - أم كلثوم - ابراهيم الطائر - الجماعة». ويتكرر عرض هذه الأعمال ليس بشكل مستمر ولكن كل حقبة من الزمن. أي ليس بشكل متواصل مثلما يحدث مع الأعمال الناجحة حقيقة والتي مازالت يجري عرضها علي شاشات التليفزيون المصرية والعربية بشكل متصل منذ ما يقرب من عشرين عاماً حتي يومنا هذا.
ليس العمل الذي يتبني قضية جادة أو يعتمد في موضوعه علي اسم شخصية عامة شهيرة هو الذي يقبل الناس علي مشاهدته.. يجب ان يكون العمل الدرامي في المقام الأول ممتعاً في تناوله ثم يأتي أي شيء مما يريده الأخ يوسف بعد ذلك. ولا تتحقق متعة العمل الا إذا كان الكاتب له من الموهبة الكثير والخبرة والحرفية العالية وهذا لا يتحقق الا للمبدعين الحقيقيين في مجال الدراما التليفزيونية.
إن نجاح أي عمل درامي يعني الاستمرار في العرض وطلب الناس والإقبال علي مشاهدته وليس من خلال جيل واحد بل من خلال تعاقب الأجيال. فهل كتاب الدراما التليفزيونية  قديمهم وجديدهم قادرون علي ذلك؟!