في مرحلة ينشد فيها المجتمع المصري الاستقرار والترابط سواء رسميا أو شعبيا تتصاعد بعض الأصوات من هنا وهناك - عبر بعض وسائل الإعلام - بنبرة حادة تحريضية لنشر خطاب الكراهية وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد سواء كانت مدافعة عن قضية ما تتبناها أو كان ذلك دون سبب واضح أي حق أريد به باطل، مما يعكس الأزمة الحقيقية التي نعيش فيها من نمط سلوكي وحياتي يكدر السلم والأمان المجتمعي ويعوق العمل والانتاج، وبالوضع في الاعتبار أننا نعيش فترة مختلفة تلت مراحل صعبة منذ أحداث ثورة يناير ومرورا بأحداث ثورة يونيو قد يبدو ذلك طبيعيا أن نعيش فيه إلا أن هذه المرحلة أو الفترة قد آن الأوان أن تطوي صفحتها إلي غير رجعة للتفرغ للعمل والتنمية ومكافحة الإرهاب خاصة بعدما غادر الإخوان المشهد تقريبا، وبعدما وصلت ثوراتنا إلي بعض من أهدافها أو كادت أن تقترب منها ومع إدراك المصريين أنهم يملكون القدرة علي الانتفاض ضد من يقف في طريق حريتهم أو أرزاقهم وأنهم يملكون إرادتهم، ولذا فلم يعد منطقيا أو مقبولا إلي الآن تبادل الاتهامات بالانتماء لجماعة الإخوان أو بالعمالة أو بالانتماء للطابور الخامس وما إلي ذلك كلما اختلفت الرؤي أو الأطروحات أو التوجهات فمعظم تلك الاتهامات قد أصبحت من قبيل المزايدة أو المتاجرة لأغراض شخصية أو للاستخدام سياسيا شأنها في ذلك شأن ما يبث علي قنوات الإخوان أو المعارضة التي تبث من تركيا لأغراض مشابهة يغالبها الهوي. إن الخطاب الإعلامي المعتدل الموضوعي والواعي لهو الوسيلة الوحيدة الآن إن لم يكن دوما للتمتع بالمصداقية والاحترام والديمومة، ولعل بعض التغيرات التي تشهدها بعض القنوات الفضائية المصرية الآن من إعادة لرسم خريطتها مع حركة البيع والشراء التي شهدناها، لعلها تكون فرصة أو بداية لمرحلة جديدة أكثر تعقلا وهدوءا لهذه القنوات مما هي عليه الآن لتبدأ في مراجعة نفسها فيما تبثه وفيما تضعه من سياسات صاخبة تكرس للفرقة والتقسيم وتزايد علي كل من يخالف الركب الرسمي أو بعض من يحسبون أنفسهم علي النخبة في الرأي مما قد يشي بأشياء أو يوحي بها خلاف الحقيقة تماما، فحرية الرأي في إطار القانون مازالت مكفولة بالدستور للمواطن وإن كانت آراؤه مخالفة إلا أن هذا القدر من الخلاف قد يتبين في النهاية أنه طوق النجاة لسفينة الوطن ! فحب الوطن ليس حكرا علي أحد كما أن الحقيقة المطلقة لا يملكها أحد إنما تظل الآراء في تفاعل للخروج منها بما يعتقد أنه الأفضل للصالح العام، إنه صراع الحكمة والجنون والخير والشر، إنه صراع العقلاء من محبي هذا الوطن وغيرهم ممن يريدون المناصب والمكاسب والسلطة، بل إنه قد يكون صراع المزايدات الرخيصة مع أصحاب الرأي الواحد الخالص لله والوطن، فمن قال إن خطاب الكراهية يبني أوطانا أو يصلح عقولا أو يبني وجدانا؟! بل العكس صحيح فالوطن يتطور بالتكاتف وبالعمل وبيد تبني ويد تحمل السلاح ولا شيء خلاف ذلك فهذه هي الحقيقة، فما أحوجنا أن نكون علي قلب رجل واحد.