تم سحلهم، وطافوا بهم البلدة، ثم علقوهم على أحد الأعمدة، وتناوبوا طعنهم والاعتداء عليهم. وتفننوا في الطعن فمنهم من يطعن بمطواة وآخر بسيف، وكأنهم يطعنون خوفهم أو وكأنهم يطعنون فقرهم وبؤسهم، ولكن الطعنة الحقيقية التي كانوا يطعنونها هي طعنة أخمدوها في "الإنسانية" التي أردوها قتيلا بعد أن مثلوا بها وشوهوها وفعلوا بها الأفاعيل، حتى أنها أشفقت على موت ما تبقى منهم من إنسانية، فماتت والدموع تملأ عينيها لا حزنا على ما لاقته ولكن شفقة عليهم. ربما تظن سيدي القارئ أن الكلمات السابقة، مشهد في أحد الأفلام، أو مقتطف من قصة لكاتب ما من وحي الخيال، ولكن المحزن أنها من واقعنا الذي نعيشه في مصر، والذي وصلنا له بعد ثورة كان أعظم ما فيها سلميتها وإنسانيتها، فما الذي أوصلنا لهذا حتى ندفن إنسانيتا في مقابر "الوحشية والهمجية" ما الجرم الذي ارتكبناه حتى تصيبنا اللعنة وتصبح قرانا ومدننا، مدن وقرى تحول سكانها لـ "دراكولا" خلق بلا أنياب ولكنه صبغ جسده بالدماء، وصارت أنيابه "همجيته ولا إنسانيته". هل تعلم سيدي أن محافظات "الغربية، الشرقية، الجيزة" وغيرها، شهدت أحداثا، لو حاول أي مخرج سينمائي تجسيدها على الشاشات ما استطاع من همجيتها وبشاعتها. هل تعلم سيدي أن محافظة الشرقية لوحدها حدث بها أكثر من 15 حالة "قصاص شعبي" أو كما أسميها 15 حالة "وأد للإنسانية"، وجميعها خلت من الرحمة والإنسانية، وجميع الحالات تقريبا كانت بسبب السرقة، هل وصل بنا الأمر أن نهين الإنسانية مثلما فعلنا في كل حالة سحل أو تمثيل بلصٍ أو بلطجي كما فعلنا في قرى الشرقية. وكان أخر تلك الوقائع التي لها بعد سياسي حيث إنه تم إقامة حد الحرابة على نجل أمين حزب الحرية والعدالة بقرية القطاوية بالشرقية، ومثلوا به، وذلك بعد قيامه بإطلاق الأعيرة النارية بطريقة عشوائية، أثناء تشاجره مع سائق "توك توك". محافظة الغربية أيضا شهدت أكثر من 3 حالات تقريبا، والجيزة حالتين تقريبا، وغيرها وغيرها، فإلى متى يستمر مسلسل نزيف الإنسانية من قرانا ومدننا، إلى متي يستمر "دراكولا مصر" في التهام إنسانيتنا، وإلى متى يستمر الغياب الأمني وغياب الحكومة عن الشارع المصري الذي تحول يسير وفقا لـ "قانون الغابة".