نقلل كثيراً من أنفسنا، وأحياناً نجلد ذواتنا، كلما سافرنا إلى دول العالم المتقدم، بل وغير المتقدم، ونحن نقارن بين أحوالهم وأحوالنا.
تساورنا الدهشة مما نرى، وفي بعض الأوقات «الغيرة»، ومثلما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس لرجال الأعمال ورؤساء الشركات الصينية: «نحن نغار منكم ونريد أن ننجز لبلادنا كما أنجزتم لبلادكم».
لكن في لقاءات نهار الأربعاء وليلة أمس في العاصمة الصينية بكين، كانت الدهشة من جانبهم والإعجاب.!
في القمة المصرية الصينية بين الرئيس السيسي والرئيس شي جين بينج، استهل الرئيس الصيني حديثه في بداية المباحثات قائلاً: إنني أشعر بالإعجاب لما حققتموه من إنجازات عديدة في عام واحد، أبرزها قناة السويس الجديدة.
كان الحديث أكثر وضوحاً مع لي كه تشيانج، رئيس الوزراء الصيني الذي قال للرئيس: «إنني أهنئكم على هذا الإنجاز الذي حققته مصر تحت قيادتكم، وهو شق قناة السويس الجديدة في عام واحد. إنه دليل على سرعة المصريين في العمل وتحقيق الإنجازات».

أما رؤساء كُبريات الشركات الصينية، فكانوا أكثر إفصاحاً في التعبير عن نظرتهم لهذا المشروع الذي بناه المصريون في ١٢ شهراً فقط.
قال لي يونج، رئيس شركة «ساينو هايدرو» المتخصصة في مشروعات الطاقة: «إن افتتاح القناة الجديدة في غضون عام من بدء العمل فيها، هو عجيبة من العجائب الكبري في تاريخ الإنسانية».
وقال تشونج، رئيس شركة «تشاينا هاربر» المتخصصة في إنشاء الموانيء: «إن هذا المشروع معجزة صناعية عالمية، عبَّرت عن حجم طموحات شعب مصر وحكومته».
وقال شي زي فوا، رئيس شركة «دونج فانج» المتخصصة في محطات إنتاج الكهرباء بكل أنواعها: «إن القناة الجديدة، دليل لمقدرة المصريين على تحويل الحلم إلى واقع في زمن قياسي».
***
قد يظن البعض أن كلمات رئيس الصين ورئيس الوزراء هي من قبيل المجاملة الدبلوماسية لضيف جاء يشارك في احتفالات بلادهم بذكرى النصر، أو أن عبارات رؤساء الشركات الصينية هى نوع من مبالغة رجال مال ومستثمرين يريدون أن يستميلوا الرئيس والمسئولين المصريين لتسهيل أعمالهم في مصر.
لكن من حضر جانباً من مباحثات السيسي مع كل من بينج وتشاينج، ومن تابع لقاء الرئيس برجال الأعمال الصينيين واستمع بدقة إلى ما قيل، يدرك أن الصراحة كانت عنوان الحوارات من الرئيس ومن القيادة الصينية ومن رؤساء الشركات بنفس القدر.
إذا كان معروفاً عن الرئيس انه لا يجامل على حساب مليم أو ثانية أو ذرة جودة، فالمشهود من الصينيين أنهم يدققون في كل فرعية وتفصيلة، ويدرسون مرة ومرات، ويفاصلون مثلما نحن نفاصل.
في أجواء الصراحة.. سمعت الرئيس يدلف مباشرة منذ الدقيقة الأولي لكلامه مع الرئيس الصيني، يطلب منه التدخل مع بنك الاستيراد والتصدير الصيني لاتخاذ خطوات اسرع في تيسير التمويل للمشروعات التي تم الاتفاق عليها في الزيارة السابقة له إلى بكين في ديسمبر الماضي، وقد استجاب الرئيس بينج للسيسي وتعهد بتذليل عقبات التمويل وشروطه.
وسمعت الرئيس يعترف لرؤساء الشركات الصينية بأن مصر قد تأخرت في التزامها عام 2008 بشق قناة ملاحية إلى ميناء منطقة شرق بورسعيد التي تعمل بها شركة «تيدا» الصينية، لكنه تعهد بأن تنتهي هذه القناة في غضون 3 أشهر، وأن يكون الميناء جاهزاً في آخر العام المقبل. بل إنه تعهد بأن يتم تسليم المصانع جاهزة للشركات الصينية التي تريد العمل في منطقتي شرق بورسعيد والعين السخنة خلال عام واحد بنظام تسليم المفتاح.
ورد الرئيس على رئيس شركة دونج فانج، الذي ألمح إلى تأخر مصر في مشروعات محطات توليد الكهرباء بالفحم، قائلا: «جانب من التأخير يرجع إلينا، وجانب يرجع إليكم، وجانب يرجع إلي بنوك التمويل الصينية». لكن هناك شركة ألمانية جاءت إلينا جاهزة بالتفاصيل والتمويل، لذا بدأت تباشر العمل بعدها بشهرين.
أيضاً سمعت رؤساء الشركات الصينية ينتقدون حال ميناء الإسكندرية الذي يستحوذ على 60٪ من حركة نقل البضائع في مصر، وكان تعليق الرئيس واضحاً:
أتفق معكم .. حال الموانيء في مصر يحتاج إلي نقلة ونحن مصرون علي التحرك بكل قوة أعطانا الله إياها، ونحتاج إلى معاونة أصدقائنا الصينيين.
وحينما تحدث رئيس الصندوق الصيني الأفريقي، عن تخصيص الصندوق 150 مليون دولار للمشروعات في مصر.. رد الرئيس: «اضرب هذا الرقم في عشرة»!

***
لقاء الرئيس السيسي مع رؤساء الشركات الصينية كان بين لقائه بقاعة الشعب الكبرى مع الرئيس بينج، الذي تناول بجانب العلاقات الثنائية، أزمات الشرق الأوسط وقضية الإرهاب، ولقائه بقصر الضيافة مع رئيس الوزراء تشيانج تركز على قضايا التعاون المصري الصيني.
تعهدت الحكومة الصينية في لقاء السيسي وتشيانج بتفعيل الاتفاقية الإطارية للتعاون في مجال «الطاقة الإنتاجية» التي شهد مراسم توقيعها السيسي وبينج في ختام لقاء القمة، وتتضمن الاتفاقية 14 مشروعا لها الأولوية في التعاون وعلى رأسها مشروع الخط الحديدي الكهربي بين القاهرة والعاشر من رمضان وبلبيس والعاصمة الجديدة، ومحطتان لتوليد الكهرباء في عتاقة والحمراوين ومشروع تركيب عدادات الكهرباء الذكية بالمنازل والمنشآت المصرية.
أيضا تعهدت الحكومة الصينية بنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى مصر في مختلف مجالات التعاون واستمرار عمل لجنة «2 + 2» التي تضم وزيري التجارة والاستثمار المصريين ورئيس هيئة الإصلاح والتنمية ووزير التجارة الصينيين لمتابعة تنفيذ المشروعات والاتفاقات المبرمة بين البلدين.
وتعهد الرئيس بتذليل أي عقبات تعترض الاستثمارات الصينية، خاصة في إقليم قناة السويس.
> > >
أخبار سارة للمصريين وللمستثمرين الصينيين، أعلنها الرئيس السيسي خلال لقائه برؤساء الشركات الصينية. قال الرئيس إنه سيتم خلال أسابيع تدشين مشروع انشاء مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، وأن مشروع استصلاح 4 ملايين فدان، سيتم إطلاقه باستصلاح 1.5 مليون فدان خلال 18 شهرا فقط، في إطار رؤية تقوم على انشاء مجتمعات عمرانية زراعية صناعية متكاملة. أيضا تحدث الرئيس عن انشاء المرحلة الأولي من العاصمة الإدارية الجديدة علي مساحة 6 ملايين متر مربع، ينتهي العمل فيها خلال عامين.
على ذكر العاصمة الإدارية.. فقد وقّع أشرف سالمان وزير الاستثمار أمس عقب لقاء رؤساء الشركات الصينية مذكرة تفاهم مع الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية، لدراسة قيامها بإنشاء جزء من المرحلة الأولى للعاصمة بتمويل من البنوك الصينية.
هذه الشركة هى الأولى بين أكبر 250 شركة مقاولات في العالم، وبلغت قيمة تعاقداتها العام الماضي 231 مليار دولار، وحققت دخلا في نفس العام بلغ 130 مليار دولار.
***
بهدوء.. أطلق السيسي مفاجأة مدوية في ختام لقائه برؤساء الشركات الصينية.. عندما قال : إن حقل «الشروق» للغاز الذي اكتشفته شركة «إيني» الإيطالية ويعد الأكبر في البحر المتوسط، ليس آخر الاكتشافات
ثم أضاف: هناك عديد من الاكتشافات سترونها قريبا في مصر.
مازالت تلك المفاجأة تدوي في رءوس المصريين هنا وبالأخص أعضاء الوفد المرافق للرئيس.
هل عرفنا السيسي من قبل يقول كلاما بغير أساس؟!
يبدو المستقبل يبتسم أخيرا لبلادنا