تتعرض الآثار المصرية للعديد من الانتهاكات التي تجعلنا نفقد منها كل يوم جزءا ثمينا لا يعوض، فما بين السرقة والإهمال والفساد، تنهب الآثار وتهرب لتباع في مزادات الآثار بالخارج بملايين الدولارات..

بعض القطع الأثرية التي تباع في أشهر دور المزادات العالمية خرجت قبل صدور قانون حماية الآثار رقم 117 لعام 83، إلا أن كثير منها تم تهريبه بطريقة غير مشروعة، وهو نتاج الحفر الخلسة أو السرقة، بينما يتم تزوير أوراق ملكيته والتلاعب فيها خاصة في السنوات الأربع الأخيرة..


الآثار والمزادات
واللافت أن دور المزادات العالمية الكبيرة مؤخرا مثل صالتي "سوذبيز" و "كريستيز" في إنجلترا، أصبحت لا تدقق في مصدر القطع التي تقوم بعرضها من بعض القطع الفرعونية والإسلامية حيث قامت بعرض قطعتين من الآثار الإسلامية يشتبه أنهما مسروقتين من مصر، كما باعت صالة "سوذبيز" منذ أيام آثارا فرعونية بما يقرب من 9 ملايين دولار.
د.أمنية عبد البر، عضو المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث، والتي ساهمت في إيقاف بيع قطعتين أثريتين من العصر الإسلامي بمزاد صالة "سوذبيز" منذ ما يقرب من شهرين، أكدت أن الأزمة الكبرى في التعامل مع هذه الحالات هي أنه ليس لدينا قاعدة بيانات للآثار المصرية، يمكن من خلالها التعرف على أي قطع تباع في المزادات ويشتبه أن تكون خرجت بطريقة غير مشروعه، خاصة أن صالة المزادات لا تعلن عن مصادر القطع التي تقوم بعرضها للبيع، كما أن توفر بيانات وصور عن القطع الأثرية على الانترنت يسهل أيضا على صالة المزادات التأكد من صحة مصدرها وأنها غير مسروقة.
وتشير د.أمنية إلى أنها تمكنت من إيقاف بيع وثيقة للسلطان الغورى في مزاد "سوذبيز" بسبب قلة الوثائق المملوكية الموجودة في مصر كما أن الوثيقة المذكورة كانت مفهرسة في فهرس محمد محمد أمين، بينما الوثائق الأثرية لا يمكن الاطلاع عليها بسهوله حتى بالنسبة للباحثين، ويمنع تصويرها تماما، وهو ما يصعب التعرف عليهم إذا تمت سرقتهم وعرضهم للبيع في أي مزاد، لذا لابد من توثيقهم بطريقه علمية.
وأضافت د.أمنية أن إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار والسفارة المصرية بلندن كان لهما جهود كبيرة في إيقاف بيع الوثيقة ومشكاة أثرية أيضا لعباس حلمي الثاني مؤقتا، بينما لم تبادر وزارة الأوقاف من جانبها بإصدار أي بيان يوضح كيفية سرقة هذه المقتنيات،حيث كانت الوثيقة في حيازتها، مضيفة أن الآثار الإسلامية تتعرض للإهمال والسرقة بشكل كبير.


زيادة السرقات
وتقول د.مونيكا حنا عالمة المصريات أنه خلال السنوات الأربع الماضية زاد نهج سرقة وتهريب الآثار بشكل كبير، وهو ما يفسر ظهور العديد من القطع التي خرجت بطريقة غير مشروعة في المزادات بكثرة أيضا عن المعتاد، حيث أن بعض المعروضات من الآثار الإسلامية في صالة مزادات "سوذبيز" يعتقد أنها خرجت بطريقة غير مشروعة وتم تزوير أوراق ملكيتها من قبل من قاموا بتهريبها لبيعها لصالات المزادات الكبيرة، وهم وثيقة السلطان الغوري، ومشكاة أثرية تخص عباس حلمي الثاني.
وأشارت د.مونيكا حنا، أن وزارة الآثار لابد أن يكون لديها مجموعة من المحامين المتخصصين في قضايا التراث، والملمين بقوانين الدول الأخرى، لمتابعة مثل هذه القضايا وملاحقة الجهات التي تتاجر في الآثار بالخارج قضائيا، حتى يمكن استرداد الآثار المهربة إلى الخارج، بينما يجب أن يكون للخارجية المصرية دور أكثر فعالية وشده فى التعامل مع مثل هذه القضايا بالتعاون مع وزارة الآثار.


التحرك البطيء
بينما أكدت سالي سليمان الباحثة في التراث وعضو الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار، أن وزارة الآثار تتحرك بعد بيع القطع الأثرية، مما يزيد من صعوبة استردادها مرة أخرى، بينما يمكن الحد من انتشار بيع الآثار المصرية في المزادات بتسجيل الآثار كلها، حيث يوجد حتى الآن بوزارة الآثار آثار لم يتم تسجيلها مثل مقتنيات قصر الجوهرة وهى عبارة عن لوحات قيمة تلف بعضها وتماثيل وكرسي العرش، وتعرضت للضياع والإهمال، كما أنه لا يوجد جرد بشكل دوري للآثار، لذا لا يجب أن نفاجأ عندما نجد آثار للأسرة العلوية تباع في مزادات بالخارج، ولا يمكن استردادها لأنها غير مسجلة.
وأضافت سالي، أن صالات "سوذبيز" و "كريستيز"، لديهم مصداقية أكبر من باقي الصالات الأخرى حيث أنه مع أي أزمة تثار حول قطعه أثرية يقومان بإيقاف بيعها مؤقتا حتى تثبت الدولة التي تنتمي إليها القطعة الأثرية ملكيتها لها، وفى هذه الحالة تقوم بإعادتها إليها مرة أخرى، وهو ما حدث في "وثيقة وقفية السلطان الغوري" الأثرية، لأنها مثبته في الدفتر خانة بوزارة الأوقاف، وتم إيقاف بيعها مؤقتا، ومشكاة عباس حلمي الثاني، وهنا يأتي دور مصر لإثبات ملكيتها لهذه القطعة وإعادتها دون أي تباطؤ.
وأشارت سالي، إلى أن صالة مزادات "سوذبيز" بنيويورك عرضت يوم 8 ديسمبر الماضي قطعا أثرية تعود للعصر الفرعوني القديم، منهم تمثال "اوشابتى" من الأسرة 26، وتمثال آخر لأمنحتب الثالث، وتمثال "سخمت" يعود إلى العصر الحديث، وهى قطع نادرة جدا، إلى جانب عددا من القطع الأخرى، وبيعت قطعا منهم بما يقرب من 9 ملايين دولار.


ليس لدينا سلطة
وأوضح د.عبد الحليم نور الدين عالم المصريات، ورئيس المجلس الأعلى للآثار الأسبق، أنه ليس لمصر أي سلطة على مزادات الآثار بالخارج، لأن تجارة الآثار مباحة في دول كثيرة، ولكن الحد من بيع الآثار بهذه الطريقة يجب أن يبدأ من وزارة الآثار، بالحفاظ عليها وتأمين المواقع الأثرية والمتاحف بشكل أفضل، حتى يمكن السيطرة على السرقات، خاصة مع ضعف منظومة التأمين لدى الآثار وافتقارها إلى الكاميرات وأجهزة الإنذار الحديثة، وأيضا عدم وجود قوة كافية من أفراد الأمن والخفراء ورجال شرطة السياحة والآثار.
وأشار د.رأفت النبراوى أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الآثار بجامعة القاهرة الأسبق، إلى أنه يجب التعامل مع قضية بيع الآثار في المزادات بشكل سريع، حتى يمكن إيقاف بيع القطع التي يثبت خروجها بطريقة غير شرعية، مؤكدا أن وزارة الآثار يجب أن يكون لديها إدارة منفصلة للآثار المهربة، ويكون لها صلاحيات أكبر في اتخاذ القرارات السريعة والتواصل مع الجهات المعنية، لأن السرعة في التعامل مع هذه الحالات هي أهم عنصر.
وأضاف د.رأفت أن بيع الآثار مصرح به في الخارج، لذا لابد من الاهتمام بدور الضغوط الدبلوماسية لاستعادة آثارنا، كما يجب ملاحقة كل من يثبت تهريبه للآثار قضائيا ومعاقبته عقابا رادعا، حتى يمكن الحد من هذه الظاهرة، مؤكدا أن الإهمال أيضا له دور كبير في ضياع تراثنا حيث يجب أن يكون هناك جرد دوري، وكل صاحب عهدة يتأكد من سلامة عهدته، فالتامين والرقابة على الآثار في المواقع والمتاحف ومحاسبة أي مقصر تأتى أولا.


وقف البيع
ومن جانبه أشار على أحمد مدير إدارة الآثار المستردة بوزارة الآثار أنهم يقومون بمتابعة صالات المزادات بشكل دوري ومراجعة كل ما تعرضه للبيع، مضيف أن وقف البيع هو الإجراء السريع الذين يقومون باتخاذه في حالة وجود قطع ثبت سرقتها، بينما استرداد هذه القطع هو ما يحتاج إلى وقت طويل، حيث يتم محاكمة السارق الذي زور في وثائق ملكية القطعة الأثرية قضائيا، إضافة إلى إجراء التحقيقات لمعرفة كيفية تهريها إلى الخارج، وهناك قطع تم التحفظ عليها منذ عام 2013، ومازالت إجراءات استردادها مستمرة.
بينما أوضح مدير إدارة الآثار المستردة، أن وزارة الآثار تطلب من صالة المزادات ما يفيد شرعية حصولها على القطع التي يعتقد أنها خرجت بطريقة غير مشروعة كنتاج أعمال الحفر خلسة، وإذا لم تتمكن صالة المزادات من إثبات ملكيتها لها وحصولها عليها بطريقة شرعيه قبل صدور قانون حماية الآثار، نطالب السلطات بالتحفظ علي هذه القطع، ويتم استعادتها مثلما حدث في حالة استرداد لوحة "رمسيس الأول".
وأضاف علي أحمد، أنه تم إيقاف بيع "مشكاة" كانت معروضة في صالة "كريستيز"، وتم مقارنتها بالمشكاوات الأخرى، لمعرفة كيف خرجت هذه المشكاة من مصر، وأيضا إيقاف بيع وثيقة وقف السلطان الغوري رقم "240" ، وهناك لجنة من الآثار تقوم بالتحقيق في كيفية خروجها من مصر، وهى وثيقة كانت موجودة في حيازة وزارة الأوقاف.