وسط ضجيج لا ينقطع داخل محطة مصر وأصوات صافرات القطارات المتقاطع مع الإذاعة الداخلية تعلن وصول قطار وقيام آخر.. تجد عيونهم وهي تمسح الأرصفة بحثًا عن حمل يحملونه على عاتقهم لكسب عيشهم.

ترى بعضهم داخل أو خارج المحطة، رغم برودة الطقس وسقوط الأمطار، يرتدون زيًا موحدًا أزرق اللون والرقم الحديدي مُعلق بملابسهم وبجوارهم العربات المعدنية يجلسون عليها، تجدهم أمامك في لمح البصر متأهبين، وعلى أتم الاستعداد لرفع أثقالك مقابل بضعة جنيهات يأخذها منك.. انه «شيال» محطة سكك حديد مصر.

يحمل أثقال الناس، وفي داخله هموم أثقل منها مرسومة على ملامح وجهه إذا نظرت إليه تتجاوز بمراحل ثقل حقائب الركاب وتعب حمولتها والسير بها لا يعترف بتقدم سنه وصعوبة حركته ويظل يكافح حتى الثمانين من عمره بلا معاش له يستند عليه في آخر أيام عمره.

رصدناهم من بعيد.. وجدناهم مثل «العائلة» يقتسمون الطعام فيما بينهم أثناء جلوسهم على عرباتهم أمام المحطة، لا يفكرون في نظرات الناس لهم يرسمون ابتسامة على وجه قد شاخ وظهرت تجاعيد الزمان عليه وفي نهاية اليوم يقتسمون «الرزق»، فلا يوجد لهم راتب شهري أو معاش من الهيئة العامة لسكك حديد مصر، رغم حصولهم منها على الرخصة بعد إجراء الكشف الطبي وكل الإجراءات المطلوبة، قبل أن يحصُل على رخصة العمل وعدة الشغل التي تتمثل في رقم حديدي مكتوب عليه شعار الهيئة العامة.

كما يحصلون على العربات التي يستخدمونها في نقل الحقائب، ويوجد للسكك الحديد ملف كامل عن الشيالين البالغ عددهم 91 شيالًا، والطريف أن الزي الموحد يقومون بشرائه على حسابهم الخاص، وأقصى أمانيهم العمل رسميا في الهيئة.

على رصيف 11 داخل المحطة، ينتظر عم جمال الحلبي «58 عامًا» القطار القادم من الصعيد إلى القاهرة بنظرة تفاؤل رغم كل هموم الحياة التي أصابته، يمسك في يده بعض الحبال لحزم حقائب المسافرين، يلتفت يمينًا ويسارًا ويسارع في السير على الرصيف في محاولة لجذب بعض الزبائن وبعد أن ينهي مهمته حتى خارج المحطة، يعود مسرعًا إلى الداخل للحصول على زبون جديد.

عم جمال له أسرة من 7 أفراد ولديه أولاد في مراحل تعليم مختلفة، ويبدأ يومه من الثانية عشرة ظهرًا، وهو مثال للالتزام أكثر من مواعيد القطار نفسها بشهادة أصدقائه ويعمل حتى التاسعة مساءً، ويشتكي من صعوبة الحياة، قائلا: "متوسط رزقي في اليوم ٢٥ جنيهًا".

«شغال شيال بقالي ٥٥ سنة وعمري ما فكرت اسيبها».. هكذا بدأ عم فتحي صليب كلامه بوجه بشوش وهادئ لا تفارقه الضحكة حتى وهو يحكي همومه ويشتكي من صعوبة الحياة، فهو شيخ الشيالين كما تقول رخصته النحاسية.. «شيخ الشيالين رقم ٢» كل سنة تمر عليه من سنوات عمره الـ٧٠ تترك علامة على وجهه وعندما سألناه عن سبب استمراره في العمل رغم سنه الكبيرة، رد قائلًا: "احنا بنتعالج علي حسابنا لو حد حصله حاجة مفيش تأمين».. أما عن رابطة الشيالين فأكد فتحي أنهم لا يستفيدون منها إلا عند وفاتهم بصرف ألفي جنيه مصاريف جنازة لورثة من يموت منهم أما المصابين "مبياخدوش حاجة".