أحمد سيد
الإبداع يولد من رحم المعاناة، وهذا حال المبدعين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، الذين عاشوا معاناة وآلامًا قاسية نتيجة سرقة أرضهم ونهب ثروات وطنهم، وهو ما تفاعل معه عدد من المبدعين الفلسطينيين بمستويات مختلفة ولهذا كانت السينما الفلسطينية حاضرة دائمًا فى المهرجانات العالمية، وبعد اندلاع طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر ٢٠٢٣ ، كانت السينما سلاحًا للمقاومة والسفير الحقيقى لفلسطين فى العالم كله، ليعى الجميع مأساة نعيشها منذ أكثر من ٧٦، وحقيقة حرب الإبادة التى يواجهها المدنيون فى غزة منذ أكثر من عام.
«من المسافة صفر» مجموعة أفلام قصيرة لمخرجين من غزة، يعرض للعالم جرائم الاحتلال هناك، وقد تم اختياره ليمثل فلسطين فى الأوسكار فئة الأفلام الناطقة بلغة غير إنجليزية، يذهب للجمهور الأمريكى والجالية العربية ليعرض فى مهرجان الفيلم العربى فى سان فرانسيسكو بأمريكا وينطلق فى الفترة من 24 أكتوبر إلى 3 نوفمبر ٢٠٢٤ .. وهو من إنتاج وإشراف المخرج رشيد مشهراوى، وهو عبارة عن مجموعة من الأفلام تضم 22 فيلماً قصيراً، وصورت فى غزة خلال الأشهر القليلة الماضية وسط العدوان الإسرائيلى على غزة، وهو تعبير شائع الاستخدام فى مقاطع قصيرة يبثها الإعلام العسكرى فى حركة المقاومة «حماس» لاستهداف جنود وآليات عسكرية إسرائيلية خلال حربها على غزة، وفى أحد هذه الأفلام القصيرة فى «من المسافة صفر»، تضع أم هجّرتها الحرب ابنتها فى وعاء أبيض كبير، ثم تسكب عليها الماء برفق لتحميمها، مستخدمة ركوة نظيفة لإعداد القهوة التركية، وفى فيلم آخر، يروى رجل معاناته التى استمرت 24 ساعة تحت الأنقاض بعد انهيار المبنى الذى كان فيه، وعرض الفيلم لأول مرة فى مهرجان عمان السينمائى، ثم عرض فى مهرجان تورونتو وعرض أيضًا بمهرجان كان السينمائى، ويتم عرض هذا الفيلم فى جزأين مع استراحة مدتها 15 دقيقة.
بينما يفتتح المهرجان -الذى يعد من أقدم المهرجانات العربية فى كاليفورنيا -الفيلم الوثائقى «الحياة حلوة.. رسالة الى غزة» للمخرج محمد الجبالى، ويحوى فيلم «الحياة حلوة» طوفاناً من العواطف القوية، إذ تلتقط عدسة الكاميرا الحياة، كما هى، من دون فلاتر، كما يجب أن تكون وألا تكون، يحاكى الفيلم فى عنوانه رائعة فيدريكو فيللينى (la Dolce Vita-1960)، على الرغم من أنه لا يحوى الكثير من القواسم المشتركة معه، سوى بعض التفسيرات الفلسفية العميقة، ويلتقط الجبالى أدق تفاصيل حياته اليومية بينما يكافح للحصول على إقامة نظامية فى النرويج من دون طلب اللجوء، الأمر الذى سيضطره الى التخلى عن جنسيته الفلسطينية، ومن خلال هذه القصة، يقدم جبالى وصفا عميقا لما كانت عليه الحياة فى غزة لسنوات، ويصف حياة كل من تركوها ولمن ظلوا داخل أسوارها.
ويلقى المهرجان الضوء على السينما الفلسطينية، ونضالات الحياة تحت الاحتلال من خلال برنامج بعنوان «أصوات فلسطينية» حيث يعرض ما يقرب من 6 أفلام وذلك ضمن أكثر من 40 فيلما من 26 دولة، حيث يعرض ثلاثة أفلام تم ترشيحهم للأوسكار، كما يشارك فيلمين عرض أول، و4 عروض لأول مرة من أمريكا الشمالية، و7 عروض أولية للولايات المتحدة، كما يشارك المخرج مهدى فليفل بفيلمه «إلى أرض مجهولة»، والذى يروى الفيلم الواقع المأساوى للصديقين، شاتيلا وفاتح، وهما لاجئان فلسطينيان من عين الحلوة، تقطعت بهما السبل فى أثينا ويحلمان بالهرب إلى شمال أوروبا وحياة أفضل، ويقع الصديقان فى خديعة يفقدان إثرها المبلغ المالى المخصص للهجرة، لينجرفا فى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة لاسترجاع المبلغ، وليجد شاتيلا نفسه فى آخر المطاف مضطرا إلى الاختيار بين حريته أو صداقته مع فاتح.
كما يعرض فيلم «عودة عايدة» للمخرجة كارول منصور والذى يوثق تجربتها الشخصية فى العودة، ويروى رحلتها السرية لدفن رفات والدتها عايدة فى فلسطين، على الرغم من القيود التى فرضها مشروع الاستعمار الاستيطانى الإسرائيلى، وبعد هذه الرحلة يقدم الفيلم تأملات شخصية حول ممارسة العودة، وينسج معا أفكارا حول الوطن، والتجربة الفلسطينية والذاكرة والواقع المستمر للحياة الفلسطينية فى يافا تحت الاحتلال اليوم، والفيلم من إنتاج منى الخالدى، ويشارك الفيلم الوثائقى «مقلاع الهيب هوب» لمخرجته جاكى ريم سلوم، ويتتبع الفيلم تاريخ تطور الهيب هوب الفلسطينى منذ دايات فرقة دام فى نهاية التسعينات من القرن العشرين مركزا على عدد من الفرق والمغنين، مثل PR (أى Palestinian Rapperz) و WEH Crew و MW ومحمود شلبى والرابرات آرابيات وعبير الزيناتى.