يوميات الأخبار

ممتاز القط يكتب: د. مدبولي.. شكرًا وأهلًا

ممتاز القط
ممتاز القط

والاختيار هنا لا يخضع لأي أهواء بقدر ما يخضع لقدرات من يتم اختياره على المعرفة الحقيقية بمشاكل وتحديات وهموم مصر.

رغم أى نقد لأداء حكومة د. مصطفى مدبولي التي قدمت استقالتها أو أي نقد لاختياراته لأعضاء الحكومة الجديدة، تظل حكومته متفردة فى حجم التحديات والعقبات التى واجهتها وكيف استطاعت التصدى لها.

وإذا كان نجاح أى حكومة يتوقف على مدى المسئولية الجماعية لأداء الوزراء فإن شخص رئيس الحكومة ومدى ما يتمتع به من قدرات ومهارات يظل عنصراً فاعلاً فى الحكم على ما تقدمه من أداء.

مجرد اختيار شخص ما لتولى رئاسة الحكومة يعبر لحد كبير عن مدى الثقة التى يتمتع بها من القيادة السياسية وقناعتها الكاملة بقدراته على تحقيق ما يوضع له من أهداف.

والاختيار هنا لا يخضع لأى أهواء بقدر ما يخضع لقدرات من يتم اختياره على المعرفة الحقيقية بمشاكل وتحديات وهموم مصر وهى كثيرة وترتبط بالمدى الواسع لآمال المصريين فى نهضة بلادهم وتجاوز كل العقبات والتحديات وتحمل أى أعباء يفرضها واقع المواجهة فى كل المجالات.

بعيداً عن شماعة الأولويات كان قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن يبدأ المواجهة الشاملة لكل التحديات فى مسيرة بناء وطن يتسع لآمال وأحلام كل المصريين ويعالج كل أوجه القصور التى واجهتها مصر خلال السنوات الماضية.

كان المطلوب رئيساً للحكومة يعمل من واقع مرير فرضته سنوات ضائعة منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٤.

وضع اقتصادى صعب وحالة من الترهل والفوضى وتغييب القانون، وأوهام جماعة الإخوان فى إسقاط مصر وخروجها من موقعها المؤثر كقلب نابض للأمن العربى والإقليمى.

رئيس حكومة يصاحب رئيس الجمهورية فى معظم جولاته التفقدية أو خلال مشاركته فى أى فعاليات أو مؤتمرات وندوات لن يكتفى فيها الرئيس السيسى بسماع المتحدثين ولكنه دوماً يناقش ويحاور ويستفسر وكثيراً ما يحمل حديثه رؤية أو أفكاراً أو توجيهات وقدرة فائقة على التذكر وكلها أمور تؤكد حتمية الدقة الشديدة فى اختيار رئيس الحكومة.

شكراً يستحقها الرجل الذى يحمل حقيبة من الشهادات والخبرات بدأت بحصوله على بكالوريوس الهندسة المعمارية من كلية الهندسة بجامعة القاهرة ثم دكتوراه الفلسفة فى الهندسة المعمارية بإشراف مشترك بين مصر وألمانيا مروراً بتوليه حقيبة وزارة الإسكان والمرافق ثم رئاسة مؤقتة للحكومة خلال علاج المرحوم المهندس شريف إسماعيل بالخارج ثم رئاسة الحكومة فى ٧ يونيو ٢٠١٨.

لكن عشرات الشهادات والمناصب القيادية كانت تخفى داخلها دماثة خلق وهدوءاً شديداً عرفه عنه كل من التقى أو عمل معه.

شارك د. مصطفى مدبولى فى وضع وتنفيذ رؤية مصر ٢٠٣٠ والتى حدد معالمها وأركانها الرئيس عبدالفتاح السيسى والتى تربط حاضر مصر بمستقبلها وتستلهم إنجازات حضارتنا لبناء مسيرة تنموية لمصر المتقدمة والمزدهرة التى تسودها العدالة الاقتصادية والاجتماعية وتعيد إحياء الدور التاريخى لمصر فى كل مجالات الريادة الإقليمية.

رؤية تعظم الاستفادة من المقومات والمزايا التنافسية وتهدف لتحقيق آمال وتطلعات الشعب المصرى فى حياة كريمة وترسخ مفهوم المواطنة والسلام الاجتماعى.

كان الرهان صعباً أمام د. مصطفى مدبولى، عندما عُين وزيراً للإسكان كانت قد ضاقت مساحة المعمورة فى مصر وأصبحت عاجزة عن استيعاب الملايين الجدد من الراغبين فى الحصول على مساكن أو مجرد مأوى تتوافر فيه أبسط احتياجات الحياة الآمنة والكريمة.

وبعيداً عن لغة الأرقام التى قد لا تطرب عامة الناس كانت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن توفر الدولة المسكن الملائم لكل مواطن يطلبه.. وبفطنته وذكائه المتقد حوّل د. مصطفى مدبولى هذه التوجيهات إلى استراتيجية لعمل وزارته والتى شهدت ميلاد ملايين المساكن الجديدة التى اقيمت وفق اعلى مقاييس الجودة.

وكانت بالفعل طفرة جمالية غير مسبوقة وتحولت إلى عقيدة واستراتيجية لصناعة البناء بمصر.

بهذه الروح كان أداء الدكتور مصطفى مدبولى عندما أصبح رئيساً للوزراء وهو ترجمة أمينة لفكر الرئيس عبدالفتاح السيسى، والتى امتدت لتشمل كل المجالات فى نفس الوقت. وحققت الحكومة أعلى معدلات للأداء فى جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أجمع كل الخبراء على أن ما حققته الحكومة ما كان ليتحقق لولا كفاءة الإدارة وتصديها بحلول واقعية لكل المشاكل والتحديات.

صعب جداً أن نحصر هذه الإنجازات والتى كانت تحتاج لعشرات السنين من أجل تنفيذها وبمستوى الجودة الذى حققته، حدث ذلك رغم كل التحديات الكبرى التى واجهت مصر مروراً بتداعيات أزمة الكورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة والتصدعات الإقليمية والتى تعاملت معها مصر بكل الحكمة والاقتدار.

شكرا لكل وزراء حكومة د. مدبولى السابقة وأهلاً بحكومة جديدة كانت سعادة ورخاء المواطن المصرى هى التكليف الأول لها. ويارب احفظ مصر من أى سوء.

◄ فين الاستقالة

الله يرحمه رحمة واسعة بقدر وطنيته وحبه الكبير لمصر الفريق د. محمد سعيد العصار الذى سيخلد التاريخ اسمه بحروف من نور كأحد قادة قواتنا المسلحة الذين حملوا أرواحهم على أيديهم وهم يذودون عن حمى الوطن.

عرفته منذ عام ٢٠٠٥ وبقدر تفوقه ونبوغه فى كل المواقع التى عمل بها داخل قواتنا المسلحة كان رحمه الله مثقفا يلم بكل فنون الفكر والإبداع وكان يتمتع بدماثة خلق رفيع.

لعب دوراً هاماً فى تطوير الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة وكان أحد رجالات أكتوبر العظام وتولى الراحل ملف التسليح لسنوات عديدة وكانت له مواقف بطولية خلال أحداث ٢٥ يناير، حيث نجح فى احتواء تداعيات حالة الفوضى التى عمت مصر خلال هذه الفترة وذلك بتكليف من المجلس الأعلى مع غيره من قادة القوات المسلحة وعلى رأسهم المشير عبدالفتاح السيسى وصولا إلى ثورة ٣٠ يونيو التى فكت أسر مصر من جماعة الإخوان الإرهابية. فى يوم ١٣ فبراير ٢٠١١ ذهبت إلى مبنى وزارة الدفاع وأنا أحمل استقالتى من رئاسة تحرير أخبار اليوم وحاولت مقابلة سيادة المشير محمد حسين طنطاوى، طيب الله ثراه، ولكن انشغاله الشديد حال دون اللقاء وأبلغونى بأنهم سوف يتصلون بى فى اليوم التالى.

تركت استقالتى وفى صباح ١٤ فبراير تلقيت اتصالاً من المغفور له الفريق محمد العصار وتناولت المكالمة تطورات الأحداث وكنوع من المجاملة الرقيقة أشاد بتغطية صحيفة أخبار اليوم للأحداث وقال لى: أعتقد أن سيادة المشير طنطاوى كلمك وهو مبسوط أوى من الجورنال.. شكرته ليسرع قائلا: إيه حكاية الاستقالة دى؟! وأضاف: سيادة المشير بيقولك «هو مش ناقصك» والاستقالة اتقطعت وكلنا فى مواقعنا.

شكرت الراحل الكبير وظلت علاقة الحب والتقدير تجمعنى به، وفى العديد من المناسبات كان حريصاً على مصافحتى بأحضان من الود وكان كثيراً ما يهمس فى أذنى ويقول: فين الاستقالة يا قط؟.

كرّمه الرئيس السيسي قبل وفاته بأيام قليلة ومنحه رتبة الفريق ووسام الجمهورية وتم إطلاق اسمه على أحد أكبر المحاور المرورية.

رحم الله الفقيد الكبير والذى تحل ذكرى وفاته السبت القادم.