جانيشانانثان وناعومى كلاين تفوزان بجوائز «إبداع المرأة»

جانيشانانثان ونعومي كلاين
جانيشانانثان ونعومي كلاين

إعداد: بسمة ناجى

فازت رواية «ليلة بلا إخوة» للكاتبة فى فى جانيشانانثان بجائزة إبداع المرأة للرواية 2024، بينما فاز كتاب «أشباه» للكاتبة الأمريكية ناعومى كلاين، بالجائزة فى الفئة المستحدثة لأول مرة هذا العام لكتب الــ «نونفيكشن».

ويتناول الكتابان انجراف الناس نحو التطرف: يستند كتاب «أشباه» إلى حقيقة الخلط الدائم بين كاتبته، ناعومى كلاين، والناشطة النسوية التى تحولت إلى الإيمان بنظرية المؤامرة، ناعومى وولف، كنقطة انطلاق لاستكشاف حقائق سياسية، ومناقشة شخصيات شعبوية كستيف بانون ودونالد ترامب.

وصفت المؤرخة سوزانا ليبسكومب، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة لفئة النونفيكشن، الكتاب بأنه «تحليل رائع ومتعدد الطبقات للواقع، ويحمل روح الفكاهة والبصيرة والخبرة». أشادت لجنة التحكيم بكتابة كلاين «الذاتية والعميقة والشاملة بشكل مثير للإعجاب».

وأضافت: «إن «أشباه» دعوة شجاعة وإنسانية ومتفائلة للمواجهة الصادقة، تنقلنا إلى ما هو أبعد من الأبيض والأسود، وما هو أبعد من اليمين واليسار، وتدعونا إلى احتضان المسافات بينها بدلًا من ذلك».

فيما تدور أحداث رواية «ليلة بلا إخوة» حول فتاة تحلم بأن تصبح طبيبة فى جافنا خلال الحرب الأهلية السريلانكية قبيل اندلاع الحرب، وتتابع تحولات مَن حولها إلى الأيديولوجيات السياسية العنيفة. نشأت فكرة الرواية أثناء بحث الكاتبة حول أحداث الإضراب عن الطعام عام 1987 فى معبد، نتج عنه كتابة بعيدة كل البعد عن كتابتها فى رواية «زواج الحب»، أولى رواياتها، والتى وصلت للقائمة الطويلة لجائزة أدب المرأة لعام 2009، المعروفة آنذاك بجائزة أورانج، لكن لا تنفصل عنها تمامًا.

 كل بضعة أعوام، تشارِك فى فى جانيشانانثان فى استطلاع رأى عبر فيسبوك يطلب من الناس ترشيح روايات يرونها أشد كآبة، وكان ترشيحها الدائم هو رواية «توازن جيد» لروهينتون ميستري، وبلا منازع. تدور أحداث هذه الرواية حول الهند خلال فترة السبعينيات والثمانينيات المضطربة، وهى رواية تحبها جانيشانانثان. الآن، بروايتها الثانية، «ليلة بلا إخوة»، التى حصلت على جائزة إبداع المرأة للرواية، كتبت الروائية الأمريكية قصة تنافس فى «مأساويتها» رواية ميسترى المنشورة فى عام 1995.

 بدأت جانيشانانثان حياتها العملية كصحفية، وتُدرِس الآن الكتابة الأدبية وغير الأدبية فى جامعة مينيسوتا، كما تُشارك فى تقديم بودكاست Lit Hub Fiction/Non/Fiction، الذى أُطلِق فى عام 2017 بعد انتخاب دونالد ترامب لتسليط الضوء على الأحداث الجارية من خلال الأدب. 

  تقدم رواية جانيشانانثان الحرب الأهلية السريلانكية كما قدمت تشيماماندا نجوزى أديتشي، الحائزة على جائزة إبداع المرأة الروائي، حرب بيافران فى روايتها الصادرة عام 2006، «نصف شمس صفراء»، فهى تروى عما تعنيه الحرب بالنسبة للأشخاص العاديين وتُذكِّر العالم بصراع اختار الكثيرون نسيانه. تقول: «نشأتُ على قصص عن عنف IPK [قوات حفظ السلام الهندية] ولم أرَ ذلك مُقدَمًا بالشكل الذى يستحقه. يصف الكثيرون سريلانكا على أنها فيتنام الهند. كأمريكية، أشعر أن هذا تشبيه مفيد وصعب».

  تبدأ أحداث رواية «ليلة بلا إخوة»، فى عام 1981، عندما كانت ساشي، الراوية ذات الرؤية الواضحة، فى السادسة عشرة وتعيش فى مدينة جافنا ذات الأغلبية التاميلية مع والديها وإخوتها الأربعة. تتوق ساشى أن تكون طبيبة، لكن حين أحرقت الشرطة السنهالية المكتبة، قُتل شقيقها الأكبر على يد الجيش وهرب اثنان آخران للانضمام إلى المقاومة؛ تغير عالم الطبقة المتوسطة المريح إلى الأبد. تتبع الرواية بطلتها على مدى عقد دموى حيث دمر العنف بلدها وعائلتها، إذ يختفى صبى تلو الآخر وتُترك مجتمعات بأكملها «بلا إخوة».

تبدأ ساشى الرواية بعبارة «التقيت بأول إرهابى عرفته حين كان على وشك أن يصبح إرهابيًا»، وتظهر كلمة «إرهابي» ثمانى مرات فى الصفحتين الافتتاحيتين. على مدى 340 صفحة تالية أو نحو ذلك، تتساءل الرواية عن معنى هذه الكلمة، وكيف يجد الناس العاديون أنفسهم صاروا إرهابيين. وتضيف بطلة جانيشانانثان: «إن كلمة إرهابى أشد سطحية من التاريخ الذى عشناه. «ذات يوم ستبدأ القصة بكلمة مواطن مدني، أو بكلمة الوطن».

  تقول جانيشانانثان: «كُتبت تلك الصفحة فى وقت قريب جدًا من أحداث الحادى عشر من سبتمبر مقارنة ببقية الرواية. نشأتُ فى مجتمعٍ اعتمد تلك اللغة لمخاطبتنا. وحتى الآن، أقابل مَن يقول لي: «أوه، أنت سريلانكية». «أنت من التاميل، لا بد أنك نَمِرة». هذا ليس مُضحكًا». وتقول: «فى الرواية، يُعد هذا استفزازًا متعمَدًا لحث الناس على التفكير فى سبب استخدامهم لتلك اللغة. مع من يُحظر استخدام هذه اللغة؟ كيف كان حال هؤلاء الناس من قبل بظنك؟ أنت لا تتفاوض مع الإرهابيين، ولا تحاورهم. انتهت القصة». ليلة بلا إخوة هى بداية القصة.

فى بيثيسدا بولاية ماريلاند، نشأت جانيشانانثان على الاستماع إلى مزيج من القصص من موطن والديها بجانب آن أوف جرين جابلز وكلاسيكيات الأطفال البريطانية. وكان والداها قد انتقلا إلى أمريكا فى السبعينيات لأسباب مهنية، ثم وجدا نفسيهما غير قادرين على العودة، مثل العديد من السريلانكيين. كان والدها طبيب أطفال، ووالدتها معلمة حضانة. تقول: «نشأتُ فى عالم من المهتمين بالسياسة ومن لا يَمَلّون حديثها، حتى لو لم تكن أسرتى تفعل ذلك. المعلمون والمحامون والعاملون فى البنك الدولى والعاملون فى السفارات».

  خلال فترة العمل الطويلة على الرواية، كانت واعية جدًا لكونها دخيلة. «مثلًا، ما حجم المهام التى يجب عليَّ إنجازها؟ الكثير! الكثير من المهام. وأنا على يقين من أنها ليست كافية، أو ينقصها الكثير. كنت مهتمة بإثبات أن شخصًا من الشتات يمكنه إثبات وجوده».

أحد الأشياء التى يحاول الكتاب فعلها أيضًا هو زحزحة السلطة السردية قليلاً، بحسب قولها بينما تطالب القراء بعدم الاكتفاء بقراءة كتابً واحدً عن سريلانكا، «من فضلك فكر فى كتابين أو ثلاثة. لا تقرأ كتابًا واحدًا». وتؤكد: «أنا لا أروى قصة بلادي، بل مجرد قصة».

 ترجع الفجوة الزمنية الطويلة بين «زواج الحب» و«ليلة بلا إخوة»، والتى بدأت جانيشانانثان كتابتها قبل عشرين عامًا، جزئيًا، إلى أن المؤلفة تعانى من مشكلات فى الحركة تجعل الكتابة صعبة عليها. منذ طفولتها، تعرضت لحوادث أصابت يديها بصعوبات خاصة، ما عقَّد ممارساتها اليومية، خاصةً أثناء دراستها. إلا أنها غير متأكدة من تعريف الأمر، ولا تعرف إن كانت «إصابة؟ أم إعاقة؟» بحسب وصفها.

 عادت المشكلة إلى الظهور خلال وباء كورونا عندما تورمت يدها بشكل فظيع. كانت الطريقة الوحيدة لإنهاء الرواية هى تعلُّم استخدام برنامج الكتابة بالتعرف على الصوت. ورغم إشارتها لمواطن الخلل فى برامج التعرف على الصوت، بوصفها «برامج مفيدة لكنها فظيعة وعنصرية»، وكان عليها «تدريبه» كثيرًا لنطق لقبها بشكل صحيح، إلا أنها تحسنت عما كانت عليه خلال أيام دراستها فى أواخر التسعينيات. كما اضطُرت للجوء إلى آخرين لكتابة عملها. 

  قبل عامين، فاز الروائى السريلانكى شيهان كاروناتيلاكا بجائزة بوكر عن روايته «أقمار معالى ألميدا السبعة». رغم أن كلتا الروايتين تدور أحداثهما خلال نفس الفترة وحتى أنهما تتضمنان شخصيات مبنية على نفس الشخصيات الواقعية، إلا أنهما مختلفتان. تعامل كاروناتيلاكا مع الصراع بحيوية خرافية، بينما أدت الخلفية الصحفية لجانيشانانثان إلى اتباع نهج أشد إخلاصًا للتوثيق. «لا أعلم لو أن الناس يرون الواقعية على أنها بيان سياسي. لكن فى هذه الحالة، كان المقصود فى الواقع أن يكون بيانًا. إنه تأكيد على أهمية الحقيقة، ولا يفترض أن مَن يقرأها لديه وعى بالحقائق».

  أثناء كتابة روايتها، انجذبت جانيشانانثان لقراءة الروايات المصورة، وحضرت دورة تدريبية حول كتابتها، وصارت مفتونة بفكرة كتابة كوميكس بعد ذلك، ما يبدو خروجًا جذريًا عن منطقتها الآمنة، «وربما أكتب شيئًا أشد حزنًا.»

  وصفت الروائية مونيكا علي، رئيسة لجنة تحكيم الجائزة لفئة الرواية «ليلة بلا إخوة» بأنها «إحدى روائع الأدب التاريخى المعاصر، بديعة ومقنعة ومؤثرة بعمق»، وأشادت بالأسلوب الذى «يعزز الحميمة والملحمية» بسرد تفاصيل من مآسى الحرب الأهلية السريلانكية.

وتشكلت لجنة التحكيم لفئة الرواية لهذا العام، إلى جانب مونيكا علي، من الكاتبة أيوبامى أديبايو، والمؤلفة والرسامة لورا دوكريل، والممثلة إنديرا فارما، والمذيعة والمؤلفة آنا وايتهاوس.