30 يونيو.. قصة من داخل الأحداث

ياسر عبدالحافظ
ياسر عبدالحافظ

ملامح البلاد ترسمها مسيرة مواطنيها. مجموع الوجوه يصنع الشكل العام. غلبة مزاجٍ ما يحدد الوصف السائد لها. ثمة بلاد يصعب الخروج بانطباع عنها إلا بعد وقت، وأخرى صريحة وواضحة كأهلها. لهذا نصف بلادًا بأنها جميلة، وأخرى كئيبة أو رصينة أو عنصرية، وثمة بلاد يندمج الناس فيها بأرضها وحضارتها فيصبح كلاهما عنوانًا للآخر، وتفسيرًا له، ودلالة على قدرته على البقاء.

 لابد أن مصر واحدة من الألغاز الكبرى فى العالم، لا أقصد الحضارة المصرية القديمة وحدها، فهذه قطعة ضمن مفردات «بازل» تكوَّن على مهلٍ واستمرت مكوناته متجاورة ومتداخلة على الرغم من التضاد بين أغلبها، والتجاور الحضارى جرى فى أماكن أخرى لكنه لم يدم، الإلغاء والحذف منطق إنسانى بشكل عام لكن لسبب ما لم يتم تطبيقه هنا وغالبًا يكمن السبب الرئيسى فى المصريين أنفسهم، فى طبيعةٍ انفتاحيةٍ متساهلةٍ تماهت مع الموقع الجغرافى الذى فرض أن يمر الجميع عبر البوابات المصرية، ويبقى لبعض الوقت. 

هذا الإطار يشكل دليلى فى فهم الكثير مما يجرى على الأرض المصرية، ومنها، وعلى وجه خاص ثورة 30 يونيو، وهو الدليل نفسه الذى أفهم به الفارق بينها وبين 25 يناير، اختلاف ليس فقط فى الأهداف والمنطلقات بل أيضًا فى الوعى المحرِّك لكليهما، وإن تشابهتا فى تأثيرهما العظيم على حياة المصريين.  

وبالتالى ليس غريباً عند الحديث عن 30 يونيو التأكيد على دور المثقفين فى مسارها، باعتبارهم إحدى القوى الأساسية التى شاركت فى الدعوة لها والحث عليها، بل ويتم الإشارة إلى اعتصام «شجرة الدر»، حيث مقر وزارة الثقافة، باعتباره نقطة البداية لحركة شملت الشعب المصرى وقادته إلى الاتحادية مطالبًا بصوت واضح وتعبيرات محددة بالتغيير مدفوعًا بخوف غريزى على هوية البلد، وهو ما التقى مع الرؤية نفسها عند الجماعة الثقافية التى أدركت أن خطة تمييع الثقافة الوطنية يتم تنفيذها بخطوات سريعة لا تحتمل انتظار تحليل أثرها أو ترقب نتائجها. كان ثمة إدراك يتفق عليه الطرفان، المثقفون والشعب، بأن السقوط فى الفخ المعد يعنى ضياع القيمة الحضارية لهذا الوطن، وأنه فى ظل التحولات الجارية فى المنطقة فلا يمكن تصور خروج سريع من ذلك الفخ. 



ملامح البلاد ترسمها مسيرة مواطنيها. و«أخبار الأدب» وباعتبارها أحد المنابر المعبرة عن الثقافة المصرية وجدت نفسها منذ البداية فى قلب الأحداث المؤدية إلى 30 يونيو، وسط رفض يعلو صوته يومًا بعد الآخر من ممارسات وخطابات وتصريحات لا يرى فيها الناس إلا انحرافًا حادًا عن روح البلد ومزاجه.

لم تقم 30 يونيو بسبب خلافات سياسية، مع الإقرار بوجودها، وهى طبيعة العمل السياسى على أى حال، لكن حركة المصريين الضخمة ذلك اليوم كانت لها أسباب قائمة فى جوهرها على الرغبة فى الحفاظ على الطابع التاريخى والمميز لمصر، ذلك الطابع الذى لم يعتد قط أن يكون سجينًا لفكرة واحدة، ورأى قاطع، وإملاءات تدعى القداسة.



 30 يونيو كانت إعلانًا صريحًا بالحفاظ على الدين والحياة معًا، وعلى المسافة بينهما، والتى تتحقق بالتنفيذ الصحيح للدين، بأنه ليس عبر شخص، أو خليفة، أو جماعة، بل باتفاق الأغلبية، فقد انقطع الوحى إلى الأبد، وبقى النص متاحا أمام العقل لتوظيفه بما يضمن مصالح الناس وليس لصناعة جحيم على الأرض منسوب زورًا إلى السماء.

 قبل وصول الإخوان إلى الحكم عبرت «أخبار الأدب» عن المزاج الثقافى السائد الذى كان من الواضح نزوعه لرفض الوجود الإخوانى، مستشعرًا خطورته.. فى عدد 3 يونيو 2012 يأتى الغلاف حاملًا عنوان «الإخوان.. تاريخ من الخيانة» وفى الداخل ملف يعرض لمجموعة من الكتب، يكتب فيه أسامة فاروق: «لا يوجد فى تاريخ الإخوان المسلمين شىء من الوسطية التى تدعيها، بل هى حركة نفعية تسعى للوصول للسلطة، ولذلك فهى دائمًا على خلاف مع القوى المعارضة، وحتى إذا توافقت معها، سرعان ما ينفض الاتفاق عن طريق صفقة تعزز مواقع قيادييها، أو تمنحهم مناصب حكومية». 

تشريح للعقل الإخوانى أو لـ «زئبقية الإخوان» على حد تعبير محمد فرج، وهى استراتيجية الجماعة: «منذ النشأة حتى الآن، هذه الزئبقية التى تضر الإسلام بهذا الاستخدام الوظائفى الذى لا يبدو أنه سينتهى قريبًا» فإذا أردت تفسيرًا لهذه الزئبقية تجد حسن عبد الموجود يشرح: «لأن الإخوانى الصغير يدخل مصنع الجماعة، تتسرب إلى نفسه فكرة المظلومية التاريخية» وهذا كله يؤدى إلى ما يقوله محمد شعير: «هادن الإخوان الوفد ثم انقلبوا عليه، دعموا الملك ثم ناصبوه العداء، تعاونوا مع رجال يوليو وتصادموا معهم، وساندوا السادات وتمردوا عليه، يصرخون ليل نهار بالعداء لأمريكا ويسعون فى الخفاء لمد الجسور معها».



 لم يكن خلافنا مع الإخوان خلافًا سياسيًا، لم ينشأ مع الانتخابات، ولا بعد 25 يناير، بل كان هذا الخط العام للجريدة منذ تأسيسها، الانتصار لمدنية الدولة باعتبارها الضامن للحقوق والحريات، وعلى هذا كان من الطبيعى أن يتواصل أداؤنا لمهمتنا خلال عام حكم الإخوان.

 فى العدد 988 بتاريخ 1 يوليو 2012 وتحت غلاف يحمل عنوان «مدنية» تكتب رئيسة التحرير عبلة الروينى فى الافتتاحية: «الخلاف مع الإخوان المسلمين ليس كما يظن البعض، خلافًا سياسيًا، أو دينيًا، لكنه بالأساس خلاف فكرى ثقافى اجتماعى» وفق هذه الرؤية تجرى الجريدة تحقيقًا مع عدد من المثقفين تحت عنوان «مستقبل الثقافة فى دولة الإخوان» جاء فى مقدمته ما يؤكد على تصوراتنا ومخاوفنا: «وصل الإخوان إلى كرسى الرئاسة، وأصبحوا يقفون على أرضية صلبة تمكنهم من البدء فى تنفيذ أفكارهم، فماذا يخبئون فى جعبتهم للثقافة والفن؟ وكيف يرون المثقفين والفنانين؟ وكيف يرى المثقفون أنفسهم مستقبل الثقافة فى ظل الإخوان.. وكيف نحمى تلك الثقافة فى حال أعلن الإخوان الحرب عليها؟!» وتؤكد المقدمة على أن: «الأسئلة الاستباقية لها ما يبررها، خاصة وأن الهجمة الظلامية الشرسة على الثقافة والإبداع كانت مستمرة بعد الثورة، فهل يسهم الإخوان فى تقوية شوكة الظلاميين أم أنهم سيكونون أكثر ذكاء ويتجنبون استعداء المثقفين؟»

وتحت عنوان «الأخ الإخوانى يراقبك» يقدم صاحب هذه السطور قراءة لبرنامج حزب الحرية والعدالة للثقافة مرتكزًا على كونه برنامجًا لفرض الرقابة على الثقافة والمجتمع.



استمرت الجريدة على هذا المنوال إلى العدد 994 والذى أعتبره شخصيًا الفارق بين زمنين فى تاريخ «أخبار الأدب» فقد كان الأخير الذى يصدر برئاسة عبلة الروينى بعد صدور قرار مجلس شورى الإخوان بالتغييرات، وجاء ذلك الغلاف تحت عنوان «لا سمع ولا طاعة».

مع العدد 995 يمكن ملاحظة أن ثمة اختلافاً ما طرأ على الجريدة، وهو ما سيتأكد بصورة متسارعة عبر الأعداد التالية، كان رئيس تحرير جديد قد تولى المهمة، وكنا قد التقيناه فى حضور قيادات عليا بالمؤسسة وطرحنا مخاوفنا، وقد كانت جزءاً من تساؤلات تشغل بال المواطنين فى أماكن متعددة باختلاف درجة أهميتها وتأثيرها على الشأن العام: هل ثمة مشروع ما لأخونة الجريدة؟

ومع التأكيد والتطمينات على أن لا شىء من ذلك سيحدث، وأن وجودنا وعملنا هو أكبر ضمانة على ذلك، وأنه لنا الحرية أن نكتب وأن نعبر كما نشاء، بدأت قصة طويلة يمكن وصفها ببساطة بالسخيفة، فقدنا فيها الجريدة بوتيرة متسارعة على مدار عام، لم تعد معبرة عنا، ولا عن الثقافة المصرية، وهو نفس ما جرى فى مواقع عدة.. بدأت البلد تدريجيًا تفقد تعبيرها المعتاد عن نفسها.

بمرور الوقت بدا واضحًا لنا فى «أخبار الأدب» عبث السعى لاستكمال التعاون مع رئيس التحرير بهدف الحفاظ على روح الجريدة، مستواها أخذ فى التراجع بصورة أسرع من أى محاولة لوقفه، وازداد التورط فى صراعات سياسية حزبية لم تكن جزءاً من منهج عملنا، ما علاقتنا على سبيل المثال بصراع الإخوان مع التيار السلفى! من هؤلاء الشيوخ الذين بدأوا يظهرون على صفحات الجريدة، ما العلاقة بين هذا والثقافة؟ 

فى نهاية سبتمبر يقيم رئيس التحرير احتفالية بالعدد الألف من الجريدة ولا يحضرها أحد من الأسماء الأساسية، ويظهر العدد 1001 وغلافه مزين بصورة تتوسطه مع آخرين ليس بينهم أى اسم من مجلس التحرير ذلك الذى سيطلب بعد تسعة أعداد على تلك الواقعة رفع أسمائهم من «ترويسة» الجريدة لإعلان أنهم ليسوا مسئولين بعد الآن عما يُنشر فيها من مواد، وذلك بعد تصميم رئيس التحرير على أنه وحده من له الكلمة الأخيرة فى المواد المنشورة.

بنهاية نوفمبر 2012 نقرر أن أمر الـ «أخونة» مسألة ثابتة وأنه يتم تنفيذها بخطى ثابتة، وأن ما يحدث فى الجريدة لا بد ألا يبقى شأنًا خاصًا بصحفييها وكتَّابها، ولا طريق آخر إلا طرحها على الرأى العام، وعلى هذا تمت صياغة بيان تفصيلى يحكى القصة كاملة، وقَّع عليه صحفيو الجريدة وساندهم فيه مجموعة كبيرة من المثقفين المصريين والعرب.

جاء فيه: قد يكون فى طرح مسألة «أخبار الأدب» فى هذه الظروف شىء من الأنانية، حيث نقف أمام منعطف حاد من شأنه أن يرسم صورة الدولة على مدى عقود مقبلة، هل تتقدم نحو الديموقرطية التى يستحقها شعبها والتى خرج مطالبًا بها فى 25 يناير، أم تعود قرونًا إلى الوراء؟ على أننا نرى أن قضية «أخبار الأدب»، ليست منفصلة عما يحدث، وأن ما يحدث فيها وبها نموذج لما يُراد لهذا الوطن، فهى واحدة من المؤسسات التى يسعى الحزب الحاكم حاليًا لإعادة رسمها على مقاس أحلامه الضيقة وتطلعاته التى لا يشاركه فيها ولا يتبناها سوى أعضاء جماعته، ومعهم من احترفوا التنقل بين هذا المعسكر وذاك، بلا رؤية ولا هدف إلا مصالحهم.


ويمضى البيان مؤكداً أن الإعلان الدستورى الذى فاجأ به الرئيس المنتخب الناس محاولًا من خلاله فرض مبدأ «السمع والطاعة» على شعب بأكمله، لم يكن مفاجئًا جدًا لمن يعيشون ما يحصل داخل دهاليز الدولة، فقد سبقته محاولة السيطرة على المؤسسات وتدجينها بحيث لا يعترض أحد على ما سيكون. وقصة «أخبار الأدب» فى الشهور الماضية واحدة من تلك القصص التى جرت فى طول مصر وعرضها فى سعى محموم وعنجهى لوأد الروح الثورية، والأحلام التى تكونت خلال العامين الماضيين، وعلى هذا كان طبيعيًا أن تتصف العناصر القيادية، التى وقع عليها الاختيار منذ تسلم الإخوان الحكم، بقلة الكفاءة، أو الانتماء المخزى إلى النظام السابق، أو أنها بلا تاريخ مهنى أو نضالى. كانت اختيارات منطقية لأن هؤلاء من يمكنهم دوماً تنفيذ المطلوب بلا اعتراض.

ويقول البيان: نحن كنا واحدة من المؤسسات التى مورست عليها تلك السياسة، رئيس التحرير الذى تم اختياره لا يعرف شيئًا عن «أخبار الأدب» ولا عن محرريها، ولا عن المثقفين المصريين والعرب الذين شاركوا فى بنائها، هذا استنتاج وصل إليه سريعًا كل المهتمين بالجريدة، ونحن عرفناه من اللحظات الأولى، لكننا فضَّلنا الانتظار، إيمانًا ربما بأنه من حق أى شخص أن يُقدِّم ما لديه، خاصة أنه وعد بالالتزام بثوابت الجريدة، وبتاريخها، وبالأسس التى قامت عليها. وإيمانًا أيضًا بأن الجريدة ليست رئيس تحرير فقط، بل الأهم هم محرروها، أولئك الذين يحولون السياسة التحريرية إلى واقع، والعناوين الفضفاضة إلى منتج صحفى، ومن شأن التعاون بين الطرفين، الرئيس وطاقم التحرير الوصول أولًا للحفاظ على المستوى المهنى للجريدة، وثانيًا إعادة ثقة القراء فيها بعد هذا الاختيار الذى مثل صدمة للجميع.

لكن.. ما حدث للأسف أنه على مدار ثلاثة أشهر وجدنا أنفسنا عاجزين عن وقف سعى مجدى العفيفى الذى لا يهدأ لنسف كل الأسس التى قامت عليها الجريدة، بل وكل المعايير الصحفية التى نعرفها، وكثير منا له من الخبرة الصحفية ما يجعلنا نثق بأن ما يفعله هذا الوافد علينا، وعلى الساحة الثقافية، ليس سوى اجتهادات شخصية لا علاقة لها بالفن الصحفى، أو فى أحسن تقدير هى ممارسات صحفية تجاوزها الزمن وهو لا يدرى، فالرجل قضى معظم سنى عمره فى دولة خليجية وتجمدت معلوماته عند لحظة ركوبه الطائرة، ولما عاد كان قد فقد القدرة واللياقة بحكم العمر من ناحية وتحت سيطرة غرور وتكبر من ناحية أخرى، على استعادة ما فاته. فأما العمر فلا دخل لنا به، لكن الغرور والكبر فهما شأن لا ينبغى أن يتصف بهما مدير أو رئيس وإلا فسدت إدارته لأنهما يمنعانه من الاستماع لآراء الآخرين، وهذه واحدة من مشاكلنا معه، وكل من قرأ مذكرته التى أرسلها إلى مجلس الشورى بعد مضى ثلاثة أشهر على توليه منصبه، يدرك على الفور ما نتحدث عنه، فالمذكرة مليئة بالمغالطات، والأكاذيب، ومحاولة لتشويه الجريدة والعاملين فيها، والأهم عدم إدراك لقيمة الجريدة التى جاء ليرأس تحريرها، فيحاول تصوير الأمور على أنه يحاول إنقاذ مشروع فاشل.

وهناك أسباب عديدة، بحسب البيان، تجعلنا نلجأ إلى الخطوات التصعيدية فى مواجهة رئيس التحرير هذا، بعد أن فشلت كل محاولاتنا فى إقناعه بأهمية العمل الجماعى، وخطورة الانفراد بالقرار والإدارة. وفيما يلى نجمل بعض تلك الأسباب التى جعلتنا نتخذ هذا القرار.

منذ اللحظة الأولى فرض مجدى العفيفى رؤيته الكاملة على الجريدة، فأصرّ على أنه من يرسم رؤية الجريدة وسياستها، متوهما أنها كانت بعيدة تماما عن الشارع وأن لديه سياسة جديدة ستجعل الجريدة تصل إلى القارئ العادى. وبغض النظر عن أن مسألة «القارئ العادى» تلك فضفاضة ومبهمة، ويؤدى الانجرار معها إلى التبسيط المخل فى المادة الصحفية، فإن الأهم أن «أخبار الأدب» لم تكن أبداً بعيدة عن الشارع، والأعداد منذ صدورها متوافرة لمن يحتاج مثل العفيفى إلى إعادة الاطلاع عليها.

همّش العفيفى مجلس التحرير تمامًا، فى البداية كان رافضًا لوجوده، وبعد المفاوضات قَبِل به لكنه لم يسمح له بممارسة مهامه على الإطلاق، مؤكداً أنه كرئيس تحرير هو المرجعية الأولى والأخيرة فى حالة الخلاف، وحتى إذا اجتمع مجلس التحرير بأجمعه ومعه المحررون على رأى ما فى أحد المواد الصحفية فإن رأيه هو لا راد له. 

فرض العفيفى شكلًا إخراجيًا للجريدة دون اهتمام برأى القسم الفنى، فمحاولة سيطرته وفرض رأيه تعدت المادة الصحفية إلى الإخراج الصحفى، فهو يقوم برسم المواد بنفسه، وهو ما أدى إلى أن تفقد الجريدة شكلها الفنى المتميز الذى عرفت به على مدى تاريخها، ولتتحول إلى جريدة خالية من اللمسة الفنية وهو شرط لا غنى عنه لجريدة تهتم بالفن والأدب.

ويمضى البيان مؤكدا: ظلت «أخبار الأدب» لفترات طويلة على يسار المؤسسة الثقافية الرسمية، وخاضت معارك عنيفة يعرفها القاصى والدانى، ضد الفساد، وسعياً للوصول إلى خدمة ثقافية أفضل. أما فى عهد العفيفى فالجريدة تحولت إلى بوق لوزارة الثقافة ووزيرها، حوارات تمجيدية، وأحد موظفيه يكتب مقالاً أسبوعياً، ولا بأس من تخصيصه للدفاع عنه، والمادة التى تناقش أداء وزير الثقافة يتم منعها، أو التخفيف منها فى فعل رقابى مباشر وواضح وصريح.

خصص العفيفى صفحات الجريدة لتكريس وجوده فى الساحة الثقافية بعد غيبته الطويلة فى الخارج، ووجدنا فى هذا السياق ثلاث صفحات فى الجريدة عن كتاب له قام هو نفسه بكتابتها، ورسائل من القراء فى البريد تشيد به وبإنجازاته، وتغطيات صحفية لندوات حضرها وتحدث فيها، وهى أفعال تخالف كل ما نعرفه من أعراف صحفية.

رأينا العفيفى يخلط بين المادة الصحفية والإعلانية، وفى هذا السياق نشرت الجريدة ملفاً كاملاً عن الثقافة العمانية أشبه بالإعلان منه لأى شىء آخر، وهذا فى مقابل أن تشترى السلطنة آلاف نسخة.

فى النهاية ونتيجة لكل ذلك...
نطالب نحن محررى «أخبار الأدب» بإقالة مجدى العفيفى من منصبه كرئيس تحرير «أخبار الأدب». وندعو شرفاء الوسط الثقافى إلى عدم التعامل معه بالكتابة والنشر. وسنواصل خلال الأيام القادمة تصعيدنا لتحرير جريدتنا.

غير أنه لا البيان، ولا المحاولات التى جرت بعده كانت كافية لإقناع رئيس التحرير بالتوقف، بالضبط مثلما لم تقنع أى محاولة فى أى مكان آخر، خلال تلك الفترة، الإخوان بالتعقل، وبالتفكير فى أنه لا يمكن تغيير بلد بهذه البساطة، خاصة إن كان البلد المراد تغييره يملك هذا التاريخ الحضارى الطويل والمتنوع، ولهذا تحديدًا كان ذلك السقوط السريع والمدوى، كانت 30 يونيو، الطريق الذى شاركنا فيه لنسترد ما نملك، يعود إلينا منذ العدد (١٠٤٣) بتاريخ (٢١ يونيو ٢٠١٣) الذى جاء غلافه يصف الواقع، واقعنا، بكلمة واحدة «الخلاص» وتأتى الافتتاحية التى لم يوقعها شخص واحد بل شارك الصحفيون جميعهم فى صياغتها تحت عنوان «مصر المخطوفة» جاء فيها:

 «صحيح المثل الذى يقول إن «ما لا يقتلنى يقوينى». أخبار الأدب لم تمت ولن تموت، هى فكرة أكثر منها «جورنال» فكرة أضاف إليها كل من مر عليها، وهى بالمثل أضافت إلى كل من يملك من التواضع والرغبة الحقيقية فى التعلم. منتدى حر للنقاش بلا حساسيات، أولئك فقط الذين قالوا «أنا» هم من تلفظهم مهما بقوا، مهما ادعوا من تاريخ، من يسيِّرُهم جهلهم فلا يفهمون أن التواضع بوابتهم الوحيدة للدخول.

وتؤكد الافتتاحية على أنه:
«بهذا المعنى، تشبه «أخبار الأدب» على الأقل بالنسبة لمحرريها، مصر، بكل ما يحمله اسم «مصر» من ثقل تاريخى يصبح أحياناً أصعب من تحمله أو قبوله، بقدرتها على إلغاء الفوارق الشخصية لنتحول كلنا إلى علم ضخم بالأحمر والأبيض والأسود، هذا ما أدركه ملايين المتظاهرين فى 30 يونيو فتنازلوا عن انتماءاتهم الجانبية وارتضوا أن يكونوا فقط «مصريين» فكسبوا معركتهم».