د. محمد حسن غانم أستاذ علم النفس بجامعة حلوان:المصرى أبو الشهامة.. والمدن الجديدة علاج نفسى | حوار

د. محمد حسن غانم أثناء حواره مع محررة «الأخبار»
د. محمد حسن غانم أثناء حواره مع محررة «الأخبار»

اختار أن يكون لقب الأديب مقدما على الطبيب النفسي، ويرى أن الأديب يعرف عمق الذات البشرية أكثر من الطبيب والأكاديمي؛ لأنه يدرس سراديب النفس الإنسانية ودواخلها؛ كما أسهمت نشأته فى المجتمع الريفى المفتوح فى توسيع مداركه، وإثراء خياله بحكايات وتجارب الكبار، إضافة إلى أن حفظه للقرآن الكريم فى كتاب القرية ساعده فى إجادة القراءة والكتابة التى أهلته وهو فى الصف الرابع الابتدائى أن يقرأ عصر كل يوم جريدتى الأخبار والأهرام لجارهم الأمى فكانت مقالات كبار الأدباء والكتاب تثرى شغفه للقراءة.. إنه د. محمد حسن غانم، أستاذ علم النفس بجامعة حلوان، والروائى والكاتب الذى قدم للمكتبة العربية 200 مؤلف، أبرزها الكتب التى حرص فيها أن يتناول بإسهاب تحليل الأمراض النفسية للشخصية المصرية المعاصرة وكيفية علاجها.. أما عن التفاصيل فهى من خلال السطور التالية لنص الحوار:

بداية ولأن مجال علم النفس مرتبط بالتنمية.. كيف تقرأ مؤشر الصحة النفسية عالمياً ومحلياً؟
علم النفس مهم وله أفرع كثيرة منها:علم النفس الصناعى الذى يهتم بتصميم السكن والشارع والمصنع وكل ما يتعامل معه الإنسان من منشآت حيوية تساعده على أن يعيش فى صحة نفسية جيدة يصل إلى قمته فى الغرب، ولكن لظروف معينة فى الدول النامية عموماً لا يوجد من يهتم بمثل هذه القضايا.

وقد كانت لنا تجربة فى عصر سابق عندما تراخت الدولة مما سمح للناس أن يأتوا إلى أماكن ويخططوها ويبنوها بأنفسهم، فرأينا شوارع عرضها متر ومبانى سكنية متلاصقة إلى حد كبير، وكأن الخصوصية تكاد تكون غير موجودة. لكن عندما أرادت الدولة التغيير بدأت فى بناء التجمعات السكنية الجديدة وقد حرصت على توظيف العلم فى مثل هذه الأمور، بالإضافة إلى أنه فى الفترة الأخيرة اهتمت الدولة بقضية العشوائيات وقرار إزالتها معناه أن الدولة تهتم بإنسانية المواطن الذى من حقه أن ينعم بالاحترام فى بلده، مما يترتب عليه الشعور بالانتماء والولاء وحب الوطن إذ ينعكس ذلك على زيادة الإنتاج، وبالتالى ستصبح الصورة إيجابية فتقل المشاحنات وتنخفض معدلات الجريمة، وكذلك استهلاك المخدرات؛ ويجب على الدولة أن تهتم بالتنمية العمرانية فى جميع المنشآت وما تم تغافله لأسباب مختلفة عبر العصور الماضية يجب أن تتعامل معه وهى تنظر إلى الناس بنظرة جديدة مما سينعكس ذلك إيجابياً على صحة المواطن.

اقرأ أيضًا | «الضاد» والذكاء الاصطناعى الاندماج الصعب! ..مقررات جديدة بأقسام اللغة العربية لتوظيف التطبيقات التكنولوجية

فى عالم تحكمه التكنولوجيا فى جميع مناحى الحياة.. كيف ترى تأثيرها على الصحة النفسية؟ 
من خلال عملى فى العلاج النفسى فوجئت أن آباء كثيرين يأتون بأبنائهم للعلاج من إدمان الإنترنت وإدمان المواقع الإباحية. أغلب الأسر المصرية إذا تجمعت فى مكان واحد بالمنزل نجد أن كل فرد فيها عينه على شاشة المحمول الذى بيده، وبالتالى لا يوجد حوار يتقاسمه الجميع.

الخطأ هنا بالدرجة الأولى يقع على الآباء المنشغلين عن الجلوس مع أبنائهم لمعرفة أخبارهم ومشاكلهم، مما يترتب عليه أن الأولاد يستقون معلوماتهم من أصحابهم الذين يمرون بنفس المشكلة وتكون النتيجة أنهم يتبادلون جميعاً المعلومات الخاطئة ويوجهون بعضهم البعض إلى مواقع محتواها سيئ لتبدأ سلسلة الانحرافات التى تنتهى بالإدمان وأحياناً كثيرة بارتكاب جريمة.. نحن نعانى من غياب الوعى وبما أن التكنولوجيا تتطور وحكمنا عليها من خلال حجمها إذن نحن سنعيش نلهث ونركض دون أن نعرف المعنى الحقيقى لها.



إدمان الإنترنت
إذن كيف يمكن تعظيم مزايا التكنولوجيا والحد من آثارها السلبية؟
لا بد من تنظيم دورات تدريبية بالمدارس ومراكز الشباب يحاضر فيها أطباء علم النفس وعلم الاجتماع وخبراء فى مجال التكنولوجيا لتوضيح أن الهدف من خلق التكنولوجيا ليس من أجل مشاهدة الأفلام، وسماع الأغاني، وتبادل السب والشتم بين الناس بعضها البعض، وصناعة الترند، والتجسس على عيوب الآخرين وتصويرهم لابتزازهم، لا بد وأن يكون هناك ضوابط. أمر آخر وهو كيفية استخدام المحمول بدون أن يتحول المستخدم إلى مدمن لذلك أنشأ الغرب مراكز لعلاج مدمنى الإنترنت لأنهم توصلوا إلى أن أضرار الإنترنت قد تفوق إدمان المخدرات، لأن مدمن الإنترنت ينعزل ويعيش فى عالم افتراضي، أما إذا انقطع التيار الكهربائى أو فقد الاتصال بالإنترنت يشعر بحالة من الغضب وتنتابه ثورة انفعالية غير مبررة، كما يضطرب لديه النوم، بالإضافة أنه ليست لديه حياة اجتماعية، وغير قادر على المشاركة فى الجوانب الاجتماعية الخاصة بالأسرة وينتهى به الحال أحياناً إلى الدخول فى حالة هذيان أو يصاب بالجنون والفصام. 

صناعة الترند
مؤخراً ظهرت مصطلحات ذات ارتباط وثيق بالتكنولوجيا والإنترنت مثل صناعة الترند «والدارك ويب».. كيف ترى تأثيرها على مجتمعنا؟
صناعة الترند نتيجة تفاعل الآخرين مع شيء تم تحميله على الإنترنت وحقق رقما تفاعليا، إذن الترند مثل المسرح عندما يصعد الممثل على المسرح يظهر تأثيره على الناس من خلال تصفيقهم له وتجاوبهم معه، لكن الخطير أن هناك من يوظف هذا الأمر بشكل خاطئ، مثل: سيدة المعصرة التى حكم عليها بالسجن، هى كانت تقدم محتوى عبارة عن روتين المنزل وكلما ظهرت بملابس ضيقة كانت تحقق نسبة مشاهدات أكبر، فاقترح عليها زوجها أن يتماديا «لإشعال الترند»، والنتيجة أن الاثنين اختارا تقديم محتوى مبتذل تخليا فيه عن الأخلاق والقيم والمبادئ فى سبيل الحصول على «دولارات». «فالترند» يؤدى إلى انهيار القيم والمبادئ والأخلاق ومنها إلى تفكك وانحلال المجتمع وأحياناً إلى الجريمة، بالإضافة إلى أن الشاب الذى يريد أن يتزوج عندما يرى محتوى مبتذلا ولا أخلاقيا كهذا فهو يعزف عن الزواج.

الدكتور «روبوت»!
هل تتوقع أن الذكاء الاصطناعى قد يؤثر سلباً على مجال الطب النفسي، خاصة أن البعض يرى أن التحدث لـ «روبوت» أقل إحراجاً من التحدث إلى الطبيب النفسي؟
سبب الشعور بالإحراج أن الذهاب إلى الطبيب النفسى محاط بهالة من الخطأ والعدوان، بمعنى أن صورة الطبيب النفسى التى تقدم فى الأعمال الدرامية بعضها أظهرت شخصية الطبيب النفسى على أنه مريض نفسى أو مجنون، كما ظهر فى أفلام أخرى، نعم المحتوى الدرامى كان «فانتازيا»، ولكنه ترك أثرا سلبيا لدى المشاهد.

لماذا لا نرى تأثيراً كبيراً على سلوكيات الشخصية المصرية بعد كل الأحداث التى تمر بها المنطقة؟
المصرى عبر العصور المختلفة كان مهتمًّا بأهله وجيرانه وبلده، أى بالمحيط الخاص به وكذلك المحيط العربى والإسلامى بل والعالمى أيضاً، ولكن نتيجة سياسات متعاقبة واحتلال بدأ منذ فجر التاريخ حتى 1956 مع رحيل آخر جندى بريطانى من قناة السويس، كل هذه الأنظمة الأجنبية حافظت على شيء واحد فقط أن ينكفئ المصرى حول ذاته، وبالتالى جراء السياسة العقابية لم يعد المصرى يهتم بالآخر؛ الشهامة و»الجدعنة» موجودة داخل وجدان المصري، ولكنه حريص على أن يقتلها بداخله خوفاً على نفسه من أن يتورط.