يوميات الاخبار

غياب العدالة.. وغيبة الضمير الإنسانى

محمد بركات
محمد بركات

«لقد كان واضحًا وجليًا.. أن العجز الدولى عن التحرك لوقف المذابح وتوقف الحرب ووضع نهاية لحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطينى.. لم يتم مصادفة بل بفعل فاعل».

بكثير من الألم الممتزج بقدر كبير من الغضب والإدانة، نشاهد ونتابع الآن ومنذ فترة ليست بالقليلة، التفاعلات والتطورات الجارية على الساحة الدولية فى عمومها، وما يتصل منها بالمنطقة العربية والقضية الفلسطينية فى خصوصها، وما يرتبط منها بما يجرى ويحدث فى غزة على وجه الخصوص، فى ظل حرب الإبادة اللاإنسانية التى تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطينى طوال الثمانية شهور الماضية وحتى الآن.

ونحن لا نتعدى الواقع إذا ما قلنا، إن أكثر ما يثير الألم والغضب، هو ذلك الانكشاف المخزى لغياب التحرك الإيجابى والفاعل للمجتمع الدولى، وغيبة اليقظة الواجبة للضمير الدولى، فى التصدى بقوة وصلابة للمذابح ولجرائم الإبادة الجماعية، التى ترتكبها قوات الاحتلال الصهيونى العنصرية والإرهابية، ضد النساء والأطفال والشيوخ أبناء الشعب الفلسطينى الأعزل،..، والتى راح ضحيتها حتى الآن ما يزيد عن السبعة والثلاثين ألف شهيد والمائة ألف مصاب.
غيبة الضمير

وإذا ما أردنا وصفًا وتسجيلًا حقيقيًا لما يجرى الآن وطوال الشهور الثمانية الماضية فى غزة، فلابد أن نقول إنها حرب إبادة معلنة وواضحة فى ظل العدوان الهمجى واللاإنسانى، الذى تقوم به القوة الغاشمة لجيش الاحتلال الصهيونى على الشعب الفلسطينى فى القطاع بكل أطفاله ونسائه وشيوخه ومواطنيه جميعًا.
وما جرى ويجرى مثال فج على الجرائم الإرهابية البشعة لمجرمى الحرب، فى غيبة كاملة للضمير الإنسانى وغياب كامل ليقظة المجتمع الدولى، وحقوق الإنسان وفى مقدمتها الحق فى الحياة.

ما جرى ويجرى فى غزة ورفح هو هجوم كاسح وإرهابى للقوة الباطشة العمياء لجيش الإرهاب والإبادة الجماعية،..، وهو تطبيق فاجر لغياب العدالة وسيطرة لغة العدوان والقهر والإرهاب،..، كما أنه فى نفس الوقت دليل فج وواضح على الخلل الجسيم فى المعايير الدولية، التى أصبحت للأسف غائبة عن العدالة فى كل المواقف والأحداث والوقائع الدولية.

وهكذا.. وفى ظل العجز الدولى عن التحرك الفاعل والموقف السلبى لمجلس الأمن الدولى، وفشله المتكرر فى اتخاذ قرار ملزم بوقف إطلاق النار وتوقف الحرب على غزة،..، استمرت الجرائم الوحشية الإسرائيلية ترتكب ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، دون رادع أو مانع ودون تحرك إيجابى من المجتمع الدولى، والقوة الكبرى على وجه الخصوص.

ليس مصادفة

وكان واضحا وجليا أن العجز الدولى عن التحرك لوقف المذابح وتوقف الحرب ووضع نهاية لجرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، لم يتم مصادفة بل جرى بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد، نتيجة التدخل المباشر والمخزى من الولايات المتحدة الأمريكية، التى رفضت اتخاذ قرار من مجلس الأمن بوقف القتال، وعطلت مجلس الأمن عن القيام بدوره فى حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وفى ظل ذلك بات واضحا لكل من يتابع المأساة الدموية الجارية فى غزة ورفح، بأنه من الخطأ أن يتصور البعض أن الولايات المتحدة الأمريكية مجرد داعم أو مساند لإسرائيل فى عدوانها الوحشى على الفلسطينيين،..، حيث بات واضحا ومؤكدا أن الدور الأمريكى لم يتوقف عند ذلك، بل هو فى الحقيقة كان ولايزال مشاركا مشاركة فعلية وعملية فى العدوان الإسرائيلى، بكل مراحله وتطوراته طوال الثمانية شهور الماضية وحتى الآن.

وفى هذا لابد أن نقول بكل الوضوح، إنه لا مبالغة فى القول على الإطلاق.. بأن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة القول الفصل فى الشأن الإسرائيلى، وبالتالى فى توقف أو استمرار إسرائيل فى عدوانها الوحشى واللاإنسانى على غزة،..، وأنها بحكم الواقع والحقيقة تستطيع لو أرادت بصدق وجدية وقف المذابح والمجازر الإسرائيلية، الدائرة والمستمرة دون توقف ودون رادع طوال الثمانية شهور الماضية منذ السابع من أكتوبر الماضى وحتى الآن.

المسئولية الأمريكية

وكل ذلك يدفعنا بالتأكيد إلى عدم تصديق الولايات المتحدة الأمريكية، عندما نقول ونكرر بأنها ضد المذابح وضد جرائم الحرب وضد الإبادة الجماعية وضد التصفية العرقية والإرهاب الإسرائيلى،...، لأنها ببساطة لا تفعل شيئًا من ذلك على أرض الواقع.

وكل ذلك يدفعنا للقول بضرورة مواصلة التحرك العربى مع كل الدول المحبة للسلام، والمؤيدة للحق الفلسطينى وقضية الشعب الفلسطينى العادلة، وحقه المشروع فى تقرير المصير وحقه فى العيش فى أمن وسلام داخل دولته المستقلة،..، وممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية بكل السبل والوسائل الممكنة والمتاحة، وخاصة بلغة المصالح الاقتصادية والسياسية لدفعها لاتخاذ موقف عادل تجاه القضية الفلسطينية.

التعليم.. والتعليم

بمناسبة الوزارة الجديدة والتكليفات والمهام المكلفة بها،...، لعلنا لا نأتى بجديد إذا ما قلنا.. إن الملمح الرئيسى للمسيرة الوطنية المصرية فى المرحلة الجديدة، التى نخوضها الآن، هو الانطلاق المتسارع والجاد والمدروس على طريق الإصلاح الشامل على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

هذا يعنى فى أساسه وجوهره ومفهومه، النهوض الشامل بجميع مقومات ومجالات الحياة الإنسانية للمواطن المصرى، والتى تضم فى محتواها كل النواحى والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وأيضا الصحية،..، بحيث لا نتوقف على الإطلاق عند حدود معالجة الأزمة الاقتصادية التى أحاطت بنا فى ظل التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة.

وفى هذا الإطار يجب الإدراك بوعى بأن هذه النهضة الشاملة وذلك الإصلاح الشامل، لا يمكن أن تقوم له قائمة أو يستقر له حال دون إصلاح حقيقى وفاعل لمنظومة التعليم، التى وصلت بالفعل إلى حال بائس ودرجة خطيرة من التدهور، وكانت دون شك السبب الرئيسى فيما لحق بنا من تخلف فى نواحٍ عديدة من سبل التقدم والنماء.

ومادمنا نؤمن بالحقيقة التى تؤكد أن التعليم هو الأساس الذى تقوم عليه نهضة الدول وتقدم الأمم، وترقى على أساسه كل الشعوب وتبنى عليه كل الحضارات، فقد آن الآوان أن نبدأ بالفعل فى الخطوات الإيجابية للانطلاق على هذا الطريق.

وأحسب أننى لا أذيع سرًا إذا ما قلت إن هذه القضية، هى الطريق الصحيح لبناء الإنسان فى كل مكان وزمان، وفى كل الدول والشعوب،..، وفى مصر أيضا بالتأكيد،..، ولكننا للأسف تأخرنا فى السير فيه بجدية طوال ما يزيد عن نصف قرن من الزمان، فكان ما كان من تدهور عام وتخلف فى مجالات عديدة،..، لذلك نحمد الله على أننا قد تنبهنا لذلك .