في حرب غزة.. وقف إطلاق النار الدائم «ممنوع» والمُستدام «كسر هوة الخلاف»

لحظة تبني مجلس الأمن الدولي مشروع قرار وقف إطلاق النار المستدام في غزة
لحظة تبني مجلس الأمن الدولي مشروع قرار وقف إطلاق النار المستدام في غزة

ما بين "الدائم" و"المُستدام"، كما بين السماوات والأرض، وهو ما تمثل واضحًا في قرار مجلس الأمن الدولي الأخير حول الحرب على غزة، والذي يكشف عن الفرق الشاسع والهوة الكبيرة بين وقف الحرب بصفة دائمة على القطاع وإنهاء معاناة الفلسطينيين، وبين وقفها على استحياء لفترات.

ولكن ما الفرق بين كلمة "الدائم والمستدام" في قرارات مجلس الأمن بصفة عامة؟، ولماذا استخدمت لفظ مستدام في قرارها حول الحرب على غزة ولم تستخدم كلمة دائم؟

واعتمد مجلس الأمن أمس الاثنين القرار الذي تقدمت بمشروعه الولايات المتحدة الأمريكية، بوقف إطلاق النار بشكل "مستدام" بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، والذي يسعى في النهاية إلى تحقيق 3 مراحل تبدأ بوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين وصولًا إلى خطة كبرى متعددة السنوات لإعادة إعمار غزة.

كسر الهوة بـ "القرار المستدام"

إقرأ أيضا| مجموعة السبع تعلن موقفها من مقترح بايدن لوقف القتال في غزة

 

وفقاً لعدد من المراكز الاستراتيجية، يُقصد بوقف القتال المُستدام التوصل لاتفاق بين الأطراف المتنازعة، بهدف خفض مستوى العنف بشكل كبير ومؤقت، دون أن يكون هناك التزام دائم بعدم استئناف الأعمال العدائية في المستقبل. 

وعادة ما تكون هذه الاتفاقات قصيرة الأجل وتهدف إلى توفير هدنة مؤقتة لفترات زمنية محددة قد تتراوح من أيام إلى أشهر،  لتخفيف المعاناة عن المدنيين، وهو ما أشار إليه ضياء نوح، الباحث في مركز رع للدراسات الاستراتيجية، والذي أكد أن استدامة وقف إطلاق النار بين الطرفين في هذا القرار مرتبط بتنفيذ الاتفاق في مراحله المختلفة، والتي لم تكتمل تفاصيله بعد، مشيرًا إلى أنه مع افتراض حسن النية، فإن المقصود بـ "الاستدامة" هنا هو كسر الهوة بين مطالب حماس وتعنت إسرائيل.

وأشار نوح إلى أن الفصائل الفلسطينية تريد وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، دون شروط سياسية مرتبطة بمستقبل إدارة القطاع من جهة، بينما يريد الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ الهدفين المعلنين والمتمثلان في القضاء على القدرة العسكرية لحماس واستعادة المحتجزين.

ويسعى قرار وقف إطلاق النار المستدام في الأساس إلى تخفيف المعاناة الإنسانية الفورية ومعالجة الأمور الطارئة مثل توفير الغذاء والدواء، وإعادة بناء بعض البنية التحتية الأساسية، وغالبًا ما يتطلب مراقبة أو وساطة من جهات دولية أو إقليمية لضمان الالتزام بالاتفاق.

الوقف الدائم ممنوع بسبب بالفيتو والتعنت

إقرأ أيضًا| في ذكرى النكبة| اعتراف العالم بفلسطين يزداد رغم أنف الـ«فيتو» الأمريكي

خلال الفترة الماضية، وقف الفيتو الأمريكي حائلاً أمام تبني مجلس الأمن الدولي أي قرار من شأنه أن يفرض وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، بواسطة الفيتو، ولم يكد أول قرار تبناه مجلس الأمن الدولي حول الوضع في غزة لينجو من الفيتو الأمريكي لولا تغير كلمة واحدة.

رعاة القرار الأول في مارس الماضي سعوا إلى إدراج عبارة تعني وقف إطلاق نار دائم في الحرب على غزة، وبحسب موقع آر تي، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية هذا المصطلح مما دفعهم لاستبداله بعبارة وقف إطلاق النار الدائم غير المطلق، وبذلك لم تلجأ الولايات المتحدة إلى الفيتو.

ويهدف وقف النار الدائم إلى اتفاق طويل الأمد بين الأطراف المتنازعة، يتطلب معه إنهاء الأعمال العدائية بشكل نهائي، ويتضمن التزامات واضحة ومحددة من الأطراف المتنازعة بعدم استئناف القتال، وفي تلك الحالة يرى الباحث ضياء نوح أن مطالب إسرائيل تعارض أي قرار من هذا النوع.

 

سلطة مدنية وعمليات خاطفة

إقرأ أيضا| فيتو ضد وقف القتال بالتزامن مع مساعي التهدئة| مراوغات أمريكية غامضة في ملف غزة

 

وأكد الباحث الاستراتيجي أن الاشتراط المسبق بوقف الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة، لا يسيران مع المخطط الإسرائيلي، وترغب بدلًا من ذلك في تدشين سلطة مدنية فلسطينية تُعنى بإدارة الشئون اليومية للفلسطينيين وتتعاون مع سلطات الاحتلال في ملاحقة عناصر المقاومة الفلسطينية وتسمح لقواته بتنفيذ عمليات خاطفة داخل القطاع عند الضرورة.

ويرى نوح أن الواقع يقول أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تستغل التوافق المبدئي على وقف إطلاق النار في إطار المقترح المعروض على الطاولة لإرغام الفصائل الفلسطينية على وقف إطلاق النار والانخراط في مفاوضات لإلقاء السلاح والتخلي عن إدارة القطاع وهو ما ترفضه الفصائل الفلسطينية باعتبارها هزيمة وإعلان استسلام

أمثلة وتحديات

إقرأ أيضا| إدراج إسرائيل بالقائمة السوداء اعتراف أممي بسجلها الإجرامي

في النزاع العربي- الإسرائيلي، شهدت غزة عدة اتفاقات لوقف القتال المستدام، مثل تلك التي توسطت فيها مصر في أعقاب التصعيدات العسكرية.. هذه الاتفاقات غالبًا ما تفشل في تحقيق سلام دائم بسبب عدم معالجة القضايا الجوهرية مثل حصار غزة، الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين، والاعتراف المتبادل بين الأطراف.

 في المقابل، تحقيق وقف النار الدائم يتطلب مفاوضات معقدة وشاقة تتناول جميع القضايا العالقة، وتضمن حقوق وحاجات جميع الأطراف المعنية، وحتى الآن، لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل من هذا النوع بين إسرائيل والفلسطينيين.

في الأخير، بينما يمثل وقف القتال المستدام خطوة مهمة نحو تخفيف المعاناة الفورية، يبقى وقف النار الدائم الحل الأمثل لتحقيق سلام واستقرار دائمين في غزة، لكن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب التزامًا حقيقيًا من جميع الأطراف، وجهودًا دبلوماسية مكثفة، ودعمًا من المجتمع الدولي لضمان تنفيذ الاتفاقات، وحل القضايا الجوهرية التي تغذي الصراع