الجنائية الدولية فى انتظار عقوبات مجلس النواب الأمريكى

مجلس النواب الأمريكى
مجلس النواب الأمريكى

مازال دعم المشرعين الأمريكيين متواصلاً لإسرائيل، فبعد أيام من طلب الادعاء فى المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب فى غزة، أقر مجلس النواب فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية رغم معارضة البيت الأبيض لفرض عقوبات من هذا النوع.

حظى مشروع العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية فى الكونجرس بدعم 247 عضوًا مقابل 155 معارضًا فى مجلس النواب، بعد تحدى 42 نائبًا ديمقراطيًا الرئيس الأمريكى جو بايدن وصوتوا لصالح فرض العقوبات التى دعمها كل الجمهوريين فى المجلس.

اقرأ أيضًا| «وشهد شاهد من أهلها» .. إسرائيليون ضد العدوان على غزة

ينص مشروع القانون، على أنه يحق للرئيس الأمريكى فرض عقوبات على المحكمة فى فترة لا تتخطى الـ60 يومًا من إقراره فى حال سعت المحكمة إلى التحقيق أو اعتقال أو محاكمة أى شخص يتمتع بحماية الولايات المتحدة. ويشمل الأشخاص المحميين، مسئولين وعناصر عسكرية فى بعض البلدان الحليفة.

العقوبات المطروحة تضم مسئولين فى المحكمة الجنائية الدولية وعائلاتهم من دون تحديد أى أسماء، وتتضمن رفض تأشيرات دخول للولايات المتحدة، وإلغاء أى تأشيرات صادرة، بالإضافة إلى تجميد أى أصول يملكونها فى البلاد. لكن التشريع لا يزال يحتاج إلى مصادقة مجلس الشيوخ وكذلك بايدن ليصبح قانونًا.

صُدمت الولايات المتحدة من قرار المحكمة الجنائية الدولية الساعى لمحاكمة قادة إسرائيل، التى تجمعها علاقات خاصة بواشنطن، حيث تعد هذه هى المرة الأولى التى تسعى فيها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة حليف لأمريكا.. ورغم رفض الولايات المتحدة وإسرائيل الانضمام للمحكمة، فإن واشنطن دعمت جهود الجنائية الدولية فى حالات انتهاكات سابقة متعلقة بصربيا وروسيا والسودان وغيرها، لكنها بالمقابل وبازدواجيتها المعهودة للمعايير عارضت باستمرار تمكين محكمة دولية محاكمة القادة العسكريين والسياسيين الأمريكيين بموجب القانون الدولى.

وقد رفضت النخبة الأمريكية فى مجملها موقف المدعى العام الرئيسى للمحكمة -بريطانى الجنسية- كريم خان، وانتقد بايدن وكبار أركان إدارته موقف المحكمة الجنائية الدولية.

تعهد السيناتور الجمهورى من ولاية كارولينا الجنوبية ليندسى جراهام أنه «سيعمل بشكل محموم مع زملائه من كلا الجانبين فى كلا المجلسين لفرض عقوبات دامغة ضد المحكمة الجنائية الدولية».. وببجاحة هب المشرعون للإعراب عن غضبهم مما وصفوه بـ «انحياز» المحكمة، وعملوا جاهدين لسن عقوبات يتوافق عليها الديمقراطيون والجمهوريون، لكن معارضة البيت الأبيض وعدم دعمه لفكرة العقوبات عرقلت هذه المساعى، وكلفت الجمهوريين أصواتًا ديمقراطية حالت دون إظهار وحدة الصف التى أرادها رئيس مجلس النواب مايك جونسون فى هذا الملف.. ورغم إقرار العقوبات فى مجلس النواب الذى يتمتع فيه الجمهوريون بالأغلبية، فإن حظوظه بالإقرار فى مجلس الشيوخ بأغلبيته الديمقراطية شبه معدومة. لكن جونسون يرى أن خطوة مجلس النواب ضرورية «لإرسال رسالة واضحة» للمحكمة الجنائية الدولية.

من جانبه، يخشى ريتشارد جولدبرج، الباحث فى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمسئول السابق فى مجلس الأمن القومى، إدارة بايدن من خطورة خطوة المحكمة ضد قادة إسرائيل، ونبه إلى أن واشنطن قد تكون الهدف التالى للمحكمة، فقد تواجه تحقيقاً نشطاً للمحكمة الجنائية الدولية فى جرائم حرب فى أفغانستان، واعتبر أن الدفاع عن إسرائيل ضد خطوة المحكمة الجنائية الدولية الآن سيساعد فى حماية الجنود الأمريكيين والمسئولين الحكوميين فى المستقبل.

فى المقابل، ومع إقرار المشروع، حذر الديمقراطيون المعارضون من تفاصيله، فأشار كبير الديمقراطيين فى لجنة الشئون الخارجية فى النواب جريجورى ميكس إلى أن بنوده ستؤدى إلى فرض عقوبات على حلفاء الولايات المتحدة الموقعين على «نظام روما الأساسى» الذى تم تأسيس المحكمة بموجبه فى عام 2002. فقد يؤدى «المشروع» إلى فرض عقوبات على حلفاء أمريكا فى بريطانيا وإيطاليا وألمانيا واليابان، كما سوف يؤدى إلى فرض عقوبات على بعض الشركات الأمريكية التى تزود المحكمة ببعض البرامج والتقنيات فهو مشروع واسع النطاق من شأنه أن يشكل خطراً على أمريكا نفسها. وفى محاولة للتغلب على تلك النقطة، دعا بعض الديمقراطيين إلى تحديد أطر للمشروع ليشمل عقوبات موجهة على أفراد معينين.

لم تقتصر المعارضة على بنود المشروع فحسب، فهناك بعض الديمقراطيين الذين رفضوا التصويت لصالح العقوبات بسبب معارضتهم لممارسات نتنياهو، مثل النائبة الديمقراطية ديليا راميريز التى شددت على أهمية المحكمة الجنائية الدولية، بسبب سقوط الآلاف من الضحايا فى 241 يومًا بسبب فظائع لا يمكن تصورها. ورأت ان انتهاكات نتنياهو للقوانين الدولية تهدد السلام فى العالم، فهى مصممة على وضع حد لإفلات المسئولين عن هذه الجرائم من العقاب.

يأتى هذا فيما ينتظر المشرعون حضور نتنياهو أمام الكونجرس لإلقاء خطاب مرتقب بعد دعوة من رئيس مجلس النواب، فى حدث سوف يسلط الضوء على الانقسامات الديمقراطية حيال الموقف تجاه إسرائيل مع رفض بعض الديمقراطيين حضور الخطاب.

يرى سايمون تيسدال الكاتب فى صحيفة الجارديان البريطانية أن عزلة إسرائيل الدولية -التى أثارها الاشمئزاز من القتل غير القانونى والمفرط للمدنيين الفلسطينيين فى غزة- ستتعمق بعد الاتهامات الجديدة والمفصلة والموثوقة بأن كبار السياسيين ووكالات الاستخبارات تآمروا للتجسس على عمل ومسئولى المحكمة الجنائية الدولية وتقويضهم والتأثير عليهم «بشكل غير لائق» وتهديدهم.. ولفت الكاتب إلى أن الاتهامات الموجهة لنتنياهو هى نتاج تحقيق مشترك، وأشار إلى تزايد الضغوط من جانب المحكمة الجنائية الدولية التى أمرت إسرائيل بوقف هجماتها على رفح، والسماح بإمدادات المساعدات غير المقيدة، وفتح غزة أمام التحقيقات التى تقودها الأمم المتحدة.. ويرى تيسدال أنه من خلال مهاجمة الجنائية الدولية يكون رئيس الوزراء الإسرائيلى قد خلط مرة أخرى بين مصالحه الشخصية ومصالح إسرائيل من خلال الادعاء بأن المحكمة تشكل خطرًا على البلد بأكمله.

وانتهى إلى أن المسئولية الآن تقع على عاتق نتنياهو ورفاقه لإظهار بعض الاحترام للرأى العام الدولى واللياقة العامة من خلال رد مفصل على هذه الاتهامات المبنية على أسس متينة بشأن الثأر الإسرائيلى الذى دام عقدًا من الزمن تقريبًا ضد المحكمة الجنائية الدولية.. وفى سياق متصل بالصحيفة نفسها، قال خبراء قانونيون إن الجهود التى تبذلها وكالات المخابرات الإسرائيلية لتقويض المحكمة الجنائية الدولية والتأثير عليها قد ترقى إلى «جرائم ضد إقامة العدل»، ويجب أن يحقق فيها المدعى العام للمحكمة».

من جانبه يرى الكاتب الفرنسى البارز باسكال بونيفاس أن مطالبة المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصدار مذكرة دولية باعتقال نتنياهو وجالانت، كرّست مصداقية المحكمة الدولية. وأضاف، فى مقال له بصحيفة لاكروا الفرنسية، أن إنشاء الجنائية الدولية كان خطوة أساسية لتفادى «عدالة المنتصرين»، وبالمقابل ترسيخ عدالة عالمية تُفرض على الجميع من دون استثناء.

وتابع الكاتب مشيرًا إلى أن القضايا التى وصلت إلى الجنائية الدولية اقتصرت سابقًا على أسماء وشخصيات من خارج المنظومة الغربية، ولم تطل أى قائد لدولة غربية، أو لدولة مرتبطة بالغرب ارتباطا وثيقا.. ويزيد الكاتب الفرنسى أنه مع هذا الإعلان بات واضحًا أنه لا حصانة لحلفاء القوى الغربية، أو حتى لقادة الدول الغربية أنفسهم.

وعبّر عن أمله أن تدفع الخطوة التى أقدم عليها المدعى العام للجنائية الدولية كل قادة العالم للتفكير جيدًا قبل اتخاذ أى قرارات من شأنها أن تقودهم إلى ردهات هذه المحكمة. وبحسب بونيفاس، فإن قرار الجنائية الدولية لن يكون له أثر فورى سواء على قادة إسرائيل أو قادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، لكنها صفحة جديدة تفتح فى تاريخ القانون الدولى والعدالة العالمية.