احتفالات نورماندي.. بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم!

الرئيس الفرنسى ماكرون ونظيره الأوكرانى زيلينسكى
الرئيس الفرنسى ماكرون ونظيره الأوكرانى زيلينسكى

من بين سطور الإعلان الصادر عن قصر الرئاسة الفرنسية، الاليزيه، بشأن المدعوين للاحتفال بالذكرى الثمانين على إنزال قوات الحلفاء على شواطئ نورماندى عام 1944 فى خضم المعركة ضد ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية، يمكن أن نقرأ: «ارتأينا فى نهاية المطاف عدم دعوة روسيا بسبب حربها العدوانية على أوكرانيا، والتى ازدادت حدتها فى الأسابيع الأخيرة». غير أنه تمت دعوة الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى، وكذلك حوالى عشرين رئيس دولة وحكومة من الدول الحليفة فى الماضى والحاضر، وكان على رأسهم الأمريكى جو بايدن، والمستشار الألمانى أولاف شولتز، ورئيس الوزراء الكندى جاستن ترودو. وأشارت الرئاسة الفرنسية إلى أن «الشروط غير مستوفاة لحضور وفد روسى».

وفى إبريل الماضى، كانت فرنسا قد أعلنت الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بالفعل شخصًا غير مرغوب فيه، لكن باريس أشارت بعد ذلك إلى أنه ستتم دعوة روسيا، على مستوى أدنى، اعترافًا منها بمساهمة الاتحاد السوفييتى على الجبهة الشرقية، فى تحقيق النصر على النازية: «لطالما أشدنا بعمل الجيش الأحمر، ومساهمته الحاسمة فى النصر النهائى على ألمانيا تحت زعامة أدولف هتلر، ولطالما اعترفنا بالثمن الباهظ الذى دفعه الاتحاد السوفييتى». فيما ترى روسيا أن مساهمة الاتحاد السوفييتى وتضحياته التى تصل لـ 27 مليون قتيل، تتضاءل إلى جوارها أى مساهمة للحلفاء فى تحرير أوروبا من الاحتلال النازى عام 1945.

اقرأ أيضاً | نجاح كبير لأول قمة إفريقية كورية.. وتوافق على تعزيز التعاون الاقتصادى

وإذا كانت الاحتفالات رقم 80 قد خلت من أى وجود روسى فإن سيد الكرملين قد حضر الاحتفالات رقم ستين عام 2004 إلى جانب جاك شيراك، وكذلك احتفالات الذكرى السبعين عام 2014 بدعوة من الرئيس الفرنسى آنذاك فرانسوا أولاند، رغم أن روسيا كانت قد ضمت بقوة السلاح شبه جزيرة القرم قبل ثلاثة أشهر من إقامة الاحتفالات. وكان أولاند والمستشارة الألمانية فى ذلك الوقت، أنجيلا ميركل، قد جعلا زيارة الزعيم الروسى مشروطة بعقد اجتماع مع الرئيس الأوكرانى آنذاك بيترو بوروشينكو. ولم يكن سيد الكرملين قد تعرف بعد على بوروشينكو الذى كان قد تم انتخابه للتو فى أعقاب ثورة «ميدان» المؤيدة لأوروبا، وما أعقبها من سقوط الرئيس الموالى لروسيا فيكتور يانوكوفيتش. وكان انفصاليو دونباس، بمساعدة القوات الروسية، يقاتلون بالفعل فى شرق أوكرانيا. وأدى الحفل بعد ذلك إلى لقاء جانبى بين بوتين وبوروشينكو وإلى إطلاق مفاوضات، ضمت ألمانيا وفرنسا، وسُميت بصيغة «نورماندى» لمحاولة وضع حد للصراع الذى أثاره الانفصاليون الموالون لروسيا فى شرق أوكرانيا، إلا أن كل هذا ومعه اتفاقيات مينسك الموقعة لاحقًا لم يكن كافيًا لمنع غزو روسى واسع النطاق لأوكرانيا فى 24 فبراير 2022.

أما البيت الأبيض فيرى زيارة بايدن لفرنسا فى هذا الحدث باعتبارها لقاء مرحبًا به بين التاريخ والحاضر، وبعبارة أخرى بين قصة الإنزال التى تركز على التزام المجندين الأمريكيين ودروهم فى نورماندى والنضال المعاصر ضد الأنظمة الاستبدادية. إلا أن جو بايدن كان قد تخلى إلى حد كبير عن هذا النهج الثنائى الذى يجهد دول الجنوب العالمى، خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر2021.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى جون كيربى أكد لصحيفة لوموند الفرنسية أنه «لا يوجد تغيير. لقد كان الرئيس متسقًا جدًا بشأن قوة الديمقراطية وما تعنيه. وهذا لا يعنى، فى مجال السياسة الخارجية، أننا لا ينبغى لنا أن نعمل مع البلدان غير الديمقراطية.

وهذا لن يتغير». وبحسب جون كيربى، يريد جو بايدن الدفاع عن فكرة «نقطة انعطاف فى التاريخ، حيث تريد الأنظمة الاستبدادية السيطرة»، من خلال تحقيق أهداف تتعارض أحيانًا مع المصالح الأمريكية. والإشارة هنا واضحة إلى روسيا.

على الجبهة الدبلوماسية الغربية لا تبدو الأمور على ما يرام، كما يتبين من الجهود المضنية التى يبذلها الأوكرانيون أنفسهم. فبدعم من سويسرا، تنظم كييف «مؤتمر سلام» يومى 15 و16 يونيو الجارى بالقرب من لوسيرن. وسرعان ما أعلنت روسيا أنها لن تشارك فى الاجتماع. وإذا كان إيمانويل ماكرون يعتزم الذهاب إلى المؤتمر، فإن الولايات المتحدة ستمثلها نائبة الرئيس، كامالا هاريس، ويساعدها مستشار الأمن القومى جاك سوليفان. ورفض جو بايدن دعوة الرئيس الأوكرانى.

وقال زيلينسكى فى محاولة لإقناع نظيره الأمريكى بالظهور فى سويسرا: «إن غيابى سيكون بمثابة التصفيق لبوتين». وترى الصين أن خطة السلام الأوكرانية، التى تتطلب أولاً انسحاب القوات الروسية، لن تكون مقنعة لموسكو التى أصبحت الآن فى موقع قوة.

ولأول مرة، انتقد زيلينسكى موقف بكين: «للأسف، تسعى الصين اليوم إلى منع الدول من حضور قمة السلام»، وهى اتهامات سارعت بكين إلى نفيها.

فى تلك الأثناء، ظلت دعوات إيمانويل ماكرون إلى «هدنة أولمبية» بمناسبة دورة الألعاب الأولمبية فى باريس، فى الفترة من 26 يوليو إلى 11 أغسطس، حبرًا على ورق حتى الآن، رغم أن الرئيس الصينى شى جى بينج انضم إليها خلال زيارته الأخيرة لفرنسا فى مايو الماضى. ولا يريد فلاديمير بوتين ولا فولوديمير زيلينسكى وقف القتال.

فروسيا تعتزم تعزيز تفوقها، فى حين لا تريد أوكرانيا التضحية بالأراضى التى خسرتها فى الحرب نحو 18% من أراضيها على مذبح وقف إطلاق النار، فيما أصر ماكرون، موجهًا حديثه لكييف بشكل غير مباشر، خلال زيارة الدولة التى قام بها إلى ألمانيا قبيل احتفالات نورماندى على أن «السلام ليس استسلامًا».