كشف حساب

«كنز مصرى».. فى الخارج

عاطف زيدان
عاطف زيدان

تأهيل وتدريب العمالة قبل تصديرها، وحل مشاكلهم وتقديم التيسيرات لهم، لدعم ارتباطهم بالوطن
 

ثروة بشرية ضخمة، تزهو بها مصر، فى بلدان العالم، تقدرها بعض المصادر بـ ١٤ مليون مصرى، يعدون بحق كنزا ثمينا إذا أحسن استثماره ورعايته وتطويره. إنهم المصريون العاملون بالخارج، من الأطباء والمهندسين والمحاسبين والمعلمين وأصحاب الوظائف الأخرى والحرفيين والتجار. ويتركز معظم هؤلاء، فى دول الخليج العربى، بينما يتواجد الباقى فى بعض دول أوروبا، خاصة إيطاليا وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا. أما عن وصفى لهم بالكنز، فيكفى الإشارة إلى ما تمثله هذه الفئة الغالية، من قيمة اقتصادية وسياسية وثقافية كبيرة للدولة المصرية.

فقد وصلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج مثلا، فى الفترة من ٢٠١٣/ ٢٠١٤ وحتى ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ وفق تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 219.4 مليار دولار، وبلغت فى عام ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ وحده ٣١.٩ مليار دولار، أى ما يقارب حجم الصادرات المصرية، وضعف إيرادات مصر من السياحة، وثلاثة أضعاف إيرادات قناة السويس تقريبا. ولولا نشوب الحرب الروسية الأوكرانية، وتضرر الاقتصاد العالمى كله من تبعاتها، وظهور السوق الموازية للدولار فى مصر، بعد تلك الحرب، لواصلت التحويلات الارتفاع لتحقيق أرقام أعلى، تعود بفوائد جمة على الاقتصاد الوطنى والمصريين جميعا.

فكل زيادة فى التدفقات من النقد الأجنبي، تنعكس سريعا بصورة إيجابية على الاقتصاد الوطنى والمواطن العادى، حيث يزداد الناتج المحلى الإجمالى ويتحسن ميزان المدفوعات وسعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، وتتوافر السلع المختلفة، خاصة المستوردة أو ذات المكون الأجنبى، بأسعار مناسبة. ومما يسر النفس أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج، عادت إلى طريق الزيادة، بعد ٦ مارس، حيث تم تحرير سعر الصرف، واختفت السوق الموازية للدولار. وارتفعت التحويلات خلال شهر إبريل 2024 بمعدل 43.8% (على أساس سنوي) -للشهر الثانى على التوالي- لتصل إلى نحو 2.2 مليار دولار (مقابل نحو 1.5 مليار دولار خلال شهر إبريل 2023).

أما عن القيمة السياسية والثقافية لهذا الكنز، فالحديث يطول. ويكفى هنا الإشارة إلى ما يتردد على ألسنة كبار المسئولين، بالدول التى يعمل بها الآلاف من المصريين، من عبارات الثناء والإشادة، بدور الأجيال المتعاقبة، من العاملين المصريين، فى النهضة التنموية، التى شهدتها تلك الدول. ناهيك عن الفيديوهات التى تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لمواطنين من هذه الدول، يكرمون خلالها أساتذة مصريين تعلموا على أيديهم، أو أطباء كبار ساهموا فى علاجهم. ما يزيد من التلاحم ويقوى أواصر الود بين أهل مصر والأشقاء.

لقد احتلت مصر المركز الخامس عالميا، فى تحويلات العاملين بالخارج عام ٢٠٢٣، وفق تقرير للبنك الدولى بعد الهند (125 مليار دولار) والمكسيك (67 مليار دولار) والصين (50 مليار دولار)، والفلبين (40 مليار دولار). ويمكن تحسين ترتيب مصر فى هذا المجال، فى ظل وجود وزارة للهجرة والمصريين بالخارج وأخرى للعمل، بتأهيل وتدريب العمالة قبل تصديرها، ووضع حلول سريعة، لمشاكل المصريين العاملين بالخارج، داخليا وخارجيا، والقضاء على معاناتهم وأسرهم فى تعاملاتهم مع الجهات الحكومية داخل الوطن، خاصة الروتين والتعقيدات البيروقراطية والاستغلال، وعقد الاتفاقيات العمالية مع الدول التى يعملون بها، للحفاظ على حقوقهم وتيسير أحوالهم. لقد قدمت وزارة الهجرة العديد من الخدمات للعاملين بالخارج، خلال الفترة الأخيرة، مثل إعفاء سيارات المصريين بالخارج من الرسوم والضرائب، مقابل ربط وديعة بالعملة الأجنبية لمدة 5 أعوام يتم استردادها بالعملة المصرية وفقا لسعر الصرف وقتها، وطرح مرحلة تكميلية للمرحلة الثامنة بمشروع «بيت الوطن» لاستيعاب طلبات الحاجزين فى المشروع، ومنح الأسر المصرية فى الخارج باقة من التخفيضات للمسافرين على شركة «مصر للطيران»، إضافة إلى الودائع البنكية ذات السعر المميز. لكن مازال المصريون بالخارج، يحتاجون إلى المزيد من التيسيرات والخدمات لدعم ارتباطهم بالوطن، وتطوير وجودهم فى الدول التى يعملون بها، وهو ما يتطلب استمرار عقد اللقاءات معهم وممثليهم، والاستماع إلى شكاويهم ومقترحاتهم، والعمل على حلها وتنفيذها، بالتعاون والتنسيق مع الوزارات الأخرى؛ ليزداد تطور واتساع مساحات هذا الكنز، وتدفق خيراته على الدوام.