بعد الاختصار

حوار مع ناجٍ من إبادة جماعية

عمرو جلال
عمرو جلال

«العالم لديه العديد من الصور لإسرائيل، لكن إسرائيل لديها صورة واحدة فقط لنفسها: صورة شعب فى طريقه إلى الزوال».
 

شاهدت أشخاصًا يصابون بالاكتئاب الشديد لفقدانهم شخصًا عزيزًا أو أموالًا أو حتى حيوانًا أليفًا.. بعضهم أكثر تطرفًا تصل أخبارهم إلى صفحات الحوادث يقومون بالانتحار وبعضهم يقتل كل أفراد أسرته حتى لا يقعوا فى أسر الفقر والديون بعد حياة رغيدة.

بالأمس التقيت المهندس «معين السلامى» من قطاع غزة جاء إلى القاهرة بعد أن دمرت صواريخ العدو الصهوينى مقر شركته الهندسية ومنزله الفاخر وسيارته واستشهد له 20 من أقاربه وأصيب آخرون..

نزح من الشمال الى وسط القطاع ثم إلى رفح، بعدها دخل القاهرة مع أحد الجرحى من أسرته لتلقى العلاج... روى لى فظائع مبكية تعرض لها.

استفزنى أنه يروى قصته دون أن تظهر على ملامحه مشاعر السخط أو الاكتئاب.. سألته راجيا المعذرة كيف يبتسم ويخطط لحياته القادمة ونصف ما وقع له لو تكرر مع آخرين كفيل بأن يضعهم خلف أسوار المصحات النفسية.

نظر إلىَّ موضحاً: يا أخى ألا تعرف أن الصمود فكرة فلسطينية؟! لقد تربينا جيلا بعد جيل على تحمل الأذى ومقاومته و الاستمرار فى الحياة.
سألته بصراحة: هل أنتم غاضبون من مصر؟

أجاب: الشعب الفلسطينى على درجة كبيرة من الوعى ويعرف تماما من يتاجر بالقضية الفلسطينية من أجل التقاط الصور وتحقيق مآرب أخرى ومن يدعمها حتى آخر أنفاسه.. 

وأقول لك مؤكدا: الشعب الفلسطينى يعرف تماما ماذا تفعل وتقدم الدولة المصرية وشعبها من أجل القضية الفلسطينية ونعلم تماماً من يقدم لنا أغلب المساعدات الإنسانية ويسارع بعلاج الجرحى وكيف حمَلنا المصريون على الرءوس بمجرد وصولنا.

ونعلم أيضا أن استيعاب 2 مليون فلسطينى من قطاع غزة لن يشكل أى أزمة لأم الدنيا بل يمكن أن تحصل القاهرة على مليارات الدولارات نظير أن تتخلص الولايات المتحدة وأوروبا من صداع الغزيين وتنتهى القضية الفلسطينية.

لكن مصر لم ولن تفعل.. 

وأضاف: إذا سألتنى ممن نغضب؟ فنحن غاضبون من انقسام القيادة الفلسطينية حتى أصبحت القضية بلا قائد ورضينا بتقطيع أوصالنا مع شعبنا فى الضفة والخليل والقدس.

نحن غاضبون من نظام دولى يتشدق بحقوق الإنسان والحيوان ولا يعدنا من بينهم.

نحن غاضبون لأن قضيتنا ابتعدت كثيرا عن بعض الدول بسبب إيران ومحاولات اختطافها القضية.

نحن غاضبون من الظلم لكن لسنا خائفين.

الخوف والهلع الحقيقى تراه فى وجوه الصهاينة رغم كل ما يمتلكونه من قوة تحميهم.

الاحتلال البريطانى لجنوب إفريقيا استمر قرنا من الزمان ورحلوا وغيرهم من المحتلين فى كتب التاريخ.. نحن الباقون على أرضنا مهما طال الزمان.
انتهى حوارى الخاطف مع هذا الناجى البطل وعرفت الآن لماذا كتب الفيلسوف اليهودى شمعون رافيدوفيتش حكمته «العالم لديه العديد من الصور لإسرائيل، لكن إسرائيل لديها صورة واحدة فقط لنفسها: صورة شعب فى طريقه إلى الزوال».