التنقيب عن الآثار يتم بواسطة علماء وباستخدام أدوات وتقنيات علمية دقيقة

مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية: هذه الخرافات ابتدعها الدجالون للنصب على الطماعين

مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية
مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية

لا نعلم لماذا إلى الآن في جنوب مصر لا يزال البعض منا يؤمن بما يقوله الدجالون والمشعوذون؛ بأن الجان هو الذي يفتح المقابر الأثرية، وفي سبيل تحقيق هذه الخديعة يقتلون أطفالهم بحثًا عن السراب ليس إلا.

في حوارنا المهم معه؛ تطرق الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، إلى الكثير من النقاط المتعلقة بجرائم قتل الأطفال على عتبات المقابر، وكيف أن تلك الجرائم حتى الآن ترتكب، رغم وهم أن المقابر يحتاج إلى فتحها استخدام دماء الأطفال كما هو شائع، وإلى نص الحوار.

◄ تقديم قرابين للعثور على الكنوز الأثرية نوع من الجنون

◄ المصرى القديم بنى حضارته بالعلم وليس بالعفاريت

● هل صحيح أن فتح المقابر المصرية القديمة يحتاج إلى الدم، وأن هناك حراس للمقبرة هم من يختارون ضحيتهم؟
المصرى القديم بنى حضارته بالعلم وليس بالعفاريت والقصص المتعلقة بفتح المقابر المصرية القديمة والاعتقاد بأن ذلك يحتاج إلى الدم وأن هناك حراس للمقابر يختارون ضحيتهم هي جزء من الأساطير والخرافات التي تحيط بالحضارة المصرية القديمة، هذه الخرافات غالبًا ما تكون ناتجة عن الخيال الشعبي والأدب والإعلام، ولا تستند إلى أدلة علمية أو تاريخية.

الذين ينقبون عن الآثار استخدموا هذه الحجج كي يبررون بها فشلهم في الوصول إلى المقابر، لأنهم يبيعون الوهم، ولكي يأمنوا من غضب الذين  حفروا يوهمونهم بأن هناك جنيًا لباب الرصد، وهذا الجني له طلبات، ومن طلباته دماء طفل.

● لماذا عادة يتم استقطاب الأطفال لذبحهم على المقابر المصرية القديمة، وهل دم الأطفال من الأسباب التي تؤدي إلى فتح المقبرة؟
مثلما قلت سلفًا، الأمر ليس له علاقة بالأطفال، لكن في مقدوري أن أشرح لك الأمر بصورة مختلفة؛فتح المقابر المصرية القديمة يتم بواسطة علماء الآثار، باستخدام أدوات وتقنيات علمية دقيقة، هذه العمليات تعتمد على احترام المواقع الأثرية والحفاظ على التراث التاريخي، والطرق المعروفة في الاكتشافات الأثرية وطرق الحفاظ على تاريخ المصري القديم، ولا توجد حاجة لأية ممارسات خارجة عن نطاق العلم والمنطق في هذا السياق.

الخلاصة لا توجد أية صحة للأسطورة القائلة بأن دم الأطفال يُستخدم لفتح المقابر المصرية القديمة، هذه الأفكار هي من وحي الخيال الشعبي والأساطير التي لا تعتمد على أي أساس علمي أو تاريخي.

● ما الذي يدفع البعض إلى الدفع بابنه أو بطفل آخر قربانًا لفتح المقبرة المصرية القديمة؟
لفهم الأسباب التي قد تدفع البعض إلى تبني هذه الأفكار أو التصرفات، يمكن النظر إلى عدة عوامل، أولا الخرافات والمعتقدات الشعبية، وانتشار العديد من الخرافات والمعتقدات الشعبية حول السحر والقوى الخارقة، وقد يعتقد البعض أن هناك قوى غير طبيعية يمكنها حماية أو فتح المقابر. هذه المعتقدات قد تكون متجذرة في الثقافات المحلية والأساطير القديمة.

ثانيًا الجهل ونقص التعليم، والوعي يؤديان في النهاية إلىالجنون وتصديق الخرافات والأساطير دون التفكير العلمي أو الرجوع إلى الأدلة العلمية، ناهيك عن الجهل بالتاريخ والعلوم، والذي يجعل الناس عرضة لتصديق مثل هذه الأفكار الخاطئة.

ثالثًا - وأهم هذه العوامل من وجهة نظري - البحث عن الثروة، فالبعض قد يكون مدفوعًا بالبحث عن الكنوز أو الثروات المخبأة في المقابر المصرية القديمة. ولديهم القناعة بأن التضحية البشرية يمكن أن تفتح المقابر وتجلب الثروات قد تكون دافعًا قويًا، خاصة في البيئات الفقيرة أو اليائسة، هذا غير التأثيرات الثقافية والإعلامية، كالأفلام والقصص الشعبية، التي تروج لوجود لعنة الفراعنة أو حراس خفيين للمقابر، وهذه القصص أثرت بشكل أو بآخر على الناس، وجعلتهم يصدقون أن هناك حاجة لتضحيات من هذا النوع لفتح المقابر.

رابعا الجانب النفسي والاجتماعي، فهناك حالة من حالات الرغبة في السيطرة على الغموض، ذلك الغموض الذي يحيط بالحضارة المصرية القديمة والمقابر المصرية القديمة، والذي قد يدفع الناس إلى البحث عن تفسيرات خارقة للطبيعة، هذه الرغبة في السيطرة على ما هو غير مفهوم يمكن أن تدفع البعض إلى تصديق أن هناك طقوسًا خاصة لفتح المقابر، كدماء الأطفال مثلا.

◄ اقرأ أيضًا | «دجالة».. ضبط ربه منزل تقوم بالنصب والاحتيال على المواطنين بأوسيم

● كيف يمكن التصدي لمثل هذه الجرائم خاصة وأنها باتت متكررة في الفترة الأخيرة؟
التصدي للجرائم المرتبطة بالخرافات والمعتقدات الباطلة، مثل التضحية بالبشر لفتح المقابر المصرية القديمة، يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يشمل التعليم، وتطبيق القانون، والتوعية المجتمعية، والتعاون الدولي. 

أيضًا لابد من توفير حملات للتوعية، لشرح الحقائق العلمية والتاريخية عن الحضارة المصرية القديمة والممارسات الجنائزية الحقيقية، ويمكن استخدام وسائل الإعلام المختلفة، المقروءة والمسموعة والمرئية، والإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، للوصول إلى جمهور واسع، كما ان دور العلماء والخبراء لا يمكن تجاهله، فلابد من إشراك علماء الآثار والمؤرخين في التوعية العامة من خلال المحاضرات، والمقالات، والبرامج التلفزيونية لتوضيح الحقائق وتبديد الخرافات.

هذا من ناحية، من ناحية أخرى تعزيز الإطار القانوني، فيجب وضع قوانين صارمة تجرم التضحية بالبشر، وأية ممارسات مرتبطة بها، وينبغي أن تشمل هذه القوانين عقوبات رادعة للمشاركين والمحرضين على هذه الجرائم.

وأيضًا التعاون مع المنظمات الدولية للتصدي للجرائم العابرة للحدود، خاصة إذا كانت هناك شبكات إجرامية منظمة تشارك في هذه الممارسات، والعمل على إشراك رجال الدين وقادة المجتمع في نشر رسائل تعزز الاحترام للحياة البشرية وتدحض الخرافات الضارة، ويمكن أن يكون لهم تأثير كبير في تغيير المعتقدات الشعبية.

كذلك لابد من المراقبة والإبلاغ، وإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة والمتعلقة بالتضحية بالبشر. تسهيل الإبلاغ يمكن أن يساعد في الكشف المبكر ومنع الجرائم، وتشجيع المجتمعات المحلية على المشاركة في مراقبة الأنشطة غير القانونية والإبلاغ عنها. بناء شبكات دعم مجتمعية يمكن أن يعزز من قدرة المجتمع على حماية أفراده. ودعم الأبحاث والدراسات لفهم الدوافع النفسية والاجتماعية وراء هذه الممارسات، ومعرفة الأسباب الجذرية يمكن أن تساعد في تطوير استراتيجيات فعالة للتصدي لها، وتشجيع الإعلام على تناول هذه القضايا بمسؤولية، وتقديم معلومات دقيقة دون تضخيم أو ترويج للخرافات. يمكن للإعلام أن يكون أداة قوية في نشر الوعي والتثقيف.

وأخيرًا التصدي لمثل هذه الجرائم يتطلب تضافر الجهود على جميع المستويات: الحكومية، والمجتمعية، والفردية. من خلال التعليم، وتطبيق القانون، والتوعية المجتمعية، يمكننا مواجهة هذه الممارسات البغيضة وحماية المجتمعات منها.

● في رأيك، ما العقوبة التي تتمناها لمن يرتكب مثل هذه الجرائم؟
-بالنظر إلى خطورة وفظاعة جرائم التضحية بالبشر واستغلال الأطفال في الخرافات والمعتقدات الباطلة، فإنني أتمنى تطبيق عقوبات صارمة ورادعة تتناسب مع خطورة هذه الجرائم. من بين العقوبات التي قد تكون ملائمة، أولها السجن المؤبد أو الإعدام للأفراد الذين يقومون بتنظيم هذه الجرائم أو يشاركون فيها مع العلم بخطورتها وفظاعتها، ويمكن فرض عقوبة السجن المؤبد أو حتى الإعدام في الدول التي تسمح بذلك، والسجن لفترات طويلة للمشاركين في هذه الجرائم، بما في ذلك الآباء أو الأشخاص الذين يسهلون تنفيذها، ويجب فرض عقوبات تنص على السجن لعدة سنوات.

إضافة إلى جانب توقيع غرامات مالية كبيرة على المتهمين للحد من هذه الأنشطة غير القانونية وتعويض الضحايا، ويمكن أيضًا إجراء عقوبات تأديبية وتربوية تشمل البرامج الإصلاحية والتأهيلية للمدانين، بهدف إعادة تأهيلهم ومنع عودتهم لارتكاب المزيد من الجرائم.

● ما حقيقة أن المصري القديم كان يحاول أن يحافظ على مقبرته باستخدام اليورانيوم والمواد المشعة؟
لا توجد أية نصوص أو آثار تشير إلى استخدام المصريين القدماء للمواد المشعة في أي جانب من جوانب حياتهم أو دياناتهم أو طقوس الدفن.

تقديرات العلماء والاثريين تشير إلى أن المصريين القدماء كانوا يعتمدون على عمليات التحنيط واستخدام المواد الطبيعية مثل اللبان والأساس الكيميائي للحفاظ على جثثهم ومقابرهم. كما استخدموا تقنيات البناء والهندسة لإنشاء مقابر دائمة ومتينة لحماية موتاهم ومقتنياتهم الثمينة. فلا يوجد دليل علمي يدعم فكرة استخدام المصريين القدماء لليورانيوم أو المواد المشعة في حفظ مقابرهم، ويبقى هذا مجرد خيال أو تخيل من قبل بعض الأفراد أو المؤلفين في الأعمال الخيالية.

● من صدر لنا الحديث عن لعنة الفراعنة وما السبب في ذلك؟
لعنة الفراعنة هي مصطلح يُستخدم للإشارة إلى اعتقاد شائع بين الناس بأن هناك لعنة أو نحسًا يصيب الأشخاص الذين يتعاملون مع المقابر الفرعونية أو يعبثون بمقتنياتها. هذه الأفكار تشتهر بشكل خاص بعد اكتشاف مقبرة الفرعون توت عنخ آمون في عام 1922 من قبل الأثري البريطاني هوارد كارتر وفريقه.

تم تضخيم هذه الأفكار ونشرها بواسطة وسائل الإعلام والأفلام والكتب وغيرها، مما أثار الفضول والرعب لدى الناس حول العالم. يُعزى سبب انتشار هذه الأفكار إلى عدة عوامل منها الأساطير والخرافات الشعبية، مثل العصور القديمة، وقد انتشرت العديد من الأساطير والخرافات حول القوى الخارقة واللعنات المرتبطة بالمقابر المصرية القديمة والفراعنة. هذه الأفكار تجدها في العديد من الثقافات والتقاليد الشعبية.

أيضًا تناولت الأفلام والكتب والمسلسلات الدرامية موضوع لعنة الفراعنة بشكل مبالغ فيه، مما زاد من انتشارها وتأثيرها على الجمهور، وتوجد قصص عن أشخاص تورطوا في اكتشاف المقابر المصرية القديمة وتعرضوا لمصاعب ومشاكل بعد ذلك، مما أثار الشكوك حول وجود لعنة فعلية.