«الأخبار» في رحلة مع السلع من تاجر الجملة إلى المستهلك

صورة موضوعية
صورة موضوعية

خلال السنوات الأخيرة استطاعت مصر تحقيق تقدم ملحوظ فى ملف الأمن الغذائي، فاحتلت المركز الـ77عالميًا، وفقًا لمؤشر الأمن الغذائى العالمى لعام 2022، بعد أن حققت 53 نقطة كقيمة المؤشر الإجمالية للأمن الغذائي.

هذا التطور الكبير جاء موازيًا مع تحقيق البلاد للاكتفاء الذاتى من الخضراوات والفاكهة والأسماك بنسب تعدت الـ100%، بل ويتم تصدير كميات منها، وكان من المُتوقع بعد كل ذلك أن تنخفض أو على الأقل تستقر أسعمن أجل التعرف على الأسباب الحقيقية لأزمة ارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة، تنقلت «الأخبار» بين أسواق الجملة التى تُعد اليد الأولى للمنتج، وصولًا للأسواق الشعبية التى يتعامل معها المواطن البسيط بشكل مباشر.

لكن قبل البدء فى سرد ما توصلنا له، علينا فى البداية الوقوف على الوضع الحالى لتلك السلع الزراعية، للتعرف على أبعاد الأزمة، وما أن كانت بالفعل تكمن أسبابها داخل إحدى حلقات تلك الرحلة التى أجريناها.

وفرة واكتفاء
بالنظر فى بيانات السنوات الأخيرة، نجد أنه مع نهاية عام 2018 بلغ إنتاج مصر من الخضراوات نحو 19 مليون طن، لترتفع هذه النسبة إلى 20.5 مليون طن بنهاية عام 2019، ثم تعاود الارتفاع مرة أخرى عام 2020 مُحققة 20.9 مليون طن، وهو العام الذى نجحت فيه مصر فى الوصول إلى الاكتفاء الذاتى فى عددٍ من السلع الزراعية منها الخضراوات والتى بلغ الاكتفاء الذاتى منها 103.7%، والبطاطس بنسبة  107.6%، كما تم تحقيق اكتفاء من الفاكهة بنسبة 100.6%، والبصل 120.1%، وذلك وفقًا لتقارير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.

وبنهاية عام 2023، ارتفع وبشكل ملحوظ إجمالى إنتاج مصر من الخضراوات إلى 25 مليون طن، وفقًا لمركز معلومات مجلس الوزراء مطلع الشهر الجاري، وذلك بإجمالى مساحة 2 مليون فدان.

ومن هنا فإن أزمة الأسعار لم يكن سببها المباشر عدم توفر السلع الزراعية، وما يؤكد ذلك هو أن الصادرات المصرية من هذه السلع ارتفعت أيضًا بعد الاكتفاء منها فى الأسواق، فوفقًا لتصريحات وزير الزراعة، السيد القصير، مطلع العام الحالي، فإن حجم الصادرات الزراعية الطازجة بلغ نحو 7.4 مليون طن عام 2023 بزيادة تبلغ نحو مليون طن عن العام السابق له، وبقيمة إجمالية بلغت 3.7 مليار دولار، وهو رقم لم يتحقق فى تاريخ الصادرات الزراعية المصرية، بحسب قوله، وأكد أن الحكومة خلال 10 سنوات تمكنت من فتح 93 سوقًا تصديرية للمنتجات الزراعية المصرية، ويجرى التصدير حاليًا إلى أكثر من 400 ‏سلعة زراعية 160 دولة.

وكان من بين أهم المنتجات الزراعية الطازجة التى تم تصديرها إلى الخارج، الموالح بنحو 2 مليون طن، يليها البطاطس بنحو 950 ألف طن، ثم جاء البصل فى المرتبة الثالثة بنحو 412 ألف طن، ثم بعض أصناف الخضراوات والفاكهة الأخرى.



أما على صعيد الأسماك، فإن مصر نجحت فى أن تكون الدولة الاولى عربيًا وإفريقيًا والرابع عالميًا فى إنتاج الأسماك، وفقًا لتصريحات الدكتور هانى المنشاوي، رئيس شعبة الأسماك بغرفة الصناعات الغذائية، الذى أوضح أن مصر تمتلك ثروة سمكية هائلة، مشيرًا إلى أن الدولة تنتج ‏‏2.4 مليون طن سنويًا.

اقرأ أيضًا| نبيل فهمي: مصر تقف مع السلام وتحترم التزاماتها الدولية

رحلة المنتج

بعد أن توصلنا إلى أن أهم الخضراوات والأسماك التى تعتمد عليها الأسر المصرية بشكل يومى متوفرة محليًا بكميات جيدة، مثل البطاطس والبصل والطماطم والخيار والخضرة وغيرها، توجهنا إلى سوق العبور والذى يُعد اليد الأولى لبائعى الخضراوات، وبه يعرض المزارعون إنتاج أراضيهم الطازجة من خلال تجار السوق بشكل يومي، ثم تتبعنا بعد ذلك رحلة المنتج وصولًا إلى عددٍ من الأسواق بالمناطق الشعبية والتى من المفترض أن تكون أرخص سعرًا، لنجد فجوة كبيرة بين أسعار سوق الجملة، وبين ما يتم عرضه بالأسواق للمستهلك فى نفس اليوم.

فعلى سبيل المثال، كانت تكلفة كيلو الطماطم فى سوق الجملة صباح يوم جولتنا جنيهين ونصف الجنيه داخل قفص يبلغ ثمنه 50 جنيهًا ويحوى 20 كيلو، بينما يُباع للمواطن فى السوق الشعبى بـ 8 جنيهات للجودة العالية، و5 جنيهات للجودة الأقل، أى بأكثر من ضعف ثمنها بالجملة، كما كان كيلو البطاطس بسوق العبور يترواح بين 4 و8 جنيهات، ليقفز بالسوق الشعبى إلى 12 و14و17 جنيهًا، وكذلك البصل فكانت جملته ما بين 5 و9 جنيهات، بينما يباع فى السوق ما بين 12 و15 جنيهًا، أما الباذنجان الأبيض فكانت جملته 5 جنيهات، ليُباع للمستهلك بـ 20 جنيهًا أى بأربعة أضعاف ثمنه.



أما عن الخضراوات التى تعتمد عليها ربة المنزل بشكل كبير لعمل وجبة بسيطة لأسرتها، فبدأ سعر الكوسة فى الجملة من 4 جنيهات ليصل فى الأسواق إلى 10 و13 جنيهًا، بينما بدأ سعر الفاصوليا الخضراء من 5 جنيهات إلى 8 جنيهات فى الجملة، ليُباع لربة المنزل ما بين 13 و18 جنيهًا.. على جانب آخر، كانت أسعار الفاكهة أيضًا على هذا النحو، ففى الوقت الذى يُباع به كيلو العنب بدءًا من 25 إلى 45 جنيهًا وصل فى الأسواق إلى 60 جنيهًا، كما بدأ سعر الخوخ فى الجملة من 15 جنيهًا ليبدأ سعره فى الأسواق من 40 جنيهًا، بينما سجل التفاح أكبر نسبة زيادة بعدما بيع فى الجملة من 15 إلى 35 جنيهًا ثم قفز إلى 75 و80 جنيهًا للمستهلك. 

لم يختلف الأمر كثيرًا فى الأسماك، فخلال جولة واحدة بعددٍ من الأسواق الشعبية، رصدنا ردود أفعال متشابهة، لكنها كانت أكثر اصطدامًا هذه المرة، فبعد غلاء أسعار اللحوم بشكلٍ كبير، بدأت بعض الأسر التوجه للأسماك، خاصة البلطى الذى تشتهر به مصر، وفى الوقت الذى وصل فيه سعر كيلو السمك البورى فى المزاد الصباحى بسوق العبور إلى 85 و95 جنيهًا، بيع فى الأسواق للمستهلك بـ 165 جنيهًا، أما السمك البلطى الحجم الصغير بيع بالجملة بـ 30 جنيهًا ليصل فى الاسواق إلى 50 و60 جنيهًا، وكان الحال مماثلًا لسمك الماكريل الذى كان متوسط جملته 100 جنيه ليُباع للمستهلك بـ 140 جنيهًا.

حيرة يومية؟

خلال جولتنا بالأسواق، رصدنا بعض ردود الأفعال من المواطنين على ما يحدث داخل الأسواق، وكان المستهدف التعرف على أبرز ما يعانون من ارتفاع ثمنه مقارنة بالأعوام الماضية، مع معرفة توقعاتهم لأسباب ما وراء هذا الارتفاع.

تقول أنجيل عزيز، من رواد سوق شارع بديع بشبرا مصر، إن الأسعار خلال الآونة الأخيرة أصبحت مرتفعة، ولم يعد أحدٌ يتعجب من أى سعر يسمعه، إلا أن الأسبوع الأخير شهد ارتفاعًا كبيرًا فى أسعار الفاكهة بشكل لم يكن أحد يتوقعه، بعد أن وصل العنب لـ 65 جنيهًا والبطيخة إلى 100 جنيه، موضحةً أنها حتى الآن لم تستطع شراء البامية التى نزلت من 80 جنيهًا إلى 50 جنيهًا، لكنها لاتزال مرتفعة بشكلٍ مبالغ فيه، بعد أن كان سعرها فى المعتاد 35 جنيهًا على الأكثر.. وتشير أنجيل، إلى أن الجميع يتحدثون فى الأسواق، أن تجار الجملة هم من يتحكمون فى الأسعار لتعويض أى خسارة لهم من الخضراوات.

أما «أم محمد» والتى صادفناها أثناء تجولها بالسوق مع نجلتها، فقد كانت فى حيرة من أمرها أمام الأسعار، وتحدثت معنا قائلة: «زمان كنت بنزل بـ 150 جنيهًا أجيب كل خضار وفاكهة الأسبوع بدون مبالغة، دلوقتى أنا بس جبت صنفين فاكهة خدوا منى 200 جنيه، ده غير الخضار اللى عمل فوق الـ 250 جنيهًا، وطبعًا أنا مقدرش اشترى من الخضار البايت، مع أن سعره أقل لكنه هيبوظ منى فى البيت، ومش هيكمل الأسبوع»، وعند سؤالها عن استغنائها عن أصناف بعينها، ردت قائلةً: «لديَّ أطفال فى مراحل عمرية مختلفة، والخضراوات أقل أساسيات الغذاء المطلوب لنموهم، ولا أستطيع حرمانهم منها»، ومن جانبه أكد محمود راضي، موظف، أن الأسرة المصرية أصبحت فريسة للتجار سواء تجار جملة أو قطاعي، فكلٌ منهم ينفى مسئوليته عن غلاء الأسعار، وفى النهاية المواطن يدفع الثمن بغض النظر عن السبب، وأضاف أنه سئم من ارتفاع الأسعار خاصة أن هذه المزروعات مصرية خالصة، فقال: «كل اللى فى السوق ده من خير بلدنا، أنا أعمامى كلهم مزارعين وأغلب الخضار ده متوفر فى مصر، فليه بقى الأسعار المبالغ فيها دي، لما احنا مش هنشوف خير أرضنا أومال مين هيشوفه».



ار تلك السلع، إلا أن السوق المصرى لا يزال يُعانى من أزمة «ارتفاع الأسعار» الأمر الذى طال أبسط أساسيات الحياة، كل ذلك دفع «الأخبار» لإعداد ملف نحاول من خلاله التعرف على أسباب هذا التناقض الكبير من خلال تتبع سير تلك السلع من يد المنتج الأول إلى المستهلك.

ما السبيل للحل؟ الخبراء يُجيبون ..شعبة الخضراوات والفاكهة: توفير أسمدة ومبيدات محلية الصُنع خطوة أسـاسية لضبط السوق

ربما كانت أسباب أزمة ارتفاع الأسعار متعددة، إلا أن لكل أزمة مفاتيح لحلها، ومع وقوفنا على أكثر من سبب لأزمة الخضراوات والأسماك والفاكهة توجهنا بدورنا إلى المختصين، لمحاولة المناقشة فى حلول فعلية تضمن السيطرة على هذه الأزمة فى أقرب وقت.

كانت البداية مع حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضر والفاكهة بالغرف التجارية، الذى أشار إلى أن هناك عدة حلول عملية للقضاء على المشاكل التى رصدتها الأخبار، أولها توفير مدخلات الزراعة من مبيدات وأسمدة محلية الصُنع، بدلًا من الاعتماد على المستورد بنسبة تصل إلى 85% و90%، هذا من شأنه توفير مبالغ كبيرة فى عملية إنتاج المحصول، وأشار النجيب إلى أن وزارة الزراعة لديها مشروع خاص بهذا الشأن وقد حان الوقت لتعلن عن نتائجه وإلى ماذا توصلت حتى الآن.

وعن أزمة ارتفاع بعض الأسعار بسبب عدم وفرتها فى الأسواق، أشار النجيب إلى أن الحل يكمن فى توفير قاعدة بيانات حقيقية ودقيقة عن المحافظات والمساحات المزروعة بها، وكميات ونوعية الخضراوات والفاكهة لمعرفة المتوقع إنتاجه لكل موسم، وما المطلوب توفيره، وبدون هذه القاعدة ستقع تحت طائلة البيانات الخاطئة كل عام. 

التصنيع الزراعي
خلال نقاشنا معه حول فترات فواصل العروات ونقص بعض المنتجات فى مواسم بيعها، أكد النجيب أن حل هذا الأمر يتشارك فيه أمران، الأول هو التوسع فى المشاريع الزراعية الحديثة خاصة الزراعات المحمية _الصوب الزراعية_ موضحًا أن القطاع الخاص له دور كبير جدًا لأنه سينتج جودة أعلى ويحقق نتائج مضاعفة للمنتج التقليدي، مشيرًا إلى أن مصر نجحت فى هذه الزراعات لكن حان الوقت لتحويلها للقطاع الخاص المتمثل فى الفلاح.

أما الأمر الآخر فهو الاعتماد على «التصنيع الزراعي» الذى يُعد قاطرة التنمية الزراعية الفترة القادمة، والذى يأتى أهميته فى مواسم قلة المحصول، فعندما تحدث أزمة ما نجد أمامنا النصف مقلي، أو الثوم المفروم أو بودر، أو الصلصة الجاهزة والعصائر وهكذا، فالتصنيع الزراعى يُعوِّض الفجوة ويوازن المعادلة عند عدم توفر المنتج، وأوضح أن عملية التصنيع لابد أن تدخل بها كافة الجهات سواء وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الزراعة، ووزارة الاستثمار، لأنه يخلق أولًا فرص عمل، ويضيف قيمة للمنتج.

تنظيم التصدير
فى السياق ذاته، أشار نائب رئيس شغبة الخضر إلى أنه حان الوقت لإعادة تنظيم الحالة التصديرية للمنتجات مرى أخرى، عن طريق الزراعة التعاقدية، فلا ألجأ للجزء المخصص للسوق المحلى لأصدر منه، بل على العكس أخصص مساحات للتصدير بعيدًا عن المساحات المزروعة للاستهلاك المحلى وتكون بنفس الجودة، مؤكدًا أن أسواق شبه الجملة مهمة للغاية وعلى الدولة توفير منافذ لبيع المنتجات بهامش ربح بسيط مع ضرورة المراقبة من حماية المستهلك ومباحث التموين.

وأكد النجيب أن «تجار الجملة غير المُقننين» والذين نطلق عليهم «الاسواق الشعبية» عبء على الدولة، فلا يخضعون للاقتصاد الرسمى ولا يدفعون ضرائب أو لديهم سجلات تجارية، والحل لا يكمن فى محاربتهم بل فى تنظيمهم وإخضاعهم للاقتصاد الرسمى لسهولة الوصول لهم ومعاقبتهم لعدم التلاعب بالأسعار.

وأخيرًا، أوضح أنه على الشعب المصرى إعادة ثقافة التخزين مرة أخرى، فكل منتج قابل للتخزين والحفظ عليه الاستفادة منه فى وقته، حتى يحافظ ذلك على استقرار الأسعار، موضحًا أن ذلك سبب أزمة الثوم الحالية، فالبرغم من انخفاض سعر الثوم المحلى فى موسمه، فإن ربات المنزل لم تعد تخزنه كما كانت تفعل أمهاتنا قديمًا، مما جعل موسمه ينتهى ليحل محله الثوم المستورد غالى الثمن.

أعلاف مصرية
أما عن السبيل لحل أزمات الأسماك، فتحدثنا عنها مع الدكتور هانى المنشاوي، رئيس شعبة الأسماك باتحاد الصناعات المصرية، والذى أوضح أن المزارع السمكية تنتج لمصر نحو 70 أو 80% من كميات الأسماك، يأتى حوالى 30% منها من محافظة كفر الشيخ، وهنا نجد أن المزارع تعانى بشكل كبير من ارتفاع أسعار الأعلاف، فعملية تربية الأسماك تصل إلى عامين على سبيل المثال يتم فيها استهلاك كمية كبيرة من الأعلاف ليتم بيعها بعد ذلك، فتكلفة بيعها هى تكلفة عامين من التعليف، وأشار إلى أن مصر تستورد النسبة الأكبر من الأعلاف لأن الكمية المحلية غير كافية، كما أنه مؤخرًا حدثت أزمة عالمية فى أعلاف الأسماك نظرًا لأن الكميات الأكبر كانت تأتى من أوكرانيا.

وأضاف هانى أن الحل يكمن فى أن تباشر معاهد البحوث المصرية عملها لإيجاد بديل للأعلاف المستوردة، يتم استخدام مواد نباتية بها، لنسد الفجوة القائمة حاليًا.

أما عن الصيد الحر، أوضح هانى أن كل «شيخ صيادين» لديه ما يقرب من 10 أو 15 مركبًا، بها عمالة تغيب 15 أو 21 يومًا فى عرض البحر تكلفهم الكثير من الغذاء للديزل للتراخيص، وهنا على الدولة أن تُوفِّر لهم تموينًا يكفى لهذه المدة.. ويأتى الحديث عن الشق الأهم وهو طريقة الحد من سلسلة الوسطاء المتحكمين فى أسعار الأسماك، وأشار د.هانى إلى أن هذا الأمر حله الجذرى، أن تشترى الدولة متمثلة فى أجهزتها المعنية كميات الأسماك من الصيادين بأسعار مناسبة لتبيعه للمواطن مباشرة من خلال منافذ مخصصة دون الاعتماد على الوسطاء.

خدمات جديدة
من جانبه أكد اللواء محمد شرف، رئيس الجهاز التنفيذى لسوق العبور، أن حل المشكلة فى الأساس يعتمد على ضمير التجار من البداية، فسوق العبور يبيع لكافة تجار التجزئة بنفس السعر بغض النظر عن أماكن بيعهم للمنتج، إلا أن التاجر بعد الشراء يُسعِّر المنتج بأسعار مختلفة، فسوق المطرية له سعر، والمهندسين سعر، والتجمع سعر وهكذا.

وأضاف أن هناك مشروعات داخل سوق العبور من شأنها حل أزمات بعض المنتجات التى يزداد ثمنها خلال أشهر معينة، وذلك من خلال مشروع الـ 36 ثلاجة التى تضمن حفظ المنتجات لضخها مرة أخرى فى أوقات فواصل العروات أو عند نقص المعروض منها بشكل أساسي، وهذه العملية تحفظ للسوق توازنه، لأنه كلما توفر المنتج بكمية أكبر كلما انخفض سعره.

وأوضح أن كل ثلاجة منها تكفى من 150 إلى 200 طن، وأنه تم الانتهاء من المرحلة الأولى من البنية التحتية للثلاجات وتم تسليم مفتاح 12 ثلاجة إلا أنه عملهم متوقف على تصريح الحماية المدينة لكى يتم تشغيلها فعليًا.

4 أسباب حقيقية وراء تباين الأسعار ..تجار الجملة: نُسوَّق بالعمولة للمزارع ولا نستطيع التحكم فى السعر النهائى

خلال رصدنا لرحلة المنتج سواء خضراوات وفاكهة أو أسماك من اليد الأولى إلى المستهلك، لاحظنا عددًا من العوامل تتحكم بشكل أساسى فى الأسعار، وعلى عكس المتوقع لم يكن فقط وجود وسيط بين المنتج والمستهلك هو السبب الرئيسى فى غلاء الأسعار واختلافها من حينٍ لآخر ومن سوقٍ لآخر، بل هناك عوامل أخرى تساهم وبشكل كبير فى وصول الأسعار لأرقام لا تتناسب مع المواطن البسيط.

مدخلات الإنتاج
دائمًا ما تكمن الأسباب الرئيسية لأى أزمة فى المراحل الأولى، فسواء المنتج كان من الخضراوات أو الأسماك، فيعانى كلٌ من المزارع والصياد من عددٍ من العوامل التى تجبره فى النهاية إلى رفع سعر المنتج قبل حتى وصوله إلى تاجر الجملة، ومن هذه العوامل تأتى مدخلات ومستلزمات الانتاج الزراعى والتى تستورد مصر منها نحو 95% وهى تشكل عبئًا ماديًا كبيرًا على المزارعين، فوفقًا للحاج محمود الراضى «مزارع بطاطس»، فيؤكد أن المواطن لا يعى جيدًا أن عملية الزراعة ليست مجرد «رى وزرع وقلع»، بل هناك تكاليف باهظة تجبر المزارع على محاولة تعويض ما تم صرفه وأبرزها غلاء أسعار التقاوي، وارتفاع تكلفة المواتير وكذلك العمالة، فكل هذه بنود توضع فى الحُسبان، موضحًا أن الدولة إذا تمكنت من الاستغناء عن استيراد العديد من مستلزمات الزراعة، لأصبح الفرق كبيرًا.

على جانب آخر، أكد شوقى نادر تاجر أسماك، أنه بالنسبة للمزارع السكمية بمصر، فتعانى بشل كبير من الأعلاف الخاصة بالأسماك نظرًا لأنها مستوردة، وعلى جانب آخر فإن ارتفاع أسعار الديزل فى الصيد الحر وتكلفة العمالة والتراخيص والمؤن، يضع الصياد فى مأزق وقت التسعير، موضحًا أن المهنة لسيت شبكة وصنارة فهى أكبر من ذلك، فهناك أسر متعددة تعتمد على رزق مركب واحد ولكل منهم التزامات ومصروفات تكبدها، حتى يتم صيد الكمية ثم بيعها بمزاد سوق العبور.

فرق العروات
أما العامل الثانى فكان طبيعة الزراعة والمواسم الزراعية فى مصر والتنقل بين العروات والذى يعمل على رفع بعض أسعار الخضراوات والفاكهة فى أوقات محددة وانخفاضها فى أوقات أخرى، فيوضح الحاج أحمد محمد، من كبار تجار سوق العبور، أنهم كتجار لا يستطيعون التحكم فى الأسعار، بل هم مجرد وسيط بين المزارع وتاجر التجزئة، فيعملون بنظام البيع بالعمولة لحساب المزارع، وعن كيفية التسعير داخل السوق، يوضح الحاج أحمد: «تخضع عملية التسعير لآلية العرض والطلب، فكلما توفر المنتج كلما كان السعر مناسبًا، ولما قل وندر زاد سعره، وهكذا، فالسعر يتحدد وفقًا للكميات المتداول عليها».

ويشير الحاج أحمد إلى أن هناك أوقاتًا محددة تزداد بها أسعار الخضراوات والفاكهة، مثل فترة البشاير وهى بداية حصاد المحصول، فتكون الكميات قليلة للغاية ويرتفع ثمنها بشكلٍ كبير مثلما يحدث الآن بالبامية والتى ارتفعت أسعارها، موضحًا أن الفترة القادمة ستزداد كميات البامية بشكل كبير، خلال أشهر يونيو ويوليه وأغسطس، ووقتها ستنخفض أسعارها بشكلٍ ملحوظ.

وأوضح أنه فى المقابل هناك محاصيل مثل البطاطس سيبدأ موسمها فى الانتهاء قريبًا ليتم الاعتماد على ما يتم تخزينه فى الثلاجات، وبالتالى بطبيعة الحال سيرتفع ثمنها نظرًا لتكلفة عمل الثلاجات، فى حين أن الطماطم على سبيل المثال، أسعارها جيدة حاليًا بسبب  استقرار المناخ، بينما سيبدأ فى الارتفاع مع قلة المعروض بسبب ارتفاع درجات الحرارة من شهر سبتمبر.

الأسواق 
من جانبه أكد محمد صلاح، بائع خضراوات وفاكهة بسوق شبرا، أنهم يعانون مع المواطن كل موسم مع تحرك الأسعار، قائلًا: «المواطن البسيط يعتقد أننا مَن نتلاعب بالأسعار، لكننا مثله نخضع لطبيعة الموسم، فكلما كان الموسم فى بدايته كما يحدث الآن مع العنب كلما قَلَّ المعروض وارتفع ثمنه، وهو ما يحدث أيضًا بعد انتهاء الموسم كما حدث مع الثوم، فمَن لم يعتمد على تخزين الثوم المصرى أثناء انخفاض ثمنه فى موسمه، يلجأ الآن للثوم الصينى الغالي، فهذه طبيعة المنتج ولا ذنب للبائع فيه».

جملة غير مُقننة
أما تجار الجملة غير المُقننين أو كما يُطلق عليهم «الأسواق العشوائية»، فكانت من أهم الحلقات التى ترفع أسعار الخضراوات والفاكهة بالأسواق، فهذه الفئة تعمل كوسيط بين المزارع نفسه وبين المستهلك، بعيدًا عن تجار الجملة المُقننين كأسواق العبور والسادس من أكتوبر.

وتأتى مشكلة هذه الأسواق فى أنها تتعامل بشكل مباشر مع المزارع لتحصل منه على المنتجات بأسعار تزيد على أسواق الجملة المُقننة، وهو ما يُشكِّل ربحًا للمزارع، ثم يعيد التاجر تسعيرها وتوزيعها على صغار البائعين بالأسواق الشعبية ممن لا يتعاملون مع تجار الجملة ، ليتم وضع نسبة من الربح وبيعها بأسعار كبيرة.

وفى ذلك يقول أحمد النادر، بائع خضراوات وفاكهة: «مش كلنا عندنا المقدرة إننا ننزل سوق العبور أو اكتوبر كل يوم، خصوصًا أن حركة البيع مش زى زمان، عشان كده فى تجار جملة كبيرة فى أسواق قريبة مننا سواء فى سرياقوس أو شبرا الخيمة أو مسطرد أو امبابة، بنتعامل معاهم بأسعار زيادة شوية عن العبور، لكن هم الأقرب وبناخد تشكيلة على قد احتياجاتنا.

حلقات وسيطة
على جانب آخر، كان للوسطاء بين تاجر التجزئة وسوق العبور دور كبير فى التحكم بالأسعار، فبالرغم من السعر الموحد للمنتج داخل السوق، إلا أن الوسيط يعمل على توزيعه بأسعار مختلفة حسب كل سوق، فسعر أسواق شبرا يختلف عن أسواق المهندسين والدقي، يختلف عن سعر الهايبرات، وجميعهم يختلفون عن التوزيع لتجار شبه الجملة الذين بدورهم يوزعون على «السريحة» ليصل المنتج فى النهاية للمستهلك بعد سلسلة متكررة من وضع «هامش ربح» لكل وسيط تغطى تكلفة النقل والعمالة.

وهذا ما أشار له الحاج وائل شحاتة «تاجر بطيخ» بسوق العبور، قائلًا: «نحن هنا نعمل للمزارع بهامش ربح يتراوح بين 5 إلى 7%، ونتعامل مع العديد من الوسطاء أو المتعهدين والذين بدورهم يتولون أمور توزيع كميات البطيخ وفقًا لما يرونه، سواء للهايبرات أو المحلات أو الأسواق، وهذا ما لا نستطيع نحن كتجار التحكم فيه، فكل ما أقوم به هو بيع البطيخ بالعربية، وأقل عدد هو 200 أو 300 بطيخة، واستخرج هامش ربحي، أما الزيادات، فالوسيط هو مَن يصنعها حتى تصل للمستهلك بأسعارٍ مختلفة بشكل كبير عما نبيع به هنا فى السوق».

ويظهر أيضًا دور الوسيط بشكل كبير فى رفع أسعار الأسماك، فعقب حصوله فى المزاد على «شروة السمك»، يلجأ الوسيط إلى توزيع المنتج ما بين صِغار الباعة والفنادق والمطاعم، ليضع التسعيرة التى تحقق له أكبر نسبة من الربح.