ماراثون مبكر فى بريطانيا.. وسوناك يقامر بـ«المحافظين»

رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" و زعيم حزب العمال المعارض "كير ستارمر"
رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" و زعيم حزب العمال المعارض "كير ستارمر"

بعد أشهر من التكهنات حول موعد دعوته لإجراء انتخابات جديدة، وفى خطوة مفاجئة دعا رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، إلى إجراء انتخابات عامة فى الرابع من يوليو المقبل، فى استراتيجية محفوفة بالمخاطر فى ظل تأخر حزبه فى استطلاعات الرأي.

وهو تصويت يتوقع على نطاق واسع أن يخسره حزب المحافظين الحاكم أمام حزب العمال المعارض بعد 14 عاما فى السلطة. حيث تشير استطلاعات الرأى بحسب موقع «أكسيوس» الأمريكي، إلى أن حزب المحافظين يقف على حافة الهاوية، وذلك بعد تولى 5 رؤساء وزراء مقاليد الحكم فى السنوات الثمانى الأخيرة المليئة بالتقلبات منذ استفتاء «البريكست».

حصل سوناك (44 عاما) على إذن من الملك بحل مجلس العموم (البرلمان)، وهى السلطة التى يملكها رسميا العاهل البريطاني، رغم أن هذا القرار يعود فعليا إلى رئيس الوزراء. وقد تم تعطيل عمل البرلمان يوم 24 مايو ، وتم حله فى 30 من الشهر نفسه، وتوقف البرلمان الحالى عن الوجود رسمياً، وأصبح نوابه مرشحين ويتعين عليهم أن يعرضوا على الناخبين ضرورة إعادة انتخابهم. كما يستمر وزراء الحكومة فى مناصبهم ويمارسون مهامهم لحين تشكيل الإدارة الجديدة.

بدأ زعيما الحزبين حملتيهما الانتخابيتين سعيا لاغتنام الفرصة لمقابلة الناخبين وإيصال الرسائل التى يأملان أن تمنحهما مقاعد كافية فى البرلمان لتشكيل حكومة أغلبية.

ويسعى الحزبان لقيادة سادس أكبر اقتصاد فى العالم، والذى عانى لسنوات من النمو المنخفض والتضخم المرتفع ولا يزال يكافح من أجل إنجاح قراره لعام 2016 بالخروج من الاتحاد الأوروبي، ويتعافى ببطء من الصدمات المزدوجة المتمثلة فى (كوفيد-19) وارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب فى أوكرانيا. وهذه الخلفية تجعل الاقتصاد واحدا من أهم ساحات المعارك الانتخابية.

بدأت بريطانيا فى الخروج من «أزمة تكلفة المعيشة» التى شهدت ارتفاع أسعار السلع الأساسية منذ الحرب الروسية الأوكرانية فى 2022. وكان العديد من المراقبين يتوقعون إجراء الانتخابات فى الخريف، ربما فى أكتوبر أو نوفمبر، لكن يبدو أن سوناك يعتقد أن آفاق حزبه من غير المرجح أن تتحسن بين الحين والآخر، وربما كان يأمل أن يسمح له عنصر المفاجأة بسرقة مسيرة حزب العمال المعارض، بقيادة كير ستارمر.، وفقا لصحيفة «الجارديان».

فقد نجح ستارمر -المحامى السابق البالغ من العمر (61 عاما)- فى إعادة سياسة حزب العمال إلى الوسط بعد فترة من قيادة جناح اليسار للحزب وإخفاقه فى الانتخابات، ورسم صورة لحزبه باعتباره الحزب الذى سيحقق التغيير للناخبين الساخطين.

أظهرت استطلاعات للرأى أن حزب العمال حقق تقدما كبيرا على المحافظين منذ أشهر، ويتوقع معظم الخبراء فوزا مريحا نسبيا له.. ومع ذلك، يمكن للحملات الانتخابية فى بعض الأحيان تغيير النتيجة كما حدث فى عام 2017، عندما دعت رئيسة الوزراء المحافظة تيريزا ماى لإجراء انتخابات بينما كانت متقدمة فى استطلاعات الرأي، لكنها خسرت أغلبيتها بعد حملة كارثية. ثم كان عليها أن تحكم بالشراكة مع الحزب الوحدوى الديمقراطى فى أيرلندا الشمالية (DUP).

حزب العمال، بقيادة كير ستارمر المنتمى ليسار الوسط، والذى يعد بتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، يسعى للفوز بأغلبية برلمانية لأول مرة منذ عام 2010. بعد ان أدى الاقتصاد الراكد وسلسلة الفضائح التى شهدتها فترة حكم بوريس جونسون، بالإضافة إلى الفترة القصيرة التى قضتها ليز تراس فى منصبها، إلى تدهور شعبية المحافظين.

تعد حالة الاقتصاد البريطانى القضية الأهم بالنسبة لمعظم الناخبين اليوم، ويدعى كلا الحزبين أنهما قادران على توفير الاستقرار الاقتصادي، لكن حزب العمال يستطيع أن يشير إلى فترة الفوضى فى عهد سلف سوناك، ليز تروس، والتى ارتفعت خلالها أسعارالعقارات إلى مستوى قياسي، وسوف يسأل الناخبين ما إذا كانوا يشعرون بتحسن حالهم بعد 14 عاما من حكم المحافظين.. كما سيركز حزب العمال، وشعاره الرئيسى هو «التغيير»، على حالة الخدمات العامة، وخاصة الخدمة الصحية الوطنية، حيث نمت قوائم الانتظار بشكل كبير.وتعد الخدمة الصحية الوطنية، وهى نظام الرعاية الصحية الممول من الدولة، والذى يوفر رعاية مجانية فى جميع أنحاء البلاد، أولوية قصوى أخرى بالنسبة للناخبين.

وتأتي الهجرة فى المرتبة الثالثة فى قوائم الناخبين للقضايا الرئيسية، ويزعم كلا الحزبين أنهما متشددان فيما يتعلق بالهجرة، حيث وعد سوناك مرارا وتكرارا بـ «إيقاف القوارب»، لكن حزب العمال يقول إن خطته لإرسال الأشخاص الذين يأتون إلى المملكة المتحدة عبر طرق غير قانونية لإعادة توطينهم فى رواندا مكلفة وغير عملية.

كذلك يأمل الديمقراطيون الليبراليون، بقيادة إد ديفي، الذى كان وزيرا فى حكومة 2010-2015 فى السلطة إلى جانب المحافظين، فى تحدى حزب سوناك فى سلسلة من المقاعد فى جميع أنحاء جنوب المملكة المتحدة.

ويشغل العديد من هؤلاء الوزراء كبار الوزراء، بما فى ذلك المستشار جيريمى هانت، الذى يأمل الديمقراطيون الليبراليون فى إطاحته.

ويأمل حزب الخضر، الذى لديه نائب واحد فقط فى وستمنستر، فى الفوز بمقعد آخر فى مدينة بريستول، بالإضافة إلى مقعده فى برايتون بعد الأداء القوى فى الانتخابات المحلية الأخيرة.
أما الحزب الوطنى الاسكتلندي، الذى يناضل من أجل استقلال اسكتلندا، فهو الآن ثالث أكبر حزب، مع 43 نائبا. ولكن بعد فترة مضطربة شهدت مؤخراً استقالة زعيمه حمزة يوسف من منصب الوزير الأول فى اسكتلندا، يعلق حزب العمال آمالا كبيرة على الفوز بمقاعد من الحزب الوطنى الاسكتلندى فى اسكتلندا مما يساعده فى الحصول على الأغلبية فى جميع أنحاء المملكة المتحدة ككل.

من جانب آخر، أعلنت حملة الصوت العربى -وهى مبادرة موجهة لتعزيز مشاركة الجالية العربية فى بريطانيا- بدء التحركات والأنشطة استعدادا للانتخابات العامة.

ودعت الحملة -التى انطلقت فى فبراير 2024 مع أكثر من 120 شخصية- الجالية العربية بأسرها إلى التفاعل الجاد مع هذه الانتخابات، معتبرة أنها تمثل مرحلة فارقة فى تاريخ البلاد.
وقالت الهيئة -فى بيان- إن دعوتها تأتى «بعد تورط الحزبين الرئيسين فى بريطانيا بتأييد أفعال تمس الأمن والسلامة فى غزة، مما يستدعى ردا حاسما وواضحا من الجالية العربية».
ومع وجود تمثيل سكانى كبير للمسلمين والعرب فى العديد من الدوائر الانتخابية، أكدت الحملة على «أهمية استغلال هذا الثقل الديموغرافى لدعم المرشحين الذين يُظهرون موقفا جادا ومساندة لقضايا العرب والمسلمين».

وأشارت الحملة إلى أن «الغياب عن صناديق الاقتراع قد يؤدى إلى تعزيز مواقف المرشحين الأقل دعما والأكثر عداوة للقضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها غزة حاليا».
يُدعى الناخبون البريطانيون، لاختيار نائب عن المنطقة التى يعيشون فيها، ليصبح واحداً من 650 نائباً برلمانياً. ويحق التصويت لكل من تزيد أعمارهم على 18 عاماً، طالما كانوا مسجلين فى كشوف الناخبين ومواطنين بريطانيين، أو من تتوفر فيه شروط الجنسية البريطانية من مواطنى دول الكومنويلث أو جمهورية إيرلندا. ويجرى التصويت فى لجان محلية، تُقام فى الكنائس والمدارس. ويضع المصوتون علامة على اسم المرشح الذى يدعمونه، ثم يضعون الورقة فى الصندوق.

في بريطانيا، لا ينتخب الناخبون رئيس الوزراء بشكل مباشر. وبدلاً من ذلك، ينتخبون عضواً فى البرلمان (MP) لتمثيل دائرتهم الانتخابية المحلية. ويصبح زعيم الحزب الذى يفوز بأغلبية الدوائر الانتخابية، رئيساً للوزراء تلقائياً، ويمكنه تشكيل الحكومة، لكن شرط حصوله على أكثر من نصف عدد الدوائر أى 326 دائرة ما فوق. وإذا لم تكن هناك أغلبية، فيتعين عليه البحث عن تحالف مع قوى أخرى، بحيث يحصلان معاً على 326 مقعداً أو أكثر، لتشكيل حكومة ائتلافية.

وتحوى بريطانيا على 7 أحزاب بارزة منها «العمال»، و»المحافظين»، و»الأحرار الديمقراطيين»، و»الخضر»، والحزب الوطنى الأسكتلندي، والويلزي».

ورغم أن استطلاعات الرأى تتقلص فى كثير من الأحيان خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، يعتقد المحللون أن المحافظين سيتعين عليهم تحقيق شيء أقرب إلى المعجزة للفوز بالأغلبية، وفق «الجارديان».

وأصبح الحزب الوطنى الاسكتلندى الحزب الأكثر شعبية فى عام 2015، ما أدى إلى إزاحة حزب العمال فى اسكتلندا. لكن فضيحة التمويل ورحيل نيكولا ستورجيون كوزيرة أولى أضعفت دعم الحزب خلال العام الماضي.

وتشير استطلاعات الرأى الآن إلى أن حزب العمال لديه فرصة لتحقيق تقدم كبير فى اسكتلندا هذه المرة، الأمر الذى من شأنه أن يسهل طريق ستارمر ليصبح رئيساً للوزراء.

وإذا فاز حزب العمال فى الانتخابات بأغلبية مطلقة، فسوف يتحرك ستارمر بسرعة للإعلان عن فريق وزارى جديد، فى ظل سلسلة من التحديات الكبيرة التى يتعين مواجهتها على الفور تقريبا ــ بما فى ذلك استضافة قمة أوروبية كبرى فى قصر بلينهايم الريفى الإنجليزى فى الثامن عشر من يوليو.

وعندما سُئل سوناك عن خططه، أكد انه سيبقى لتمثيل ناخبيه فى دائرة يوركشاير الانتخابية فى ريتشموند. لكن الكثيرين فى وستمنستر يتوقعون، مثل ديفيد كاميرون، الذى وعد بالبقاء بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى واستقال بسرعة عندما خسر، أن يغادر سوناك البرلمان إذا خسر فى 4 يوليو.