عادل القليعي يكتب: الاجتهاد الفقهي وواقعنا المعاصر.

عادل القليعي
عادل القليعي

بداية هل نحن في حاجة لاجتهاد فقهي جديد يتواءم ويتماشى من متغيرات ومتطلبات العصر ،يتماشي مع التطور العلمي والتقني الحديث ويتوافق مع مستجدات الحياة وما يطرأ علي الساحة في كافة مناحي ومجالات الحياة المعيشة إقتصاديا وثقافيا وسياسياً وإجتماعياً ودينيا ،دون إخلال بثوابتنا وقيمنا ومبادئنا ودون إخلال بالنص الديني قرآنا وسنة بمعني إجتهاد لا يقوم علي لي عنق النصوص من أجل إرضاء مطلب معين يقودنا إلى إخراج النص من دلالته الحقيقية لا أقول إلى دلالته المجازية وإنما إلى دلالة إرضائية دنيوية نخسر معها الرضا الأخروي.
ما معني الاجتهاد ؟إعمال العقل في قضية معينة فقهية واستنباط أحكامها من القرآن والسنة بما فيه تقديم فتوى صائبة لا ضآلة ولا مضلة.
 حاجتنا ملحة في عصرنا إلى تجديد الفقه وفي ذلك يقول :محمد إقبال إن الإجتهاد يكسب الدين ديناميكية وحركية ،وهذا ما ذهب إليه مصطفي عبد الرازق في كتابه تمهيدلتاريخ الفلسفة الاسلامية من أن مبدأ الإجتهاد نشأ عنه علم الفقه وأصوله والذي يعني استنباط حكم مجهول من حكم معلوم.
 فالقرآن فتح باب الإجتهاد في كثير من الآيات فمثلا ذكر القرآن اعتزال النساء في المحيض وأن دم الحيض أذي لكن لم يزد علي ذلك اللهم إلا نهانا عن قربهن إلا بعد التطهر فلم يوضح الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة وترك المجال مفتوحا للإجتهاد الفقهي والطبي في هذه المسألة،وهذا موضوع استمراري .
وإذا كان الرسول صل الله عليه وسلم فقيه الأمة الأول ومعلمها الذي كان المرجع في الحيرة قد علم أصحابه كل شيئ حتي دخول الخلاء وأنه أنتقل إلى الرفيق الأعلى وأنه عندما بعث معاذا قاضيا علي اليمن قال له يا معاذ بما تحكم قال بكتاب الله وإن لم تجد، قال بسنة النبي قال له النبي وإن لم تجد قال أجتهد رأيي يا رسول الله .
فدعا له النبي صل الله عليه وسلم ،وها هو الصديق رضي الله عنه في مسألة مانعي الزكاة بعد النبي صل الله عليه وسلم وهؤلاء مسلمون فافتي بقتالهم قائلا والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه للنبي لقاتلتهم عليه أليس هذا اجتهاد .
وعبد الله بن عباس فقيه الأمة ألم يدعوا له الرسول صل الله عليه وسلم بأن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل.
وحينما طرح سؤالا على جمال الدين الأفغاني شيخ المجددين هل أغلق باب الإجتهاد بعد موت الفقهاء الأربعة، قال سبحان الله لكل عصر ضروراته ومستجداته ولو خرج هؤلاء الأئمة من قبورهم ورأوا حالنا لطوروا فتواهم بما يتوافق وما يعج به العصر من مستجدات (فقه الضرورة أو فقه الواقع)وهذا ما نتعرض له الآن في أيامنا هذه من أمور لم تكن موجودة قديما.
فلم يكن قديما التبرع بالأعضاء لإنقاذ مريض من باب التصدق من ناحية والحصول علي الأجر والثواب من الله من ناحية أخرى .
أو حتى أن يبيع الإنسان جزء من جسده كبيع إحدى كليتيه من أجل الإنفاق على ابنه الذي أصيب بمرض عضال وسدت كل الأبواب أمامه فلم يجد بد من فعل ذلك.
كذلك نجد إخراج صدقة الفطر في رمضان والحديث صحيح صاع من بر وصاع من تمر إلى آخر الحديث ألسنا بحاجة إلى تجديد الفقه في هذه المسألة فلما ونظرا للضوائق المادية التي يمر بها الناس فلما لا تجمع أموال ليشتري بها الفقير احتياجاته من ملبس ومأكل وانفاق على من يعولهم. 
لكن السؤال المهم من الذي يملك زمام الفتوى من الذي يتولي الإجتهاد واستنباط الأحكام هل كل من حفظ حديثا أو آية أو أطلق لحيته بهذا الشكل الذي نراه على كثير من المرئيات،هل كل من ارتدي جلبابا قصيرا وأمسك بسواك بيده وأم الناس في صلاة يتصدي للإجتهاد والفتوى وهو أبعد ما يكون وقد يصدر أحكاما قد تودي بصاحبها إلى الهلاك .
فذات مرة وكنت جالسا في إحدي المساجد وأتى رجل لما يسمي بالشيخ يقول له لقد حلفت علي زوجتي بالطلاق فرد عليه قائلا قد وقع طلاق عليك دون أن يسأله هل كانت نيتك تطليق زوجتك وخرج الرجل حزينا وخرجت خلفه وأوقفته يا أخي ما حالك مع زوجتك قال أحبها حبا كبيرا سألته هل كنت تنتوي طلاقها فعلا قال كنت أهددها فقلت له هو يمين وكفارته صيام ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم به أهل بيتك ولكن نصحته أن يستوثق من كلامي فلست فقيها وطلبت منه أن يذهب إلى لجنة الفتوي في مشيخة الأزهر. 
ثم ضوابط ينبغي أن تتوافر فيمن يتصدي للإجتهاد والفتوي أولتها ، أن يكون حافظا لكتاب الله تعالى .
ثانيتها ، أن يكون علي دراية وفهم وحفظ لاحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ثالثتها ، أن يكون على علم ومعرفة بسير الصحابة والسلف والتابعين.
رابعتها ، أن يكون ذا سمعة طيبة ويتميز بالصدق والأمانة والتواضع والشجاعة في الفتوي.
 خامستها ، أن يكون ممن يراقبون الله سرا وعلنا ولا يخشى في الحق لومة لائم.6- أن يكون من أهل الحل والعقد. 
ما أحوجنا في واقعنا المعاصر إلى تجديد فقهنا بما يتماشى مع  مستحدثات الأمور ومستجداتها.
نعم ما أحوجنا إلى  الإجتهاد في علوم الدين وتجديد الخطاب الديني .
ما أحوجنا إلى بيان موقف الفقه من التصوف والفلسفة.
 وموقف الفقه من الإتجاهات الفكرية المختلفة التى قد يكون في ظاهرها معارضة للدين لكن بكثير من التأمل والتفكير نجد أنه ليس ثم تعارض.
كذلك الإجتهاد في مجال الإقتصاد ونظام الحسبة في الإسلام ما له ما عليه، وغيرها من القضايا الحيوية التي تمس حياتنا  المعاصرة لعلنا نصل من خلال فقهائنا إلى حلول لكثير من قضايانا التى يظن البعض أنها عصية الحل، وإن كنت أرى أنه ليس ثم داء إلا وجعل الله له دواء.

أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربي ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.