حرب الموساد القذرة ضد الجنائية الدولية

هالة العيسوي
هالة العيسوي

" خاف على أولادك وحافظ على عيلتك"، " لا تغامر بحياتك من أجل قضية خاسرة لا ناقة لك فيها ولا جمل" ، " ستتحمل تبعات من يقف في طريقنا وحينئد لا تلومن إلا نفسك"  هذه جمل محفوظة تستخدمها العصابات وقطاع الطرق لتهديد الضحايا وابتزازهم.


الآن أرجو ألا تندهش حين تعرف أن هذه العبارات بنصها استخدمها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"  مع المدعين العامين للمحكمة الجنائية الدولية للتدخل في عمل المحكمة. ولا تستغرب لدى سماع أن أعلى المستويات الإسرائيلية، مثل رئيس الوزراء نتانياهو أبدوا اهتمامًا شخصيًا كبيرًا بعملية المراقبة للحياة الشخصية لكبار المسؤولين بالمحكمة، وأن  عملية إسرائيلية سرية استمرت تسع سنوات بتعبئة أعلى فروع الحكومة والجيش والاستخبارات والأنظمة القانونية في محاولة لعرقلة تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب.


لم يكذب كريم خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية إذن حين جاهر بتعرضه شخصيًا هو وأفراد أسرته وطاقم مكتبه للضغوط والتهديدات المباشرة من قبل جماعات صهيونية للتأثير على قراراته التي تمس إسرائيل. لم يكن الرجل واهمًا ولا به جٍنّة، فقد انكشفت الحرب القذرة التي يديرها الموساد ضد كل من تسول له نفسه المساس برؤوس الاحتلال. 


ولعل المتابعين للشأن الإسرائيلي مازالوا يتذكرون الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها وسائل الإعلام الإسرائيلية ضد المحامية الجامبية باتو بنسودا التي شغلت منصب المدعي العام الرئيسي في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي  قبل كريم خان حينما أعلنت في 2015 عن فتح تحقيق جنائي حول جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، وقد تزامنت فترتها في المنصب مع الفترة التي شغل فيها يوسي كوهين، منصب رئيس الموساد، لنكتشف أن تلك الحملة الإعلامية لم تكن سوى قمة جبل الجليد الذي يخفى أسفله أقذر الأساليب من مطاردة وابتزاز وتنصت واقتحام الحياة الزوجية للمدعية السابقة، بل وتواطؤ رؤساء دول أفريقية لإعداد كمين لها من أجل مقابلة كوهين.


هذه التفاصيل وأكثر كشفها قبل يومين التحقيق الموسع الذي قامت به صحيفة "الجارديان البريطانية"، بمشاركة موقع "سيحاه ميقوميت" الإسرائيلي، ومجلة" +972 " الإلكترونية؛ فضح فيها حرب إسرائيل السرية على المحكمة الجنائية الدولية والدور الخفي الذي لعبته المخابرات الإسرائيلية لعرقلة المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية لمحاولة إحباط التحقيق في جرائم حرب.


جاء في التحقيق الاستقصائي أن كوهين هدد باتو بنسودا، في سلسلة من الاجتماعات السرية، حاول خلالها الضغط عليها لوقف التحقيق في جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل، وأن كوهين كان بمثابة "الرسول غير الرسمي" لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. وأن هدف الموساد "كان محاولة 'تعقيدها'، إما من خلال 'ابتزازها' أو من خلال تجنيدها كشخص يتعاون مع مطالب إسرائيل". كوهين قال لها في وقت ما: "أنت بحاجة إلى مساعدتنا ودعنا نعتني بك. أنت لا تريدين الخوض في الأمور". قد يؤدي ذلك إلى تعقيد أمنك وأمن عائلتك." وأنه في إطار جهودها للتأثير على بنسودا، تلقت إسرائيل دعما مفاجئا يتمثل في رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية السابق جوزيف كابيلا، الذي "لعب دورا مركزيا في المؤامرة ضد المدعي العام".