هوليوود تبني هرمًا في مصر| 3 ملايين دولار تكلفة فيلم «أرض الفراعنة» عام 1954

خمسة آلاف شخص شاركوا في الفيلم
خمسة آلاف شخص شاركوا في الفيلم

■ قراءة: أحمد الجمال

هوس الغرب بالحضارة المصرية القديمة دفع العديد من صنّاع السينما العالمية إلى تصوير أعمال فنية عن مصر تحكى عن تلك الحقبة التاريخية المهمة، ومن بين هؤلاء مخرج هوليوود الشهير وقتذاك، هاورد هوكس، الذى جاء إلى مصر في عام 1954 لتصوير أول أفلامه بطريقة السينما سكوب تحت عنوان "أرض الفراعنة"، وأعلنت شركة "إخوان وارنر" وقتذاك أن تكلفة الفيلم 2 مليون دولار وبمراجعة بيانات الفيلم اتضح أن هذا المبلغ وصل إلى 2.9 مليون دولار وحقق أرباحًا 2.7 مليون دولار، وعُرض للمرة الأولى عام 1955 فى شريط مدته 144 دقيقة.. القصة بالتفصيل نشرتها "آخرساعة" قبل 70 عامًا، ونعيد نشرها بتصرف محدود فى السطور التالية:

على بُعد بضعة أميال من أهرامات الجيزة، وفى نهاية الشارع الذى يخرج من حقول قرية «زاوية العريان» إلى الصحراء المتاخمة لها، ويرتفع إلى قمة هضبة رملية، ستجد نفسك واقفًا على صفحة من تاريخ إحدى الأسر على عهد قدماء المصريين، وتستطيع أن ترى كيف تعيد هوليوود صناعة التاريخ، فى هذا المكان تلتقط عدسات شركة «إخوان وارنر» بعض مناظر فيلم «أرض الفراعنة» أو Land of the Pharaohs»».

والموضوع فى الواقع هو قصة بُناة الهرم، وتتركز الناحية التاريخية فى هذا الجزء من القصة، فالفيلم بطريقة السينما سكوب، لذا كان موضوع بناء الهرم وألوف العمّال الذين سُخِّروا فى بنائه، من أنسب الموضوعات للشاشة الضخمة.

◄ 2000 فلاح
في ذلك المكان الذي اختاره مخرج الفيلم هاورد هوكس لبناء الهرم الجديد، هرم هوليوود، تجد ألفين من الفلاحين المصريين الذين جمعتهم شركة «إخوان وارنر» من القرى المجاورة، يرتدون ملابس قدماء المصريين في دور بُناة الأهرام، وإذا كان هؤلاء الفلاحون لا يختلفون فى حياتهم الآن كثيرًا عن أسلافهم المصريين القدماء، فإن ذلك لم يفِد القائمين على إخراج الفيلم فى شيء، لأن الغالبية العظمى منهم لم تذهب إلى السينما، وبالطبع لا تفقه شيئًا اسمه التمثيل، وقد سبّب ذلك متاعب كثيرة، فمثلَا كان على الفريق الذى يشد الحبال لرفع الأحجار الضخمة أن يفهم أن الحجر فارغ من الداخل، ثم هو فى الحقيقة مصنوع من الجبس، ولذلك يجب أن يمثل كل واحد أنه يشد حجرًا ثقيلًا، لا أن يشده بالفعل وإلا طار الحجر.

وأكثر من ذلك، مسألة ارتداء ألفين من الفلاحين الملابس التاريخية، هذه فى نفسها عملية شاقة أخرى، ثم إنه حدث قبل انتهاء التصوير أن ظن البعض أن العمل قد انتهى فخلعوا ملابسهم، فما كان من الباقين إلا أن فعلوا مثلهم أيضًا، وبذلك انقلب المنظر إلى فوضى. وهذه الأمور وأمثالها كلفت الشركة كثيرًا، ويكفى أنها تكفلت فى إحداها حوالى 1500 جنيه.

◄ أشهر مخرجي هوليوود
وقد وضعت شركة واونر هذا الفيلم بين أيدى نخبة من أشهر الذين يعملون فى صناعة السينما في هوليوود وفي أوروبا ويبلغ عددهم 175 شخصًا، والقصة من تأليف وليام فوكنر الكاتب الأمريكى المشهور الذى حصل على جائزة بوليتزر فى الأدب، ومخرج الفيلم هوارد هولس من أشهر المخرجين، وهو رجل تبجله هوليوود وتقدره وهو من الذين يفضلون الأفلام الطبيعية على الملوّنة، ولكن هذه هى المرة الثانية التى تخلى  فيها عن مذهبه، فقدم عن الفراعنة فيلمًا ملونًا، وهو أول فيلم يصنعه على طريقة السينما سكوب.

أما نوبل هاورد فهو ساعده الأيمن فى هذا الفيلم، لا يتجاوز الثلاثين من عمره، ومعروف لدى استديوهات باريس وروما، فقد عاش فيهما زمنًا غير قليل.

ومع أن فارق السن بين هوكس ومساعده يقترب من 35 سنة، فإن هوكس لا يدع نوبل يمتاز عليه فى النشاط، فتجد الاثنين يغادران فندق «مينا هاوس» فى الساعة الثالثة صباحًا كلما تطلب العمل ذلك وقد يعودان إليه فى السابعة مساءً وأغلب الفنيين يعملون يوميًا حوالى 18 ساعة.

أما «مايو» فإنه أشهر مصممى ملابس الممثلين فى فرنسا وهو من أصل يونانى، وقد وُلِد فى مصر وعاش فى فرنسا، وطارت شهرته إلى هوليوود فاختاره هوكس للعمل فى «أرض الفراعنة».

◄ اقرأ أيضًا | حكاية أثر| مقتنيات المتحف المصري.. أباريق «نمست» وطقوس التطهير

◄ أصعب مشهد
و»راس هارلاند» وزميله «لى جرامس» يتوليان تصوير هذا الفيلم الضخم، وهما من أشهر المصورين السينمائيين فى هوليوود، ولا شك أن «أرض الفراعنة» يعتبر أكبر الأفلام حتى الآن، فهو الوحيد الذى أخرجته هوليوود وفيه خمسة آلاف شخص، وقد التُقِط هذا المنظر الذى ضم هذه الآلاف فى محاجر طرة لتصوير قطع الأحجار ونقلها.

وإلى جانب هذا الفريق الأجنبى من الفنيين، وضعت شركة وارنر يدها على كل منْ له خبرة فنية فى صناعة السينما المصرية، وكانت هذه فرصة عظيمة للمصريين أتاحت لهم الاشتراك مع عمالقة فن السينما الأمريكية ومع التفاوت الواضح بين الفريقين، فإن الفنيين الأمريكيين يشهدون بأنه إذا استمر تمرين نظرائهم المصريين، وإذا أنشأت مصر استديوهات ضخمة، فإن القاهرة تستطيع أن تصبح هوليوود الشرق، بل أكثر من هذا سوف تستطيع هوليوود أن تنتقل إلى مصر لتصوير عشرات الأفلام، ونظرًا لضيق الأستديوهات المصرية فإن العمل فى فيلم «أرض الفراعنة» ينتقل إلى روما لالتقاط المناظر الداخلية فى استديوهاتها التى تناسب هذا الإخراج الضخم.. أما مصر فقد قدمت كل المساعدات الممكنة، فمصلحة الآثار مثلًا وضعت أبرز رجالها فى خدمة هوليوود كلما احتاجت إلى استشارات فى تاريخ مصر القديم أو فى الآثار أو غير ذلك، وحتى الجيش المصرى أعار الشركة ألفين من الجنود للسير بانتظام فى الموكب الفرعونى.

◄ الملك خوفو
ودور فرعون (الملك خوفو) يمثله «جاك هاوكينز» الممثل الإنجليزى المعروف الذى نال أخيرًا جائزة الأكاديمية للتمثيل، والقصة تدور حول بناء الهرم، فقد انتصر فرعون على إحدى الدول وأسر الآلاف من أبنائها، وفى مقدمتهم مهندس كبير، ثم طلب من هذا المهندس أن يبنى له هرمًا، فقبل المهندس على أن يطلق فرعون سراح الأسرى ويحقق حرية بلده، وعلى هذا الأساس سخّر فرعون الأسرى وآلاف المواطنين، ولكن بناء الهرم استغرق سنين طويلة واستنزف كثيرًا من قوة البلاد وثروتها.

وكان رجال الدين يحببون إلى الناس بناء الهرم على أنه فريضة دينية، لكن أعوان فرعون كانوا فى آخر الأمر يضربونهم ويعذبونهم ويسخرونهم فى هذا العمل، ثم يعرف المعذبون أن فرعون يجمع ثروة طائلة ليدفنها معه، فتشب نار الفتنة، ويندلع لهيب الثورة على  الاستبداد والاستعباد.

◄ إنتاج ضخم
هذا هو ما يدور بجوار أهرامات الجيزة وعلى مقربة من قرية «زاوية العريان» فى الصحراء، وقد أنفقت شركة وارنر على إخراج الجزء الذى تم تصويره فى مصر حوالى  مليون دولار، وميزانية الفيلم حوالى ضعف هذا المبلغ (تشير بيانات الفيلم إلى أن تكلفة إنتاجه لامست 3 ملايين دولار)، وما يدل على ضخامة هذا الإنتاج أن الأفلام التى كلفت هوليوود مثل هذا المبلغ لا تزيد على أصابع اليد الواحدة.

والأثر الطيب الذى تتركه شركة وارنر وراءها فى مصر هو شيء غير المليون دولار الذى أنفقته فيها.. ذلك أنها استغلت منطقة أثرية لبناء الهرم الذى صورته واقتضى الأمر منها أن تزيل الرمال عن مقبرة كانت مصلحة الآثار قد حددتها لها، وقد فعلت الشركة ذلك وكشفت عن المقبرة الجديدة.

(«آخرساعة» 12 مايو 1954)