جولة الرئيس الصينى الأوروبية

الملفات الشائكة تعرقل الوصول لنتائج كبيرة

الرئيس الفرنسى أثناء استقبال الرئيس الصينى فى قصر الإليزيه
الرئيس الفرنسى أثناء استقبال الرئيس الصينى فى قصر الإليزيه

عامر تمام

رغم دلالاتها الهامة، لم تحدث جولة الرئيس الصينى شى جين بينغ اختراقات كبيرة فى الملفات الخلافية بين بكين والاتحاد الأوروبي، لاسيما موقف الصين من الحرب الروسية ـ الأوكرانية، والعجز فى الميزان التجاري، والاتهامات الأوروبية لبكين بإغراق السوق الأوروبى بالسيارات الكهربائية.


حظيت جولة الرئيس الصينى التى شملت فرنسا وصربيا والمجر باهتمام واسع فى وسائل الإعلام الصينية، من حيث دلالتها باعتبارها أول زيارة لشى إلى دول أوروبية منذ خمس سنوات، لكن فى نفس الوقت لم تروج الصين رسميا أو إعلاميا لاحتمال حدوث اختراقات كبيرة مع الجانب الأوروبي فى الملفات الشائكة بين الجانبين.


خلال زيارات مماثلة يتم الاهتمام بلغة الأرقام لتقديمها للرأى العام الداخلى والعالمي، على سبيل المثال، عدد الاتفاقيات التى تم توقيعها، التفاهمات الحقيقية التى تم التوصل إليها وتم صياغتها فى اتفاقات أو مذكرات تفاهم، بدا ذلك جليا خلال زيارة ماكرون للصين العام الماضي، حيث تم التوقيع على عدد من الصفقات المهمة فى مجالات الطاقة النووية والطيران والزراعة، رغم عدم النجاح فى إقناع شى بالعمل بشكل مشترك بشأن روسيا.


لكن هذه المرة كان الحديث عن النتائج بشكل عام من حيث ما يتعين على الطرفين فعله، وليس ما تم الاتفاق على فعله، وفقا لوكالة شينخوا الصينية الرسمية فإن الرئيس شى قال إنه يتعين على بكين وباريس دعم المنافع المتبادلة، ومعارضة أعمال الفصل وتعطيل سلاسل الصناعة والتوريد، ورفض بناء الحواجز التى تقيمها الولايات المتحدة. وأضاف شى أنه يتعين على الصين وفرنسا أيضا دعم الاستقلال والعمل بشكل مشترك على درء «حرب باردة جديدة» أو مواجهة بين الكتلتين. تصريحات شى جاءت بعد القمة التى جمعته مع الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لا تحمل اتفاقا أو توافقا بشأن قضايا رئيسية كانت على جدول الأعمال مثل ما تعتبره أوروبا دعما صينيا لروسيا فى حربها فى أوكرانيا، أو سبل معالجة العجز التجارى بين الصين والاتحاد الأوروبي، وكذلك الجدل حول السيارات الكهربائية الصينية، حيث يتهم الاتحاد الأوروبى حكومة بكين بمنافسة غير شريفة بسبب دعم الصين لقطاع تصنيع السيارات الكهربائية بهدف إغراق السوق الأوروبية بها.


يمكن تلخيص الهدف الأساسى من زيارة شى إلى فرنسا على وجه التحديد فى الرغبة فى تحسين العلاقات مع أوروبا ومنع حدوث المزيد من التدهور وسط المنافسة الأمريكية المتزايدة، بينما يسعى إلى تعزيز الشراكات مع المجر وصربيا فى إطار مبادرة الحزام والطريق، حيث يعمل فى المجر وحدها نحو 400 شركة صينية توظف عشرات الآلاف من العمال المحليين، ورغم أن هذه الاستثمارات غير كافية لتغيير السياسات الأوروبية الرئيسية تجاه الصين، لكنها يمكن أن تساعد على الأقل فى منع تدهور العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي.


وما يؤشر إلى أن الخلافات بين الطرفين لا تزال تراوح مكانها، تأكيد الرئيس الصينى على مواقفه السابقة الخاصة بحياد بلاده فى الحرب الأوكرانية خاصة بعد أن اتهمت واشنطن بكين بمساعدة موسكو فى إعادة بناء صناعتها الدفاعية. وقال شى فى مقال نشرته صحيفة لوفيجارو الفرنسية إن الصين ليست طرفا أو مشاركا فى الأزمة الأوكرانية، مشيرا إلى أن بلاده تلعب دورا بناء من أجل التوصل إلى تسوية الأزمة، وحذر من أن إطالة أمدها يزيد الضرر الذى ستلحقه بأوروبا والعالم. وما يؤكد تباعد وجهات النظر بين فرنسا والصين إعلان ماكرون فى الثانى من مايو إنه لا يستبعد إمكانية إرسال قوات إلى أوكرانيا إذا اخترقت روسيا الخطوط الأمامية الأوكرانية وتقدمت كييف بمثل هذا الطلب.
ورغم الخلافات سعى كل طرف لإقناع الآخر بمواقفه، ربما من باب إثبات المواقف، حيث حث ماكرون وفون دير لاين الصين على التوقف عن توريد المنتجات ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، بينما طلب منهم شى إيجاد طريقة معقولة لإنهاء الحرب فى أوكرانيا والبقاء مستقلين عن أمريكا عند اتخاذ قراراتهم.
وسعى شى إلى إقناع فرنسا أيضا بعدم دعم خطة الاتحاد الأوروبى للحد من واردات معدات الطاقة الجديدة الصينية من سيارات كهربائية أو ألواح شمسية، بعد اتهام الاتحاد الأوروبى للصين بمنافسة غير شريفة بسبب دعم الصين لقطاع تصنيع السيارات الكهربائية بهدف إغراق السوق الأوروبية بها، بل والتشكيك فى مدى نظافة السيارات الصينية بيئيا.
وبعد فإن نهج تقليل المخاطر الذى انتهجه الاتحاد الأوروبى لمعالجة الاعتماد الكبير على الصين اقتصاديا، أحد المشاكل التى تؤرق بكين، حيث تسعى دول الاتحاد إلى تقليل العجز التجارى بين الطرفين الذى يبلغ نحو 323 مليار دولار لصالح الصين، بينما تسعى بكين إلى التخفيف من عواقب موقف فرنسا بشأن هذه القضية.
وتدرك الصين حجم التحديات فى علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لكنها تسعى من خلال جولة شى إلى إثبات أنها لا تزال تتمتع بحلفاء داخل الاتحاد الأوروبى على الرغم من محاولات أمريكا تشويه صورتها فى جميع أنحاء القارة، على الجانب الآخر، رغم عدم الإعلان عن تحقيق نتائج كبيرة فإن القيام بهذه الزيارة فى حد ذاتها يعد أحد المكاسب المرضية بالنسبة للصين.