ما بين الأمثال والحكم والتنمية البشرية

النائب علاء عابد
النائب علاء عابد

يقول الله تعالى: (لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى، مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)

أي: لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم.

وهذه الاية تحديداً سبب لنجاح كل شخص وشركة أو دولة.

هناك ترابط قوى بين الأمثال والحكم الشعبية المتكرسة فى أذهاننا من أجدادنا وآبائنا وبين المفاهيم والظواهر التى تحدث الآن.

وكما أبدعت عقلية المصريين القدماء قصصًا أدبية رائعة مثل قصص «سنوحى» و«الفلاح الفصيح» و«البحار الغريق» وغيرها، فقد أبدعت أيضًا الكثير من الحكم والأمثال التى تبين مدى النضج الفكرى لدى المصرى القديم، وكانت هذه الحكم والأمثال تُكتب فى إطار تعليمى، فتبدأ -عادة- بكلمة «سبوبى» كعنوان لها، وتعنى: «درس أو تعليم»، وهى نصائح اكتسبت خبرة الحياة توجه وتقال فى عبارات بليغة موجزة حتى تحقق النجاح والفلاح فى الحياة لمن يسترشد بها.
فهذه نصائح «أمنمحات الأول» إلى ابنه «سنوسرت الأول»، والتى تُعد من القطع الأدبية، يقول «أمنمحات» لابنه:

«استمع لما أقول لك حتى تكون ملكاً على الأرض، احذر الاتباع ولا تكن وحدك، لا تثق فى صديق، إذا نمت فاحرس قلبك بنفسك، وعند الشدائد لن تجد الصديق. لقد أعطيت الفقير، فكان الذى طعم خبزى هو الذى خاننى».

ويقول «بتاح-حتب» أيضاً: «ويبقى صاحب الحكم العادل الذى يسير على خط مستقيم»، وهو ما يقابله فى أمثالنا الشعبية: «الحق أحق أن يُتَّبع» و«امشى عِدِل يحتار عدوك فيك». 

ومن حكم «عنخ شاشنقى»: «لا تتحدث بصوتين»، ويقابله «صاحب بالين كداب» و»زى المش، كل ساعة بوش»، وفى بردية لـ «عنخ شاشنقى»: «الشره لا يعطيك طعامًا»، ويقابله فى أمثالنا: «الطمع يقل ما جمع». ونجد فى نفس البردية المثل الفرعونى: «ما يضمره الإنسان يبدو على وجهه»، وهو يشبه المثل الشعبى: «الجواب بيتقرى من عنوانه».

من هنا يمكن أن تكون الأمثال والحكم هى الدافع الذى يحتاجه الإنسان لتحقيق نجاحه الشخصى والعملى. إنها تحتوى على حكم وعبارات قيّمة من تجارب الحكماء القدامى التى تعكس حكمتهم وتجاربهم فى مختلف جوانب الحياة. تعتبر هذه الأمثال والحكم مصدرًا ثريًا للحكمة والتوجيه فى مجالات تطوير الذات وتحقيق الأهداف الشخصية.

إن المعارف القديمة للآباء والأجداد تلتقى مع أمور عدة فى السلوكيات الإنسانية الشعورية واللاشعورية التى قدمها كبار علماء النفس أمثال فرويد وروجرز وماسلو وبافلوف، فالأمثال ترمز للمنشود لا للموجود، وهناك أمثال كثيرة تحض على القيم والخصال الطيبة، ولا تناقض أبداً بين الحضارة القديمة والموروث الشعبي.

ومن الأمثال الجميلة، «هذا الشبل من ذاك الأسد» و«اللى أتلسع من الشوربة بينفخ فى الزبادي» و»الصبر مفتاح الفرج» و«لا تُرمى بالحجر إلا الشجرة المثمرة» و«الكلاب تنبح والقافلة تسير» و«فى العجلة الندامة وفى التأنى السلامة» و«اشتدى يا أزمة تنفرجي» و«اتقِ شر من أحسنتَ إليه» و«اتقِ شر الحليم إذا غضب» و«إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا».

أعتقد أن لدينا فلكلورا وموروثا ثقافيا شعبيا جميلا ليتنا نعود إلى تلك الجذور علّها ترجع ثقافتنا الجميلة التى افتقدناها للأسف.