الجامعة العربية في قلب جهود وقف العدوان

أحد اجتماعات وزراء الخارجية بمشاركة وزير الخارجية المغربى والأمين العام للجامعة العربية
أحد اجتماعات وزراء الخارجية بمشاركة وزير الخارجية المغربى والأمين العام للجامعة العربية

«فلسطين قطر عربى لا يمكن أن ينفصل عن الأقطار العربية الأخرى، إذ هو القلب فى المجموعة العربية، ومصيره مرتبط بمصير دول الجامعة العربية ذاتها، ولذلك تعتبر قضية فلسطين جزءاً لا يتجزأ من قضايا القومية الأساسية».

تلك الكلمات، من نص قرار أول قمة عربية جاءت بعد عام واحد من إنشاء جامعة الدول العربية، وعُقدت بأنشاص المصرية فى 29 مايوعام 1946، وكان الملف الفلسطيني هو صلب جدول أعمالها، وموضوعها الرئيسى وقف العدوان على فلسطين والدعوة لتحرير الدول العربية من الاستعمار.. وبالنظر إلى التاريخ الطويل من العمل العربى تجاه القضية الفلسطينية وما انطوى عليه من لحظات مفصلية، هناك نجاحات عديدة تحققت لنصرة الفلسطينيين، وإخفاقات لازالت تقف أمام تجسيد حلم توحيد الكلمة العربية وتحقيق الأهداف القومية العزيزة للشعوب العربية.

يخطئ من يظن أن الجامعة العربية بعيدة عن جهود إنهاء الأزمة الفلسطينية ، أو عن مساعى إنهاء الحرب الإسرائيلية المستعرة على قطاع غزة التى قاربت من دخول شهرها الثامن.. فهذا «ظن السوء» بكل ما تحمله الكلمة من معان..

وقد أسهمت الحرب المستمرة على غزة التى كشفت بشاعة الاحتلال الإسرائيلى بشكل يفوق التصور واختلال المعايير العالمية على نحو فادح وفاضح - فى إعادة الاعتبار إلى مركزية القضية الفلسطينية لدى الشعوب والدول العربية على حد سواء، بما يدفع إلى بذل المزيد من الجهد المتضافر والعمل على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والشعبية من أجل إسناد الأشقاء الفلسطينيين وتعزيز صمودهم على أرضهم وتضميد جراحهم وإغاثتهم فى مواجهة بربرية الاحتلال ووحشيته، وتجسيد حقهم فى إقامة دولة مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. وفى المحافل الدولية، كان دعم الجامعة حاضراً وبقوة، ما أسفر عن توسيع دائرة الاعتراف الدولى بفلسطين من قبل الأمم المتحدة بصفة دولة مراقب، كما دعمتها قانونياً أمام محكمة العدل الدولية فى قضية بناء إسرائيل جداراً عازلاً فى الأرض الفلسطينية المحتلة، ثم فى قضية عدم شرعية الاحتلال، فضلاً عن دعم مطالبة فلسطين بإدانة المحكمة الجنائية الدولية لجرائم إسرائيل..

ويتضح من ذلك أنه رغم تعدد التحديات الداخلية والخارجية التى واجهت الدول العربية، فقد ظلت فلسطين هي قضية العرب المركزية الأولى بلا منازع.

على مدار العقود الماضية، لعب كل الأمناء العامين للجامعة العربية دوراً مهماً فى دعم قضية فلسطين وتنسيق جهود الدول العربية الأعضاء إزاءها.. ويتضح ذلك جلياً من خلال ما يقوم به أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة ، وكذلك السفير حسام زكى الأمين العام المساعد، من نضال دبلوماسى على مدار ستة أشهر ونصف فى مختلف الأصعدة الدولية والإقليمية والعربية، بما يسهم فى إنهاء الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين الأبرياء.

فمنذ اندلاع شرارة الأحداث بغزة فى السابع من أكتوبر الماضي، عقد مجلس الجامعة العربية اجتماعات ماراثونية، داخل القاهرة وخارجها، سواء على مستوى القادة العرب أو وزراء الخارجية أو المندوبين الدائمين؛ لبلورة موقف عربى موحد والاصطفاف لرفع المعاناة الإنسانية عن فلسطينيى غزة، ومواجهة المُحتل الإسرائيلى بقوة الدبلوماسية العربية، ومنع اتساع رقعة الصراع بمنطقة الشرق الأوسط واندلاع حرب إقليمية موسعة ومفتوحة، لا تُحمد عقباها.

إن مقاربة العرب فى تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مرهون بإرادة الطرفين وليس بإرادة طرف دون الآخر.. ويبدو جلياً أمام العالم أجمع الآن وبما لايدع مجالاً للشك، أن الطرف الإسرائيلى هو من لا يريد السلام.. فالمشكلة لم تبدأ من الأمس، ولا يمكن اجتزاء الوضع الراهن من السياق الزمني، وهو استمرار الاحتلال، ومنع الشعب الفلسطينى من إقامة دولته المستقلة على حدود 1967.. فخنق أى جهود للسلام، وحصار السلطة الفلسطينية، ومواصلة الاستيطان وقضم الأراضى بلا توقف، هى عوامل لا يمكن إغفالها اليوم.

مقاربة الجامعة العربية تقوم على ضرورة مواصلة العمل الدبلوماسى من أجل وقف الحرب على غزة، وضمان أن تُحاسب إسرائيل على الجرائم التى ارتكبتها.. وتؤكد دوماً، أن كل جهد دبلوماسى وعمل سياسى تبذله فى اجتماعاتها أو فى مختلف الأروقة الدبلوماسية والمحافل الدولية لوقف الحرب، لن يرقى بالطبع لمرتبة الجُرم المرتكب ولا لجلال التضحية التى يبذلها الفلسطينيون كل يوم من دمائهم وأبنائهم.. حتى وإن تغيرت المواقف العالمية التى تحركت بالتدريج ناحية الموقف العربى الذى تم اتخاذه منذ اليوم الأول، فهى استفاقة متأخرة لا تعفى من صمتوا لشهور من مسؤوليتهم عن اجتراء الاحتلال على الدم الفلسطيني، وعربدته فى القطاع قصفاً وقتلاً وتجويعاً وتشريداً.

ومقاربة «أبو الغيط» تقوم على مواصلة النضال فى كل الساحات الدبلوماسية والمحافل العالمية من أجل اقتناص أُفق سياسي لاستقلال فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لأنها الطريق الوحيد للسلام فى فلسطين وإسرائيل والمنطقة بأسرها.

أما «زكي» يؤكد دوماً أن الأولوية المُطلقة هى وقف فورى وشامل لإطلاق النار فى غزة، وإنهاء هذه الحرب التي تجاوزت كل حدود الإجرام، وقوضت الثقة فى منظومة القانون الدولى الإنساني.. ويبقى القول، إن الجامعة العربية هى الإطار الوحيد الذى يضم بداخله مختلف المسارات المؤسسية للعمل العربي، بما يجعل السعى إلى الوحدة العربية واقعاً ملموساً، وليس مجرد شعار سياسى أو هدف خالٍ من المضمون.. لا قِبل للدول العربية فى هذا الزمان بالتحرك فرادى فى عالم يتجه إلى التكتل، ولا يعترف سوى بالكيانات الكبرى، لا يزال أمام الدول العربية الكثير مما يمكن تحقيقه على صعيد العمل المشترك من أجل حشد الإمكانيات الهائلة للأمة العربية وتوجيه طاقاتها المتنوعة لخدمة الشعوب وتحقيق رفعتها، وفي المقدمة منهم بالطبع الأشقاء الفلسطينيين.. ولم تكن الجامعة العربية أبداً كالنعام التى تدفن رأسها فى الرمال، أو كضفدع فى قدر ماء يغلي، بل قاتلت كالأسود بسياسة غير مسبوقة وخاضت نضالاً دبلوماسياً موسعاً من أجل وقف الحرب على غزة ونصرة القضية الفلسطينية، وتحركت على مختلف المسارات السياسية والدبلوماسية وأيضاً الإنسانية، لرفع المعاناة عن الفلسطينيين.