ترتيب عصرى للمقاصد الخمسة

د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء
د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء

هناك خمسة مقاصد فى الشرع يجب أن نفهم الفقه من خلالها، تسمى المقاصد العليا أو (مقاصد المُكلَّفين)، وقد كان ترتيب الكليات الخمس على نسق معيَّن عند السلف، قد أدى دوره فى وقتهم، واستوعب جميع المسائل القائمة أو المحتملة فى أوانهم إلا أنه فى هذا العصر-مع سرعة تطور أنماط الحياة والانطلاقة الهائلة فى ثورة المعلومات والتقدم التقني- أصبح من الضرورى إعادة تشغيل هذه الكليات الخمس، ولكن بطريقة أكثر فاعلية مع مقتضيات ومتطلبات هذا العصر، وبذلك فنحن لم نخالف مناهج السلف فى ترتيبها، بل رتبناها بدرجة تسمح بتشغيلها أكثر مع معطيات الحضارة الإنسانية المتشابكة منذ بداية هذا القرن إلى الآن ولم نخرج عن أمر مجمع عليه.

الترتيب الذى نراه متوافقًا وهذا الاحتياج: حفظ النفس ثم العقل ثم الدين ثم العرض ثم المِلك.

1- حفظ النفس: حيث أمرنى الشرع الشريف أن أحافظ على نفسي، فيقول لى: إياك أن تنتحر، وإياك أن تقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، وإياك أن تهلك البشر.

2- حفظ العقل: فأمرنى أن أحافظ على عقلى فقال: إياك أن تشرب الخمر أو المخدِرات فهى تُذهب العقل فحافظ على نفسك واعيًا، وإياك ألاَّ تتعلم «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة»، إياك أن تكون جاهلا؛ بل تعلم كل شيء، حيثما وضعك الله فيه تعلم.

3- حفظ الدين: فيقول: إياك أن تكفر أو تفسق أو تخرج عن الربانية؛ فإنك إذا فعلت ذلك فالبركة ستُمحق وهدفك فى الحياة سيضيع ورؤيتك للدنيا ستختلف، وعندما تكون متدينًا لا تغرينك الدنيا لأنك تعلم أن هناك آخرة فلا تحقد ولا تحسد ويكون الأمر عليك سهلا عندما يُضيِّق عليك الله الأرزاق وكذلك عندما يوسع عليك فعندما ضيَّق لم تكفر وعندما وسَّع لم تنس الفقير وعمارة الأرض والتكافل الاجتماعي، تعيش راضيًا سعيدًا دائمًا.

4- حفظ العرض: ولذلك لا ننتهك الأعراض لأن انتهاك الأعراض من الكبائر؛ فحَرَّمَ علينا الزنا وحَرَّمَ علينا بداية الزنا وهو النظر بشهوة، ولا ننتهك الأعراض حتى بالكلام؛ فقذف المحصنات الغافلات يستوجب ثمانين جلدة فى ظهر القاذف، حتى لو أن ثلاثة رأوا واحدًا يزنى بعينهم وهم ناس أتقياء وهو رجل فاسد لا يستطيعون قول شيء أمام القاضي!

فلابد أن يكونوا أربعة أى أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا أن نستر ولا نفضح، ويقول رسول الله : (من ستر على مؤمن فى الدنيا ستر الله عليه يوم القيامة) أى يريد أن ينهى هذا الأمر ويبين للناس أننا لسنا ملائكة ولكن المعصية موجودة، ولكنه يقول لى أيضًا انسها وابدأ فى التوبة، وهذا ليس تغابيا، ولكنه محاولة لتعظيم الذنب؛ أى هذا الذنب كبير جدًا يصعب عليّ تصديقه على أخى المسلم، وإن كنت أصدق بقلبى فلا ينطق بهذا لساني، لأن هذا محاولة لدرء الفساد فى المجتمع ومحاولة لإحداث شفافية عند الناس وأن هذه الأمور أمور كبيرة لا نستهين بها ونتكلم فيها كأنها شيء سهل جدًا! لا.

فهذا شيء خطير جدا وينبغى علينا دائمًا أن نستر ونقول استر واسكت فى هذا، فإن كان كل هذا الستر مطلوب لمثل هذا الذنب وهذا معناه أنه مصيبة من المصائب وفعله كبيرة من الكبائر وفاحشة من الفواحش، ولذلك أمرنا بالحفاظ على العرض ابتداءً بالكلام وانتهاءً بحرمة الزنا والعياذ بالله..

فما بالنا بمجتمعات تبيح الشذوذ المُقَزِّز، فهذا ليس قلة ديانة فقط بل قلة عقل أيضًا، تُعرض علينا من اليمين والشمال -الاتحاد الأوروبى.. غرب أمريكا..

شرق أمريكا- رابطة تريد أن تنشأ لمثل هذه المعاصى القذرة التى أهلكت البشر، الناس أُصيبت بالجنون فليس عندها وعى بدينها ولا إيمان بربها «أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» فالبهائم لا تفعل هذا، فصاروا إلى درجة أخس.

إذن أحافظ على نفسى ثم على عقلى حتى استوعب فالعقل مناط التكليف ثم دينى والتكاليف التى كلفنى بها ربى ثم عِرض وكرامة الإنسان «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ» ثم بعد ذلك أتوصل إلى:

5- حفظ المِلك: وهو الذى به قوام الحياة وعمارة الدنيا «هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» أى طلب منكم إعمارها.

د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء