«الطفولة تُقتل».. كيف أثر العدوان على أطفال غزة بـ200 يوم؟ 

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مرت 200 يومًا منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تحولت فيهم حياة الأطفال إلى جحيم يتخلله الخوف المستمر، وحُرموا من راحة النوم في منازلهم بعدما سلبهم العدوان الإسرائيلي مكان عيشهم ومدارسهم وألعابهم وأحلامهم وصحتهم وحتى ذويهم، وأصبحوا يخشون من إغلاق أعينهم كل ليلة، مع هدير الصواريخ والانفجارات المدوية.

اقرأ أيضًا: «شهادات الموت والرعب والأمل».. أهل غزة يصفون 200 يوم من الحرب | خاص

واجه أطفال غزة تحديات وظروف هائلة خلال 200 يوم من الحرب الغاشمة، فتراكمت الصعوبات عليهم بسبب حجم الخراب الذي يحيط بهم، لتتفاعل صدماتهم النفسية مع أصوات القصف والصواريخ التي تلاحقهم أينما ذهبوا، هؤلاء الناجون يتخذون من اللحظة لحظة.. يعيشون يومًا بيوم يذوقون مرارة الحرب والفقدان والفاجعة، يتكبدون صدمات نفسية جراء مشاهد الرعب التي تعتريهم، ويتسلل الخوف إلى قلوبهم ويستقر في عقولهم كظلام لا ينقطع.


آثار الضغوط النفسية على أجيال القطاع بسبب الحرب

«لا مكان آمن في غزة».. هكذا قال أهالي القطاع الذين تتأرجح أرواحهم على حافة الكابوس، فالحرب الطاحنة تلوح في الأفق، تاركة وراءها أطيافا من الدمار، منهم من اضطروا للبقاء في منازلهم المدمرة، وآخرين انتقلوا جنوبًا هربًا من الخطر والقصف الإسرائيلي الغاشم، يتقاطع مصيرهم في رحلة صعبة عبر طرق مليئة بأطلال الحروب والجثث المتناثرة على جوانبها.

وتغزو مرارة الحرب غزة بألم يفوق الوصف، وتعاني النفوس والأجساد من جروح لا تشفى بسهولة، وتظل التحديات النفسية الصعبة تلاحق الناجين، تاركةً آثارًا طويلة المدى على جميع فئات القطاع، خاصة الأطفال الذين يتألمون تحت وطأة أضرار الحرب الجسدية والنفسية، يواجهون تحديات الفقر وسوء التغذية وفاجعة فقدان أفرادٍ من عائلاتهم، تنبثق أمراض نفسية واجتماعية تتراوح بين الاكتئاب واضطرابات القلق وتدهور العلاقات الاجتماعية وربما أكثر من ذلك بكثير. 

ويعاني الكثير من أطفال غزة الصغار الذين تأثروا بالمِحن خلال الحرب على غزة من الأشكال الخفيفة من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، وكذلك من اضطرابات شديدة مثل الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، والاكتئاب الشديد، والقلق الشديد، واضطراب ما بعد الصدمة الشديد، واضطرابات عقلية شديد الخطورة، الذي يمكن أن يضعف قدرتهم على العمل والبقاء على قيد الحياة في حالات الطوارئ.

وأوضح المستشار الإقليمي لأمراض الصحة النفسية في منظمة الصحة العالمية، خالد سعيد: أن "معظم الأشخاص المتأثرين بحالات الطوارئ يعانون من مشاكل عديدة مثل مشاعر القلق والحزن واليأس وصعوبة النوم والتعب أو الغضب، ومن المتوقع أن يتضاعف معدل انتشار الاضطرابات النفسية الشائعة مثل الاكتئاب والقلق خلال الأزمات الإنسانية"، حسبما أفادت "بي بي سي".

كيف شردت الحرب أطفال غزة وفصلتهم عن أهلهم؟

وفي سياق متصل، يكون بعض الفئات أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية ناجمة عن التعرض لصدمة الحرب، وهم الأطفال خاصة أولئك غير المصحوبين بذويهم البالغ عددهم نحو 17,000 بمن فيهم الأيتام، والذين فقدوا أفراد أسرتهم الذين كانوا يرعونهم، واللاجئين والنازحين.

وتعد هناك أسباب أخرى تجعل الأطفال أكثر عرضة للاضطرابات النفسية خلال الحرب، مثل تعرضهم لأحداث أو صدمات شديدة مثل خسارة أفراد الأسرة المقربين أو تأثر سبل عيشهم بأكملها، أو شهادتهم لفظائع القتل والتشويه، أو وجود إعاقات أو اضطرابات جسدية أو عصبية أو عقلية شديدة موجودة مسبقًا.


معاناة الأطفال بحروق وبتر للأطراف إثر الحرب

كان بعض المصابين الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض في غزة، قد دفعوا ثمنًا آخرًا لهذا العدوان، إذ فقدوا أجزاءً من أجسامهم وخضعوا لعمليات بتر لأطرافهم سواءًا لأرجلهم أو لأيديهم، وكانت الحلقة الأضعف في هذا السياق هم الأطفال الذين أثقلت هذه التحديات القاسية كاهل بنيتهم الضعيف.

وفي ذات السياق، أكد المدير الإقليمي للصحة العالمية، أحمد المنظري، على أن تعطل عمل مستشفيات قطاع غزة أسفر عن هشاشة كبيرة في النظام الصحي بالقطاع، وذلك بسبب تجاوز الطاقة الاستيعابية لها، مشيرًا إلى أن هذا الوضع يضعف القدرة على تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمرضى.

وكشف المنظري، عن الوضع الإنساني الصعب في قطاع غزة، وقال إن نحو مليوني نازح في غزة يفتقدون لمأوى بسبب تدمير منازلهم أو نزوحهم منها، مضيفًا أن هناك أعباء هائلة تثقل كاهل الأطفال، الذين تضرر كثيرون منهم بحروق وبتر للأطراف، مما يتطلب إجراء عمليات جراحية في ظروف صعبة.


كيف أثرت الحرب على سلوك أطفال غزة؟

عانى الأطفال في قطاع غزة على الصعيدين النفسي والاجتماعي بشكل كبير عقب الحرب الأخيرة التي اندلعت في 7 أكتوبر الماضي، وعاش هؤلاء الأطفال تحت ظلال قصف متواصل ومُرعب، وكانوا شهودًا على رحيل أحبائهم وانهيار أُسرهم، حتى نُزعوا من بيئتهم الطبيعية ومن مدارسهم في وسط هذا الصراع، لتترك هذه الحرب آثارًا سلبية عميقة على نفوسهم الصغيرة.

وتعرض أطفال قطاع غزة خلال 200 يوم من الحرب على غزة، الذين يعيشون في ظروف استثنائية وصعبة جراء هذه الحرب، لمشاكل نفسية كبيرة، حيث تغيّر نمط نومهم بشكل جذري، ويصعب عليهم النوم بسبب أجواء الرعب والقلق الذي يعيشون فيه لتزيد من وحشة لياليهم.

كما يعاني هؤلاء الأطفال من أعراض صدمة شديدة، بسبب مشاهد القتل والدمار التي يَرونها كل لحظة  وكل يوم، وذلك حسبما أفادت صحيفة "الجارديان" البريطانية. 

ومع استمرار الحرب على غزة، يتعرض المراهقون أيضًا لاضطرابات في سلوكهم، بسبب الأوضاع التي أُجبروا عليها، مما يؤثر هذا بشكل سلبي على تطورهم النفسي والاجتماعي.

ندبات أطفال غزة «الخفية» زادت جراحهم النفسية الجديدة

وقال أطباء في فلسطين في ذلك السياق، "إن الأطفال بدأوا يعانون من أعراض خطيرة مرتبطة بصدمات نفسية شديدة، مثل التشنجات والتبول في الفراش، والخوف الشديد، والسلوك العدواني، والعصبية، وترابطهم بوالديهم لا يفارقونهم، وأكدوا أن هذه السلوكيات توضح الآثار النفسية والعاطفية القاسية التي يتعرضون لها نتيجة للحرب المستمرة على القطاع.

وقبل تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية الأخيرة، كان ثلث الأطفال في غزة بالفعل في حاجة إلى دعم نفسي بسبب التوترات والصدمات النفسية المرتبطة بالنزاعات السابقة، إلا أن هذه الحاجة ازدادت بشكل كبير جراء الأحداث الأخيرة أيضًا، مما أدى إلى زيادة حادة في احتياجات الأطفال إلى خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي.

الحرب تسلب أطفال غزة منازلهم وألعابهم وأحلامهم

كان أطفال غزة شهودًا على الدمار والخراب الذي يُخلّفه القصف، وعلى رؤية منازلهم ومدارسهم وملاعبهم تتحول إلى ركام، يعيشون بين لحظة وأخرى وهم في حالة طوارئ دائمة، يتعلمون كيف يبحثون عن الأماكن الآمنة وكيف يتعاملون مع الخوف والقلق.

حتى الألعاب والأنشطة التي كانوا يستمتعون بها أطفال غزة تم استبدالها بأوقات الرعب والتوتر، ليعيشوا اليوم في جو من القلق والخوف الدائم، كما أنه تسبّب انقطاع الكهرباء والمياه ونقص الإمدادات الأساسية، في زيادة صعوبة الحياة اليومية لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم.

«مرارة الجوع».. موت ببطء لأطفال غزة

ويعيش سكان القطاع المنكوب، تحت ظلال 200 يوم من حرب غزة، لتتفاقم المآسي بشكل مروع في كل اتجاه، ليظل الأطفال هم "الحلقة الأضعف" في هذا الصراع الدامي تُلاحقهم آفة الحرب والحصار، وكشفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الأشهر الماضية وجهًا آخر من المأساة الإنسانية وواقع مرير يتربص فيه الموت بأطفال غزة بين جنبات المعاناة، محاصرين بين طلوع شمس الجوع وغروبها مع قصف متواصل يهدد حياتهم كل لحظة.

فالعديد من الأطفال يستلقون اليوم داخل المستشفيات المتبقية في القطاع، التي لم تتعرض للقصف الإسرائيلي، وعيونهم غائرة وأجسادهم هزيلة، مستسلمة لظروف تجعلهم يصارعون من أجل البقاء بسبب سوء التغذية والجفاف، ويموتون ببطء أمام أعين ذويهم.

ووفقًا لأرقام منظمة "اليونيسيف"، فإن أكثر من 11 ألف طفل استشهدوا منذ بدء الحرب الإسرائيلية الغاشم، ولكن الموت ليس الشيء الوحيد الذي يتربص بحياة أطفال غزة، فالجوع يهدد حياتهم أيضًا، حيث لم تتحمل أجسادهم الصغيرة مرارة الجوع في ظل انعدام كل مستلزمات البقاء على قيد الحياة.

ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يمكن أن تشهد غزة مزيدًا من الوفيات بسبب سوء التغذية، حيث يعاني 1 من كل 6 أطفال دون سن الثانية في شمال القطاع أسوأ أنواع سوء التغذية الحاد في العالم. 

وفي جنوب القطاع المكلوم، حيث تصل المساعدات بشكل أفضل نسبيًا، فإن 5% من الأطفال دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية الحاد أيضًا، وذلك بحسب شبكة "سكاي نيوز" البريطانية.

كما كشفت الإحصائيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، عن تفاقم معاناة الأطفال في غزة مع تزايد عدد الأيتام والأطفال الذين فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن عائلاتهم بسبب الحرب الدامية، وأفادت التقديرات بأن حوالي 17 ألف طفل أصبحوا في هذه الحالة المأساوية حتى اللحظة.