أمس واليوم وغدًا

عصام السباعي يكتب: سلاح الحب والتفاؤل

عصام السباعي
عصام السباعي

ملاحم لا حصر لها، وقصص عديدة للانتصارات، وعبور الانكسارات، أفردت كتب التاريخ لها فصولًا عديدة وصفحات موسعة، تتحدث عن بطولات المصريين عبر السنين، فى مواجهة الأزمات ومقاومة الغزاة، وصناعة ما يشبه المعجزات فى النهوض وتجاوز النكسات، وأنا من الذين لديهم قناعة تصل لدرجة اليقين، بأن تلك المعجزات سببها مجموعة من القيم التى تتناقلها الأجيال، شأنها شأن الجينات التى تنتقل من الآباء والأجداد إلى الأبناء والأحفاد، ويمكننا أن نضع أيدينا على أهم تلك القيم والجينات، وفى مقدمتها الدفاع عن الأرض والعرض، وسرعة تجاوز النكسات والنهوض فى أسرع وقت، والأهم التلاحم وقت الأزمات بين الناس وبعضهم البعض بمختلف فئاتهم وتصنيفاتهم، وكذلك بينهم وبين جيشهم، والصبر على المكاره، وتأكيد أواصر الحب بين الناس، والبِشر والتفاؤل بأن الفرج قريب دائمًا، وأن الوطن فوق الجميع، وأن قمة الرجولة هى التضحية من أجل الآخرين، وأن أسمى درجات المواطن الصالح، هى أن يكون لديه يقين بأن الله سوف ينصره عاجلًا أو آجلًا، وسيكون مع الحق والخير والجمال، ويزهق الباطل ويخذل المتشائم ويخزى الأشرار، وأن يكون مصدرًا للخير وسببًا لنشر التفاؤل بين الناس، وليس التشاؤم الذى يعنى الهزيمة قبل أن تبدأ الحرب، والاستسلام من قبل أن ندخل المعارك، والسقوط من قبل أن نتقدم أى خطوة للأمام.

الحب والتفاؤل من الأسلحة الرئيسية التى يعتمد عليها الشعب المصري في معاركه المختلفة عبر العصور، منذ الأسرة الثالثة، عندما قام الملك زوسر ببناء أول جيش موحد لمصر، وظهر الحب والفداء فى أجمل ما يكون فى قصة حب رائعة أتمنى لو جسدتها الدراما المصرية، وجمعت بين الملكة «أياح حتب» وزوجها «سقنن رع الابن» الذى يعد أول شهيد فى سبيل الاستقلال فى العهد القديم، واستكمل الكفاح ابنه البطل «أحمس الأول»، طارد الهكسوس من وادى النيل، مرورًا بمعركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبى ضد الصليبيين والتى كانت مشاركة المتطوعين المصريين فى صفوف الجيش بارزة، وأحد أسباب الانتصار، ثم معركة المنصورة التى انتصر فيها المصريون على حملة لويس التاسع ملك فرنسا، وكانت فى ظرف صعب مات فيه سلطان البلاد، ونفس المعنى ظهر فى دحر التتار بمعركة عين جالوت واستمر ذلك حتى تلك الأيام التى نعيشها، حيث كنا شهود معارك العدوان الثلاثي، والعبور العظيم فى 6 أكتوبر وما سبقها من حروب الاستنزاف، وهو الانتصار الذى جاء بعد انكسار كبير تجاوزه الشعب والجيش، وقدما أكبر ملحمة وأعظم انتصار فى العصر الحديث، كما كان الشعب المصرى صانع ثورة 30 يونيو ضد جماعات الظلام، ومحرر البلاد من الإرهاب، وهى ملحمة سيتوقف أمامها التاريخ الإنساني، ويسجل بفخر كيف نجح ذلك الشعب بجميع مكوناته، فى النهوض، واستعاد صلابته وتلاحمه مع جيشه، ونجح فى أصعب الظروف من أن يستعيد دولته قبل أن تسقط.

أكتب تلك الكلمات وسط مستجدات متعددة تهدد استقرار المنطقة، ومتغيرات على مستوى أكبر، تنبئ بميلاد أو «انفجار» نظام إقليمى أو عالمى جديد، ويهمنى ونحن وسط كل تلك الظروف الداخلية والإقليمية والعالمية، أن نتمسك بأفضل ما فينا وفى جيناتنا التى انتقلت لنا عبر الأجيال، نعم الشعوب تنهض بالعلم والعمل والإنتاج، ونحن نسير على ذلك الطريق، لكن المؤكد أن كل ذلك لا قيمة له إذا لم يتم فى بلد متماسك، بلد يحترم فيه الجميع حقوق الآخرين، وتربطهم مواثيق الحب، لا يعيش فيها كاذب ولا ينجح فيها أبداً أى دخيل فى نشر الأكاذيب التى تفرقهم، أو يجد فيها الضالون المضلون أى مجال لنشر رياح التشاؤم، وسموم الإحباط بين الناس، وليسمح لى كل مصرى ومصرية، بأن أذكره بضرورة الحفاظ على ما يجمعنا ولا يفرقنا ونحن ننطلق متكاتفين من أجل طلب العلا لأهلنا ولوطننا، وأن يكون حريصًا على أن يكون شجرة طيبة لا تنبت شراً أبدا، ولا تثمر ما يجعل الناس سكارى من كؤوس الإحباط.

الوطن يخوض معارك كبري، وأضعف الإيمان أن نتمسك بسلاح الحب، ولا نتخلى أبداً عن سلاح التفاؤل، وأن نبتعد دائمًا عن أى مصدر للتشاؤم، ووسط العشرات من مصادر المعلومات التى نتعرض لها، يجب أن نسمع بعقولنا ونحكم على ما نتلقاه بضميرنا وبما يحقق مصلحة بلدنا وأولادنا.. أرجوك لا تكن أبداً خنجرًا فى ظهورنا. 

ودائمـًا ودومـًا وأبدًا.. تحيا مصر.

◄ بوكس

 كن واعيًا عاقلًا، ولا تكن مغيبًا، تثير التشاؤم، تنشر الشائعات، وتنثر الإحباط، وتبذر الخوف.