طهران تل أبيب وبينهما واشنطن.. مثلث الأزمة والبداية اختطاف سفين

جنازة أعضاء الحرس الثورى.. جريمة إسرائيلية جديدة تشعل المنطقة
جنازة أعضاء الحرس الثورى.. جريمة إسرائيلية جديدة تشعل المنطقة

قد لا نبالغ إذا قلنا إن العالم قبل الهجوم الإسرائيلى الذى طال القنصلية الإيرانية فى دمشق فى الأول من إبريل الحالى يختلف بشكل كامل عما بعده.. فمنذ ستة أشهر أو يزيد وعواصم العالم تعيش على كابوس عنوانه (وحدة الساحات) وخروج العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة باعتباره جزءا ومرحلة من صراع طويل بين إسرائيل والفلسطينيين وسلسلة من عدوان تكرر بصفة شبه دورية لمحيطه إلى الدائرة الإقليمية ودخول أطراف أخرى فيها وحقيقة الأمر أنه كان هناك اتفاق ضمنى غير مكتوب بين تلك الأطراف على الوصول إلى حافة الهاوية والتوقف عندها ونجحت إيران فى استخدام بعض الجماعات المحسوبة عليها فى المنطقة فى إشغال إسرائيل دون الدخول كأطراف، شاهدنا الالتزام الدقيق (بقواعد الاشتباك) بين إسرائيل وحزب الله ودخول جماعة الحوثى مؤخرا طرفا فى الأزمة عبر استهداف السفن الإسرائيلية العابرة من مضيق باب المندب واستهداف بعض المناطق في إيلات شمال البحر الأحمر، كما رصدنا هجمات محدودة للجماعات الشيعية فى العراق لبعض القواعد الأمريكية هناك ورد واشنطن المحدود عليها كل ذلك وطهران فى موقف المدافع عن مواقفها بالتصريح والتلميح بأن هذه الجماعات صاحبة قرارها واستهوت اللعبة واشنطن فذهبت باتجاه تبرئة طهران من العديد من العمليات  . ولكن تل أبيب نتنياهو كان لها رأى آخر، فهى تجيد لعبة الهروب إلى الأمام وتتحرق شوقا إلى توريط واشنطن فى الصراع خاصة بعد أن زادت الضغوط الأمريكية على تل أبيب بمنع غزو رفح ووقف مؤقت للعدوان والدخول فى وقف مؤقت لإطلاق النار حتى وصلنا الى شبه فراق بينه والإدارة الأمريكية والتلويح بإجراءات وفى الأول من إبريل قرر نتنياهو الذهاب إلى خلط الأوراق عندما قرر الهجوم على مبنى ملحق بالقنصلية الإيرانية فى دمشق أسفر عن مقتل ١٧ شخصًا من بينهم العميد محمد رضا زاهدى وهو أحد قادة فيلق القدس التابعة للحرس الثورى الإيراني وسبعة ضباط كبار ونجحت تل أبيب فى تحقيق ما خططت له، تغير الموقف الأمريكي تماما وأعلن دعمه لإسرائيل ضد أى هجوم إيراني عليها واستنفرت قواتها فى المنطقة، كما فرضت على طهران إما عدم الرد فتفقد معها مصداقيتها تماما أو تلجأ الى الرد وقد يتحول بالفعل الى حرب إقليمية إذا تم استهداف أهداف داخل  إسرائيل من إيران أو تكتفى باستخدام الجماعات المحسوبة عليها فى الرد. .  الموقف جد خطير ويطرح العديد من الأسئلة والاستفسارات وكونها هل يتم استهداف المصالح الأمريكية والتداعيات المتوقعة على أمن واستقرار المنطقة، هذا الملف محاولة للإجابة عن كل  ذلك ويطرح السيناريوهات المطروحة.

وكعادته حينما تهدده الأزمات، يهرب نتانياهو إلى الأمام فرارًا من التفاف الحبل حول عنقه. هو الآن يعانى من وضع شبيه بوضع جولدا مئير رئيسة الوزراء السابقة  قبل 50 عامًا، فهو يواجه بعد مرور نصف قرن، نفس المزيج من الغضب الشعبى والطريق المسدود السياسى الذى واجهته مئير عندما اقترب عيد الفصح عام 1974.

فعند ظهيرة اليوم الرابع من عيد الفصح اليهودى عام 1974،  خرجت جولدا مئير من اجتماع مجلس الوزراء، وتوجهت إلى مقر إقامة الرئيس إفرايم كاتسير، وقدمت استقالتها. لم يكن أمام نتانياهو سوى خيارين: إما الاستقالة بلياقة أو الرحيل فى خزى.

اقرأ أيضًا | « أهل كايرو» ضحكة من القلب و«لمة حلوة»

لكن هذا ليس نتانياهو المتمسك بالسلطة والملتصق بمقعده. فحين لم تؤت الحرب على غزة ثمارها الموعودة إسرائيليًا، وتزايد الضغط الداخلى للمطالبة بالإسراع فى عقد صفقة لاستعادة الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس ووقف القتال، ولم يؤد استهداف عائلة القيادى اسماعيل هنية واستشهاد أبنائه وأحفاده إلى التأثير على موقف حركة حماس ودفعها للتخفيف من شروطها لعقد الصفقة، وبدأ الدعم السياسى الدولى لإسرائيل يخبو، ويتلقى الإدانات واستهجان أصدقائه، ويتعرض لضغوط الولايات المتحدة؛ الحليف الأول والراعى الرسمى لجرائمه، اندفع لاستفزاز طهران بقصف قنصليتها فى دمشق مما أسفر عن مقتل القائد فى «الحرس الثوري» الإيرانى فى دمشق، محمد رضا زاهدى، فى تصرف يستدعى ردًا إيرانيًا حتميًا.



تمامًا  كما فعل حين ضاقت حوله حلقات الاحتجاجات الداخلية على مشروعه المسمى بالإصلاح القضائي، والاتهامات بالفساد وهددت بقاء حكومته استغل عملية طوفان الأقصى قبل  ستة أشهر ليندفع إلى تدمير غزة بحجة الثأر  والقضاء على حكم حماس فى القطاع. وسريعًا حصد التفافًا جماهيريًا، وتمكن من رأب الصدع السياسى بذريعة الخوف على الأمن القومى.

فى يقين المراقبين أن نتانياهو ليس بالحماقة التى تدفعه إلى تصرف غير محسوب نحو إيران، بل إنه اصطاد عدة عصافير بحجر واحد، فقد استعاد فورًا الدعم الأمريكى والالتزام الأبدى بحماية أمن إسرائيل، وتمكن نسبيًا من تسخين العلاقة بين واشنطن وطهران، وتوارت فى الخلف  المناقشات حول غزة  واقتحام رفح، وتخفف من الضغوط الخارجية للتوصل إلى تسوية فى مسألة الرهائن.

وبدلا من العمل على الاعتراف بدولة فلسطينية كعضو كامل بالأمم المتحدة، شتت انتباه العالم وحوله إلى خطر التهديد بالرد الإيرانى الذى قد يشعل المنطقة بدلًا من النظر بموضوعية إلى أنه هو البادئ بالعدوان؛ لتتصدر المشهد شيطنة الرد الإيرانى المحتمل، ويتضاعف الشحن الداخلى فى إسرائيل لتغذية الهاجس الأمنى لدى الجمهور الإسرائيلي، ويفلت هو من ضغط مظاهرات الاحتجاج فى الشارع الإسرائيلى ويبقى فى مقعده شهورا أخرى.