شهاب طارق: هل تمنح القيادات الجديدة قبلة الحياة للآثار المشطوبة؟

قصر ميخائيل لوقا الزق بأسيوط
قصر ميخائيل لوقا الزق بأسيوط

قدمَّ المتخصصون فى العدد السابق من «أخبار الأدب» رؤيتهم حول أبرز القضايا الملحة خلال الفترة المقبلة بالنسبة لملف الآثار خصوصًا بعدما تم الإعلان مؤخرًا عن استبدال بعض القيادات داخل المجلس الأعلى للآثار. أبرز هذه التغييرات كان تعيين الدكتور محمد إسماعيل خالد رئيسًا للأعلى للآثار بدلًا من الدكتور مصطفى وزيري.

كان من ضمن المطالب الرئيسية التى طرحت ضرورة التوقف الفورى عن شطب أى مبنى أثرى خلال الفترة المقبلة، بل وإعادة النظر فى جميع قرارات «الشطب» التى اتخذتها وزارة الآثار خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا أن مسلسل شطب الآثار لم يتوقف منذ عام 2018، ولم تقدم الوزارة بدورها أية إجابات مقنعة حول دوافعها وراء شطب المبان الأثرية. أخر ضحايا عمليات الشطب كانت «قبة الشيخ عبدالله» الأثرية الواقعة بمنطقة عرب آل يسار، والتى هدمت حتى قبل اكتمال إجراءات الشطب الرسمية! فهل يجوز الأمر من الناحية القانونية، وما أبرز المبانى المرشحة؟ 

ووفقًا للمادة 14 من قانون حماية الآثار لسنة 1983 فإنه يجوز بقرار من الوزير المختص وبناء على اقتراح «مجلس إدارة» الهيئة وبعد أخذ رأى «اللجنة الدائمة» للآثار شطب تسجيل الأثر الثابت أو جزء منه، وينشر قرار الشطب فى «الوقائع المصرية».

أما المادة الـ36 من اللائحة التنفيذية لقانون حماية الآثار فقد شرحت المسألة بشكل أوسع إذ أوضحت أن الأثر يشطب إذا فقد خصائصه الأثرية بـ«الكامل» وفقًا لما تقرره «اللجان الفنية المختصة». لكن على الجانب الآخر فما حدث على أرض الواقع كان العكس تمامًا فقد اعترضت معظم اللجان الفنية على إجراءات شطب الآثار وأوصت بترميمها، إلا أنه جرى استبعاد توصياتها ورأيها الأثرى وتقرر شطب العديد من المبانى وهدم بعضها الآخر.

اقرأ أيضاً | باحث بجامعة القاهرة يحصل على درجة الدكتوراة في المسؤولية الجنائية عن استخدامات الذكاء الاصطناعي

أبرز المبانى الأثرية التى شطبت فى السنوات الأخيرة كان «الحمام العثماني» بقنا إذ جرى هدمه بالكامل وتحويل أرضه لـ«جراج»! كذلك تم شطب «قبة الشيخ عبدالله» بقرار اللجنة الدائمة وهدمها بالكامل. وقد تم أيضًا شطب «محلج محمد عليّ» بفوة، والاعتداء على موقعه. وتم اتخاذ إجراء شطب «منزل عبد الواحد الفاسي» الواقع بحى الموسكى والإبقاء فقط على السبيل الموجود بالمنزل (تم دفع مبلغ 33 مليون جنيه لترميمه منذ سنوات!) وتقرر البدء فى إجراءات شطب أجزاء من «حديقة الأسماك» الأثرية بهدف تحويل أجزاء منها لـ«جراج» قبل أن تتراجع الوزارة عن المشروع فى نهاية الأمر.



كما تقرر شطب «قبة مصطفى بك جاهين» الواقعة بمنطقة الإمام الشافعي، بسبب اندثارها بعدما سقطت فى عام 2016 نتيجة تركها لسنوات بدون أية أعمال صيانة أو ترميم. وجرى كذلك شطب «مدش مرزا» الأثرى بمنطقة بولاق بسبب اندثاره بعدما هدم فى عام 2013 بواسطة «لودر» مع وعود وقتها من جانب الآثار بإعادة بنائه مرة أخرى. كذلك تم شطب «قصر ميخائيل لوقا الزق» وهو أحد النماذج النادرة لعمارة القصور فى أسيوط (لم يهدم حتى الآن). وأيضًا جرى شطب محطة القطار الملكية بكفر الشيخ والتى أنشأها الملك فؤاد فى عام 1934 (لم تهدم أيضًا حتى الآن).

إجراءات فورية
الدكتور محمد حمزة الحداد عضو مجلس إدارة المجلس الأعلى للآثار سابقًا والعميد السابق لكلية الآثار جامعة القاهرة طالب بضرورة التوقف عن أية أعمال شطب مستقبلية مع ضرورة إعادة تسجيل المبانى الأثرية مرة أخرى. يقول: لست مع إعادة بناء ما تم هدمه مثل «قبة الشيخ عبدالله» الأثرية، لكن من الضرورى اتخاذ إجراءات فورية من جانب قيادات الوزارة تجاه من وافقوا على الهدم مثل: مدير عام منطقة آثار القلعة، ورئيس القطاع الآثار الإسلامية السابق، والأمين العام السابق لأن القبة فى حكم الأثر.

وأطالب بضرورة تشكيل لجنة لمراجعة جميع القرارات التى اتخذت فى السنوات الأخيرة، وإعادة تسجيل المبانى القائمة مثل «قصر ميخائيل لوقا الزق» بأسيوط و«محطة القطار الملكية» بكفر الشيخ خصوصًا أن المحطة الملكية تعد أحد النماذج المعمارية الفريدة لمحطات القطارات الملكية الباقية، فهذه المبانى لم تفقد أيًا من خصائصها المعمارية، وبالتالى فقرارات شطبها «باطلة».



وعن إجرءات إعادة التسجيل أوضح أنها تمامًا مثل إجراءات الشطب؛ أى تحتاج لقرار من اللجنة الدائمة، ثم قرار مجلس الإدارة، يعقبه قرار الوزير المختص، ومن ثم نشر القرار فى الوقائع الرسمية. «لذلك نحتاج من قيادات الوزارة الحالية إصدار قرار فورى لإعادة النظر فى جميع القرارات المتعلقة بالشطب وتقييم حالة كل مبنى عبر لجان معاينة متخصصة تضم المتخصصين من أبناء الوزارة وأساتذة الجامعات المصرية، وإعادة تسجيل المبانى الأثرية المشطوبة مرة عبأخرى».

يذكر أن قصر ميخائيل لوقا الزق أنشأه الخواجة لوقا الزق مع بدايات القرن الـ20 وعرف عن صاحبه أنه  ‬ كان مزارعًا وتاجرًا، واشتهر بتجارة ريش النعام والأقمشة.

وقد أحب الظهور والتعبير القوى عن نفسه وهذا ما انعكس تمامًا على تحفته المعمارية، فقد استعان فى عملية بناء القصر بمهندسين متخصصين فى العمارة الإيطالية، وشيده على طراز الباروك المستحدث وهو طراز معمارى ظهر مع نهاية القرن التاسع عشر كطراز إحيائى لعمارة الباروك التى كانت تنتشر فى أوروبا فى القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر، وعرف عن هذا الطراز التكلف زخرفيًا، فأغلب مناطق الواجهات فى هذا الطراز تحوى إما تكسية أو زخرفة أو لونًا مميزًا، ونظرًا لأهمية القصر من الناحية المعمارية والزخرفية تم تسجيله فى عام 1998 بقرار رئيس مجلس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري.‬‬‬
عانى القصر منذ تسجيله بسبب تجاهل ترميمه، إذ أثبتت المحاضر الرسمية وجود تكسير متعمد لبعض حوائطه، وهنا صدر أمر إدارى بتشكيل لجنة لمعاينته وقد اتفق أعضاء اللجنة أن القصر لا يزال يحمل كافة الزخارف والنقوش التى سجل بناء عليها، وأنه يحتاج لترميم عاجل لدرء الخطورة عنه، وتم تشكيل العديد من اللجان الأخرى التى أوصت بترميمه، لكن قررت اللجنة الدائمة فى عام 2021 شطبه وتجاهل رأى جميع التقارير الفنية!

النجاة من الهدم
أما بالنسبة لمحطة القطار الملكية بكفر الشيخ فقد أنشأها الملك فؤاد على بعد خطوات من قصره هناك، وصممت اعتمادًا على الطراز الكلاسيكى فى العمارة.

وقد سجلت ضمن المبانى الأثرية فى عام 1992، وظلت حالتها جيدة منذ تسجيلها، لكنها احتاجت لبعض الترميمات خلال السنوات الأخيرة، وبناء عليه وافقت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية فى عام 2018 على إعداد مقايسة لتأهيلها وترميمها. وبعدها بعامين، أى فى عام 2020 أرسل محافظ كفر الشيخ خطابًا لوزير الآثار يطلب منه الموافقة على ترميمها على حساب المحافظة، وتطويرها بهدف خدمة سكان المنطقة، وأشار إلى أن عملية ترميمها ستكلف المحافظة 450 ألف جنيه، وقد وافق بالفعل الأمين العام السابق مصطفى وزيرى فى مارس من عام 2020 على ترميممها. إلا أنه فى أكتوبر من العام نفسه أرسل المحافظ طلبًا جديدًا لوزير الآثار يطالبه بشطب المحطة الملكية نتيجة معاناتها من عدم الترميم لسنوات وخوفه من استغلالها من جانب الخارجين عن القانون، ومن ثم قررت الوزارة إرسال لجان أثرية رفضت جميعها الشطب بسبب سلامة المبنى وإمكانية ترميمه، إلا أن اللجنة الدائمة اتخذت قرارها فى النهاية بشطبها بحجة فقد «الصلة المكانية» بسبب وجود عدد من المبانى التى تفصل بين قصر الملك والمحطة!

الدكتور وليد البحيرى أستاذ الآثار الإسلامية وعميد كلية الآداب بكفر الشيخ، قال إن ما منع هدم المحطة أنها -لحسن الحظ- مسجلة ضمن المبانى التاريخية ذات الطراز المعمارى المميز بالمحافظة، أى أن هناك جهتين تملكان حق الشطب، «وبالتالى فقد رفضنا داخل لجنة المحافظة - أنا أحد أعضائها - شطبها، وقد وقفنا ضد محاولة هدمها قبل أن تنقلب الصورة بشكل كامل ويقرر وزير النقل بالتعاون مع محافظ كفر الشيخ ووزارة الاتصالات إعادة إحياء المبنى واستغلاله مرة أخرى كمبنى للبريد، وجرى ترميمها منذ أشهر قليلة بالكامل والمحافظة على شكلها المعماري، وبالتالى أطلب من وزارة الآثار إعادة تسجيلها».

يذكر أيضًا أن لجنة المبانى التاريخية ذات الطراز المعمارى المميز فى أسيوط كانت قد رفضت أيضًا شطب «قصر ميخائيل لوقا الزق»، إذ طالبوا بضرورة ترميمه كونه أحد النماذج المعمارية الفريدة داخل المحافظة.