أوراق شخصية

د. آمال عثمان تكتب: تنطلق من صرح إبداع عمره ٦٠ عاماً دراما رمضان تسطر صفحات جديدة فى ذاكرة التاريخ

الشركة المتحدة فى دراما رمضان 2024
الشركة المتحدة فى دراما رمضان 2024

رحيل حسن الصباح لم يكتب نهاية لأفكاره المترسخة فى الجماعات الإرهابية

سيدة الخيال تمنح نفسها عُمْراً جديداً وتُعيد لأساطير ألف ليلة وليلة سحرها

هذا موسم ليس كأى موسم .. فما قدمته الشركة المتحدة فى دراما رمضان 2024 يبدو سطرا جديدا مضيئا فى حكاية المسلسلات المصرية، تلك «الصنعة» المحلية الأصيلة التى علمت الوطن العربى فنون الابداع من شواطئ الخليج الدافئة وصولا إلى جبال أطلس الساحرة، قدمت الشركة المتحدة وجبة درامية متميزة ومتنوعة استحقت عنها العلامة الكاملة فى إرضاء الجمهور المصرى والعربي، أعمال درامية ذاع سيطها خارج حدود القطر العربى لتصل أصداؤها شرقا وغربا، طارحة قضايا فكرية واجتماعية هامة.

منها من فتش فى أوراق التاريخ وأعاد قراءته ليكشف حقائق الفكر المتطرف أمام الأجيال الجديدة، ضرب مسلسل «الحشاشين» جذور الإرهاب منذ ولادته قبل ألف سنة، أصل وفصل الحكاية منذ ميلادها، وشرح وفسر عقلية باعثها الذى باع روحه للشيطان، تشريح تاريخى درامى بقلم وكاميرا ووجوه مبدعين مصريين كانوا دائمًا أهلا لمعركة استعادة الوعى.

ومن التاريخ إلى قضية القضايا تنقلت دراما «الشركة المتحدة» بروح وطنية رسمت ملامحها حدود الأمن القومى والدور المسئول الذى تلعبه مصر تجاه أشقائها فى فلسطين المحتلة، فجاء مسلسل «مليحة» ليكون العمل العربى الوحيد هذا العام الذى تناول أبعاد القضية الفلسطينية فى قالب درامى شيق، حلق برسالته فى وجدان الشباب والأطفال ليعرفوا حقائق التاريخ المسكوت عنه، ويفهموا بوعى وضع الواقع الذى تعيشه الأمة المصرية والعربية، وحجم التحديات التى تواجهها الدولة المصرية فى الدفاع عن حقوق أشقائها..

ولم تغفل الشركة المتحدة مخاطبة كافة الأذواق، فغاصت بأعمالها فى مزاج الحارة المصرية، لتنقل عبر شاشاتها حكايات درامية بمذاق شعبي، يحقق عنصر الترفيه دون ابتذال أو اسفاف، فبين مسلسلى «حق عرب» و «المعلم» نقلت قصص الأبطال الشعبيين بروح عصرية ممتعة، مستخدمة أحدث التقنيات فى التصوير والاخراج، مقتحمة قلوب المشاهدين بنجوم تتمتع بشعبية كبيرة بين الكبار والصغار.

بين أعمال الثلاثين حلقة وشقيقاتها من مسلسلات الخمس عشرة حلقة، كان التحدى كبيرا، والتنوع حاضرا، والابداع مترسخا فى أنامل وعقول أبناء المهنة وخلفهم شركة وطنية تحمل على عاتقها مسئولية الوعى والتنوير والترفيه لأكثر من مائة مليون عقل مصرى وعشرات الملايين من العقول العربية .. لتبقى مصر صاحبة الريادة عبر التاريخ فى صناعة الدراما التليفزيونية.

انطلق صُناع الدراما الرمضانية من صرح إبداع عمره 60 عاماً، لاستكمال رحلة مضيئة قطعها مبدعون سابقون، تركوا بصماتهم فى سجل مليء بأعمال فنية عظيمة محفورة فى ذاكرة التاريخ، وأضاءوا الشاشات الصغيرة بدراما تليفزيونية، رصدت ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية على امتداد الوطن، ورسّخت مناخاً ثقافياً وفكرياً، أفرز أجيالاً من المبدعين فى كافة مجالات فنون الدراما، وصنع أحد أهم أدوات قوة مصر الناعمة وأعادت لها مكانتها وأمجادها.

استعاد المشهد الدرامى مكانته الأثيرة بامتياز، وعرف كيف يستأثر بعقل ووجدان المشاهدين، ويستحضر موسماً رمضانياً غنياً بأعمالٍ متنوعة ومتميزة، وقضايا متعددة وجريئة وراهنة، فتحت الباب على مصراعيه أمام الجدل والنقاش وإعمال العقل، وحققت المتعة الفكرية والبصرية للمتلقي، وقدّم إنتاجات فنية ضخمة، وضعت الدراما التاريخية والملحمية والخيالية على خارطة المنافسة الإقليمية والعالمية بقوة، وشجعت الكتاب على إطلاق العنان لخيالهم الإبداعي، واقتحام أفكارٍ وموضوعات كانت عصية على الخروج من حيز الورق.

ولا أخفيكم سراً أن الاختيار من بين هذا المزيج الدرامى المتميز، لم يكن أمراً يسيراً فى هذا الموسم الرمضاني، ومتابعتى لهذا الكم الكبير من الأعمال التى تستحق المشاهدة، ظل يمثل لى صعوبة بالغة، والمفاضلة بين عشرات الأعمال متعددة الرؤى والأفكار، وتحليل وتقييم عناصرها الفنية ومكامن قوتها وضعفها، مما فرض عليَّ إقامة إجبارية طول شهر رمضان، وكانت المعضلة التى واجهها النقاد فى هذا الموسم الرمضاني، هى الإيقاع السريع والأحداث المتلاحقة لمسلسلات الخمس عشرة حلقة، التى أفسحت المجال لمسلسلات جديدة فى النصف الثانى من رمضان، ورحمت المتلقى من مشاهد المط والتطويل، وهو ما كنا نطالب به منذ سنوات، فى عصر يصارع الزمن.  

تميز الموسم الرمضانى بمنح فرص حقيقية للمبدعين الشباب، وإعطائهم مساحات كبيرة لتأكيد مواهبهم، استطاعوا من خلالها إظهار إمكانياتهم وقدراتهم على إيجاد مكان لهم وسط النجوم وكبار المبدعين، ومثلما فتحت الشاشة أبوابها للشباب، أفسحت المجال لفنانين كبار منسيين، فرضتْ عليهم أعمارهم الجلوس سنوات فى منازلهم، وحققت بهم الأدوار المساعدة والثانوية مذاقاً مختلفاً واكتسبت حضوراً طاغياً، مثل الفنانين رشوان توفيق، ميمى جمال، وألفت إمام، وفتوح أحمد، ونادية شكري، ومجدى فكرى وغيرهم.

كما حققت الأعمال الكوميدية قفزة كبيرة، ونجحت فى رسم الضحكة والبسمة البعيدة عن الإسفاف والابتذال والتهريج، وطرحت قضايا اجتماعية، ومشاكل أسرية تلمس الواقع، وتحترم عقول المشاهدين، «بابا جه» الذى يناقش أهمية دور الأب ومسئوليته فى حياة الأبناء، و«أشغال شقة» ويتناول مشاكل وأزماتٍ يومية تواجهها الأسرة فى رحلة البحث عن خادمات ومربيات للمساعدة فى الأمور المنزلية ورعاية الأطفال، ومسلسل «فراولة» الذى عُرض فى النصف الثانى من الشهر، و«كامل العدد+1» .

حكايات سيدة الخيال 

مازالت سيدة الخيال تمنح نفسها عمراً جديداً، وتهب وهج حياتها سطوعاً متجدداً، تبهرنا وتمتعنا بفصاحة لسانها وغرائب وطرائف حواديتها، المُرصعة بجواهر أفكارها القادمة من الزمن البعيد النادر، وتجذبنا بعجائب حكاياتها المنسوجة بعناية فائقة لتسلب الألباب، وتنتصر على السيف بالحكايات، ومهما طال غياب شهرزاد، يظل شهريار مشدوهاً ومتشوقاً لليلة جديدة، تُشعل لذة المعرفة وشهوة الغموض، وتشبع فضوله وتطفئ شوق الانتظار، بما تخفيه شهرزاد فى جعبتها من عالم الخيال، وفؤاده معلق بجملتها الشهيرة: «بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد»، التى افتقدنا سحرها بصوت الفنانة الراحلة «زوزو نبيل» وافتقدنا معها الحنين لسيمفونية شهرزاد للموسيقار الروسى ريمسكى كورساكوف، والأساطير وسير البطل الشعبي، وفانتازيا الخيال التى تمنحنا لحظات فريدة من المتعة والإبهار والتشويق والإثارة، وارتبطت ذاكرة طفولتنا وشبابنا بها عبر الراديو والتليفزيون. 

 لذا كانت أجمل مفاجآت النصف الثانى من رمضان، عودة ألف ليلة وليلة فى إنتاج درامى ضخم، يعيد بناء دنيا الحكاية، ويمنح هذا النوع من الفانتازيا والأساطير سحرها اللائق، ويحمل اسم بطل الحكاية «جودر» الفتى المصرى الشجاع، ليمتد شوق وفضول الأجيال الجديدة لتلك الحكايات الشرقية القديمة، والتى لا تعرف عن ألف ليلة وليلة سوى عنوانها، وربما تمنحهم الرغبة فى سبر أغوار عمل متفرد، استلهم الغرب من أفكاره كثيراً من إبداعاته. 

صاغ الكاتب المبدع أنور عبد المغيث الحكاية المصرية، وأخرجها إسلام خيرى برؤية بصرية شديدة الإبهار والجاذبية، مع ألحان عزيز الشافعى الذى نقلتنا موسيقاه الى عوالم سحرية، وساهمت الديكورات واختيار مواقع التصوير الخارجية، والأزياء والإكسسوارات فى تحويل المشاهد إلى لوحات فنية، وبرعت زوايا وكادرات التصوير وإضاءاتها فى خلق عوالم خيالية وأجواء ساحرة، جعلتها الخدع والمؤثرات البصرية الاحترافية تنبض بالحياة على الشاشة. 

جسد النجم ياسر جلال ببراعة شخصية الملك شهريار، وكذلك شخصية البطل الشعبى «جودر بن عمر المصري»، صاحب الشهامة والمروءة، الشجاع الذى يدفع الظلم عن الضعفاء، ويصارع مؤامرات الإنس والجن، واستطاع أن يسبر أغوار الشخصيتين، ويعطى لكل منهما مفرداتها وتفاصيلها، وبرعت النجمة «نور» فى تجسيد شخصية الساحرة الشريرة «شواهي» الكاهنة من أبناء طائفة الشمعيين، توظف فنون السحر الأسود من أجل الحصول على الكنوز الأربعة، فى حين جاء اختيار الفنانة «ياسمين رئيس» لتجسيد دور شهرزاد غير موفق، وأداؤها غير مقنع، فكانت أشبه بنغمة نشاز فى المسلسل! بينما كان تواجد الفنانين المخضرمين إضافة كبيرة ومنح أداؤهم مصداقية كبيرة للعمل، مثل: رشوان توفيق، عبد العزيز مخيون، وفاء عامر، ومحمود البزاوى، وغيرهم.
نهاية شيخ الجبل

كتبت الحلقة الأخيرة من مسلسل الحشاشين، النهاية المأساوية لشيخ الجبل الداهية الماكر المغرور، ذهب عقله وأصُيب بحالة من الجنون والاضطراب النفسي، بعد أن ضحى بكل أحبابه، فى سبيل أحلامه وأهدافه ورسالته المزعومة، قتل ابنه وزوجته، وفقد ابنه الهادى بعد أن جعله أميراً ووريثاً لعرشه، لكنه خسر كل شيء، وظل حبيس غرفة معزولة فى قلعة «ألموت» مملكته المظلمة الظالمة، أدرك سيد القلعة أنه أكبر عدو لنفسه، وظل يشتهى الموت ويشتاق إليه، يصارع شيطانه، ويبحث عن نفسه التى مازالت تتأرجح بين الحقيقة والأساطير، رحل حسن الصباح زعيم الحشاشين أخطر وأكثر الفرق الظلامية دموية فى التاريخ الإسلامي، واستمرت جماعته قرنين من الزمن، لكن أفكاره مازالت حاضرة حتى العصر الحالي، تستمد منها الجماعات المتطرفة دستورها ومنهجها، وتخرج من عباءتها الجماعات التكفيرية المنتسبة للدين الإسلامي.

وأود هنا الإشارة إلى براعة الكاتب المبدع عبد الرحيم كمال فى الكشف عن نشأة حسن الصباح، ودوافع شخصيته وأفكاره ومعتقداته الضالة، وذلك على امتداد الحلقات، دون أن يفرض من بداية الحلقات رؤيته الشخصية، أو الانحياز لجانب من المؤرخين دون آخر، طرح الأبعاد النفسية والاجتماعية والفكرية للشخصية، وحرّض داخل المتلقى العديد من التساؤلات والاستفسارات وعلامات الاستفهام، ونجح فى أن يقدم لنا جذور تلك الظاهرة وأسبابها، ظاهرة الرجل الداهية العاشق لذاته، الذى استطاع أن ينشر الرعب والفزع، ويسفك دماء ملوك وأمراء ووزراء ورموز دينية وفكرية، ويهدم ممالك ويهزم جيوشاً، ويبسط نفوذه وقوته من مراكش إلى تخوم الصين!

ومن خلال بناء درامى متماسك ومحكم، وسرْد بصرى أزاح الستار عن العالم السرى لجماعة الحشاشين، وعن الشيطان الذى يختبئ خلف رداء ملائكي، لإفساد العقول وتشويه الأفكار، والسيطرة على الأفئدة، وإقناع أتباعه بتنفيذ أوامره وأهوائه وألاعيبه الدموية، وجسد الفنان كريم عبد العزيز ببراعة الشخصية واستطاع الولوج إلى إهابها، والاتساق مع أبعادها وتفاصيلها، والتوحد مع أفعالها وأقوالها وتناقضاتها، ومع صفاتها وتكوينها النفسى والفكري، من المكر والدهاء، والعلم والمعرفة، الثقة والحزم، الوهم والإيهام، النرجسية والجاذبية، الشر والقسوة، الفراسة والذكاء، وقراءة الوجوه وكل ذلك تحت هالة من الزهد والورع والتقوى وسحر البيان.

وقدم كريم فى المسلسل أنجح أدواره على الإطلاق، وتقمص تلك الشخصية الثرية الصعبة المؤثرة والمرهقة نفسياً، شخصية حسن الصباح الذى تمتع بكاريزما وجاذبية، مكّنته من خداع أتباعه، وتضليل مريديه، وبناء مملكته الظلامية، وإقناع جماعته أنه الإمام الُملهَم، تأتيه الخواطر من السماء، ويتلقى الأوامر من وراء حجاب، ولديه مفاتيح الجنة، فصدقه أتباعه المغيبون وآمنوا بفكره الباطل، وانساقت طائفته الضالة وراء أباطيله، وعشقه مريديه وأنصاره إلى حد الفداء بأرواحهم.

 وإلى جانب نجاح المخرج بيتر ميمى فى اختيار الفريق الفنى والتقنى المتميز، الذى وقف وراء جماليات الصورة المبهرة، والإيقاع، والديكورات ومواقع التصوير، والموسيقى، نجح أيضاً فى تشكيل فريق الممثلين، المبدع دائما «فتحى عبد الوهاب» فى شخصية الوزير نظام الدين، والفنان «أحمد عيد» فى دور «زيد بن سيحون» الذى كتب لنفسه تاريخاً جديداً، والفنان الواعد أحمد عبد الوهاب، القائد الشجاع «يحيى» الذى دفع ثمن إخلاصه ومبادئه، والفنانة الشابة «ميرنا نور الدين» صاحبة الوجه المعبر الصادق، والمتوهج بالمشاعر المركبة، فى دور «دنيا زاد» زوجة حسن الصباح، وأكثر المحبين والتابعين المخلصين له، لكن إيمانها وحبها ينقلب إلى بغض وكراهية، ورغبة فى الانتقام، بعد أن قتل ابنها الأكبر الحسين. 

والمبدع القادم من هوليوود «سامى الشيخ»، بأدائه شديد الاحترافية فى تجسيد شخصية «برزك أميد» السجان الذى تحول إلى القائد الأكثر شراسة فى قلعة ألموت، والرجل الوحيد الذى اقترب من حسن الصباح، وتمكن من خداعه بنفس فكره وأسلوبه، وتخلص من «الهادي» ابنه ووريثه، ليحقق أطماعه ويصبح خليفته، والزعيم الذى وصفه شيخ القلعة، بالخليفة الأسوأ للرجل الأعظم، والعقاب الأكبر لقلعة الحشاشين والأتباع! 

واقعية مسار إجباري

أكد مسلسل «مسار إجباري» موهبة المخرجة الشابة نادين خان، ابنة المبدع الراحل محمد خان، التى ورثت عنه الواقعية وعشق التفاصيل، والقدرة على منح الشوارع والأماكن سحراً ونبضاً وأنفاساً، لتكون جزءاً من أبطال العمل، وإذا كانت الدراما التليفزيونية تدخل بيوتنا دون استئذان، فإن المخرجة جعلتنا نحن الذين ندخل بيوت أبطال مسلسلها، ونصبح جزءاً من أسرتين، لكل منهما عالمها الخاص، لكن الأقدار جعلتهما أسرة واحدة، تواجه ذات المصير والأزمات والمسار الإجباري!

 ربحت نادين خان رهانها على اثنين من شباب الفنانين لبطولة المسلسل، «أحمد داش» و«عصام عمر»، ليجسدا ابنى «عمر البرنس»، اللذين فرضت عليهما الأقدار ألا يفترقا، ويواجها مصيراً واحداً، وقدم الاثنان مباراة رائعة فى الأداء التمثيلي، وكونا ثنائياً متناغماً ومدهشًا، كذلك قدمت صابرين وبسمة، مباراة أداء احترافية جسدت فيها كل منهما دوراً جديداً عليها. 

الاشتباك مع الواقع

من أفضل الأعمال التى عُرضت على شاشة رمضان، مسلسل «صلة رحم»، تأليف محمد هشام عبية، إخراج تامر نادي، بطولة: إياد نصار، وأسماء أبو اليزيد، ويسرا اللوزى التى قدمت أفضل أدوارها على الإطلاق، والعمل حالة درامية شديدة الخصوصية، وعمل متكامل العناصر، نسيج فنى يشع جمالاً، لغة كاميرا مدهشة، شخصيات مرسومة بحرفية عالية، تعكس الأبعاد النفسية والاجتماعية لكل شخصياتها، وسرد جرىء يُعرى الواقع ويحطم التابوهات ويشتبك مع الواقع، ويكشف تناقضات المجتمع، ويطرح قضايا مسكوتاً عنها، تثير الجدل وتحفز على التفكير.

 يدخل المسلسل فى منطقة شائكة وهى تأجير الأرحام، القضية المرفوضة دينياً وقانونياً واجتماعياً، من خلال طبيب يتسبب فى فقد زوجته الأمل فى الإنجاب، بعد حادث أدى إلى استئصال الرحم، فيقرر أن يلجأ إلى أن يعوضها بطفل، عن طريق الحصول على بويضات الزوجة المجمدة، والبحث عن امرأة تقبل تأجير رحمها، بعد أن يقُنع نفسه بأن الضرورات تبيح المحظورات، وتجيز ما يرفضه الشرع والقانون والمجتمع! وينجح الزوج فى خطته، لكنه يسقط قتيلاً، وهو يحمل الطفل الوليد بين يديه فى غرفة العمليات، نتيجة تعرضه لطعنة فى البطن وعدم إيقاف النزيف، وتطرح النهاية السؤال من هى أم الطفل.. الأم البيولوجية؟ أم التى احتضنته فى أحشائها!؟    

بدون سابق إنذار

وفى إطار القضايا الجدلية والشائكة يأتى مسلسل «بدون سابق إنذار»، للمخرج المبدع هانى خليفة، دراما إنسانية راقية مُحكمة الحبكة، تغرد فى فضاء بعيد، عميق الأفكار والمشاعر، يحرض على النقاش وإعادة النظر فى أمور من البديهيات والمسلمات، ينطلق من خلافات بين زوجين يفتقدان الشعور بالسعادة، الزوج مشغول بطموحاته العملية، والزوجة تشعر بالإهمال وفتور المشاعر والفراغ العاطفي، وفجأة وبدون إنذار تنقلب حياتهما رأساً على عقب، بعد اكتشاف أن طفلهما الصغير مصاب بسرطان الدم «اللوكيميا»، وخلال العلاج يكتشف الأب أن الطفل ليس ابنه، ويملؤه الشك فى زوجته، بينما يتضح أن الطفل ليس ابنها أيضاً، وتبدأ رحلة البحث عن ابنهما الذى اُستبدل بطفل آخر فى المستشفى! وما بين الرغبة فى العثور على طفلهما الحقيقي، وحبهم لابنهما الموجود فى أحضانهما والخوف من فقدانه، تفيض العديد من التساؤلات، والمشاعر والأحاسيس الحائرة، جسدها بعمق وببراعة أبطال العمل: آسر ياسين وعائشة بن أحمد، وأحمد خالد صالح، وجهاد حسام الدين، والطفل العبقرى سليم يوسف.