سلسلة «كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. معني كلمة «إِنْسان»

الدكتور أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)
الدكتور أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة (كلمات ربي وآياته في القرآن والكون) للأستاذ الدكتور أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)، وحلقة اليوم عن كلمة الإنسان.

 

"الإنسان": اسم يطلق على الذكر والأنثى من بني آدم. والجمع أناسىّ.

 وقد تكرر وروده في القرآن الكريم 65مرة، معرفًا في جميعها بالألف واللام، إلاّ في قوله تعالى: {وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (سورة الإسراء: 13).

و"الإنْس": البشر، كالإنسان، الواحد: "إِنْسيٌّ" وأنَسىّ، والجمع: أَناسيّ، و"أُناس"، وجماعة الناس، وجماعة الإنسان، وهو جمع لا واحد له من لفظه. وبنو آدم: اسم يطلق على عموم النوع البشري، نسبة إلى أبيهم الأول آدم عليه السلام. وقد ورد التعبير "بني آدم" في القرآن الكريم سبع مرات.

ويقول علماء التصنيف البيولوچي إن الإنسان – بجميع ألوانه وسلالاته – ينتمي إلى جنس ونوع واحد هو ما يسمونه علميًّا "هوموسابينز" (أي: الإنسان العاقل) من طائفة الثدييات. ويقدر علماء الإنسان (الأنثروبولوجيا) والجيولوجيون، اعتمادًا على دراسة ما حفظت طبقات الأرض من عظام الإنسان وأدواته وآثاره، أن هذا النوع الآدمي قد ظهر على وجه الأرض منذ ما بين ثلاثمئة ومئتيْ ألف سنة، ولكنهم يخصِّصون أن النُّوَيْع الذي ينتمي إليه البشر المعاصرون قد ظهر منذ نحو أربعين ألف سنة.

وقيل سُمِّي الإنسان إنسانًا لأنه يأنس بالآخرين من بني جنسه؛ أو لأنه يأنس بكل ما يألفه، وقيل: هو إفْعلان، وأصله: إنْسيان، سُمِّي بذلك لأنه عَهِدَ الله إليه فنسي.

ويتفرد الإنسان، بأسماء وخصائص، نذكر منها:

1- بَشَر: بمعنى جماعة الإنسان، أو الإنسان: ذكرًا أو أنثى، واحدًا أو جمعًا.

ووردت الكلمة بصيغة المثنَّى في قوله تعالى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (سورة المؤمنون: 47)، وفي قوله تعالى: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر} (سورة المدثر: 29) تحتمل الكلمة معنى آخر "في صفة "سقر": وهو جمع "بَشَرَة". وهي ظاهر الجلد.

2- في أحسن تقويم: التقويم: التعديل: تقول قوّمت الشيء فهو قويم ومستقيم. قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (سورة التين: 4)، أي خلقنا جنس الإنسان كائنًا في أحسن تقويم وتعديل. وقد أظهر هذا التقويم الأحسن تفرد الإنسان وتميزه بين مخلوقات الله، على نحو جعله أهلا للتشريف الذي تفضل الله عليه به حين استخلفه على الأرض.

والوضع القائم للإنسان هو أهم مظاهر تفرده وتميزه بين مخلوقات الله. ومن عناصر هذا الوضع القائم قدم الإنسان التي أعدها الله تعالى إعدادًا ممتازًا لتؤدي مهمتها في المشي، فهي ليست مخلوقة أصلاً للقبض على الأغصان وغيرها، كما القردة والقردة العليا، بل إنها تكاد تكون قد فقدت هذه المقدرة واتسعت وطالت في حين أن أصابعها قصرت، واتجهت إبهامها إلى الأمام مع سائر الأصابع لا مقابلةً لها (على عكس الحال في اليدين). وهكذا أصبح الإنسان يمشي على باطن قدمه، لا على ظاهر سلاميات أصابعها، كما في الشمبانزي مثلاً. والقدم مقوّسة طوليًّا بين العقب وقواعد الأصابع، وكذلك تتقوس عرضيًا عند قواعد الأصابع وتساعد هذه التقوسات على امتصاص الصدمات عندما نمشي أو نجري أو نقفز. وهذه الأوضاع تسمح للقدم بنقل الثقل والقوة إلى الأرض بنظام دفع يتألف مع روافع صغيرة قصيرة تهيئ لاعتماد خُطى السائر على تبادل الضغط بالكعب وأصابع القدم.

وفي أثناء المشي تقوم الرجلان والذراعان وعظام الحوض والصدر وكثير من العضلات والأعصاب بأدوار مختلفة متكاملة ومتناسقة، والإنسان أثبت وأسرع مشيًا من أي حيوان ثديىّ، حتى الحصان، مع استبعاد العدو طبعًا.

والوضع القائم والمشي على قدمين حرّرا الذراعين تمامًا من مهمَّة حمل الجسم ونقله. وهذه نعمة كبرى، فقد استطاعت اليدان أن تستجيبا للدماغ الراقي، وازدادت الإبهام القابضة مقدرة على الحركة أمام سائر الأصابع. ويد الإنسان قادرة على الإتيان بحركات لا حدود لها، ولكن تتميز فيها قبضتان: قبضة قوية بضم الأصابع على راحة اليد، قادرة على الرفع والدفع والشد والثني والضرب والبطش؛ وقبضة دقيقة بين الإبهام وأطراف الأصابع، بعضها أو كلها. وهكذا أصبحت اليد قادرة على اصطناع الآلات واستخدامها وإتقان سائر المهارات. ويكفي أنها استطاعت التدوين بالريشة والقلم، فكانت أساس اصطناع حضارات الإنسان وتسجيلها. ووجود العضلات المحركة للأصابع في الساعد، لا في اليد، محركة إياها بأوتار ممتدة إليها، جعل اليد مرنة دقيقة رشيقة، وزاد أصابعها مقدرة على الإتيان بمختلف الحركات. والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يقف ويمشي منتصبًا ورأسه فوق رجليه وجسامتهما تمامًا. ويعتمد هذا على توازن دقيق في الجسم تسهم فيه الانحناءات الخفيفة في العمود الفقري أمامًا وخلفًا مع توزع الأحشاء الداخلية توزعًا منتظمًا حول محور ثقل الجسم، وتستقر الجمجمة فوق العمود الفقاري القائم عند وسط قاعدتها، ولا تتصل به عند مؤخرتها كما هي الحال في القردة. والعجيب أن هذا الوضع القائم الذي تعجز عنه المخلوقات الأخرى لا يكلف الإنسان جهدًا عضليًّا كبيرًا، وذلك راجع إلى هندسة بنائية تهيئ للجسم أن ينتصب ومعظم العضلات المحيطة بالوركين مرتخية مرتاحة.

وبعض "أشباه الإنسان" يمشيّ أحيانًا على اثنتين ولكنها لا تكون منتصبة القامة، كما أن تباعد رجليها يجعلها تتأرجح يمنة ويسرة. أما في الإنسان فيتقارب عظما الفخذ لتتقارب القدمان، وبذلك يصبح هذا التأرجح قليلاً للغاية. وتساعد الذراعان على حفظ التوازن وتقليل الجهد المبذول، وذلك بتبادلهما الحركة أمامًا وخلفًا مع الرجلين.

ورجلا الإنسان قويتان مزودتان بعضلات كبيرة قوية حتى تستطيعا تحمّل ثقل الجسم كله فوقهما، وكذلك هما أطول نسبيًا، إذا إنهما نصف قامة الإنسان، في حين أنهما ثلث قامة القردة العليا. فتبارك الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم.

3- خلَق الإنسان: يمتن الله - سبحانه وتعالى - على عباده بنعمة خلق النوع الإنساني وجعله على أعلى درجة من الجمال والكمال، ومكّنه من بيان ما فى نفسه بالمنطق الفصيح، ومن فهْم بيان غيره، متميز بهذا البيان عن الحيوان الأعجم، واستعد لتلقي العلوم وحمل أمانة الاستخلاف في الأرض. قال تعالى: {الرَّحْمَٰنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)}(سورة الرحمن 1-4).

أما معجزة خلْق الإنسان فقد أشار إليها القرآن الكريم في مواضع عدة، منها قوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} (سورة النجم: 32). وقوله سبحانه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} (سورة السجدة: 7)، وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} (سورة المؤمنون: 12)، وهو خطاب موجّه للبشرية جمعاء، مما يؤكد على أنهم كانوا جميعًا في صُلْب أبيهم آدم عليه السلام لحظة خلقه. فالإنشاء من الأرض يشمل آدم أبا البشر وذريته جميعًا في صلبه لحظة خلقه، وينسحب كذلك على كل فرد من نسله إلى يوم الدين، وذلك لأسباب كثيرة، منها أن شفرته الوراثية – بلغة العلم الحديث – مستمدة من شفرة أبيه آدم عليه السلام وهو مخلوق أصلاً من تراب الأرض، ومنها أيضًا أن خليتيْ النطفة المخصبة (نطفة الأمشاج) مستمدة من جسديْ والديه، وهما بدورهما مستمدان أصلاً من سلالة آدم المخلوق من تراب الأرض، وقد تغذيتا بغذاء مستمد أصلاً من عناصر الأرض. ومنها ثالثًا أن الجنين في جميع مراحله ينمو جسده على حساب دم الأم المستمد من غذائها، وغذاؤها مستمد أصلاً من عناصر الأرض.

وقد ساعد وضع الرأس المرتفع وتشريح عضلات الوجه والفكين على حسن نموّ جهاز الصوت وحرية حركة اللسان، مع حرية حركة الشفتين. وكان لهذا، مع عقل الإنسان وروحه الاجتماعية، الفضل في نشأة لغات الإنسان ورقيها وتطورها حتى وسعت كل علومه وآدابه وفلسفاته، وعبرت عن جميع آرائه وأفكاره وأحلامه، وأكملت اليد الماهرة المهمة عندما رسمت بأبدع الألوان، وعزفت أعذب الألحان، وكتبت وسجلت اللغات بكافة الوسائل، فحفظت مسيرة الحضارة الإنسانية.

وإذا توقفنا فقط عند الوحدة البنائية لجسم الإنسان، وهي الخلية الحية التي يبلغ متوسط قطرها نحو 0.03 من الميلمتر، ويبلغ متوسط وزنها جزءًا من ألف مليون جزء من الجرام، فإننا نعجب أشد العجب لعملية تبادل الأوكسجين والغذاء والعوادم المختلفة مع الخلايا المجاورة عبر جدار يحوي السيتوبلازم الذي يحتوي على مولدات الطاقة ومنتجات البروتينات. أما نواة الخلية الحية فتحمل بداخلها الشفرة الوراثية التي تشغل حيزًا لا يزيد على واحد من المليون من الميلمتر المكعب، ولكنها إذا فردت يصل طولها إلى المترين تقريبًا، موزع فيها حوالي 18.6 بليون جزئ من جزيئات المادة، وإذا اختل وضع ذرة واحدة من ذرات هذه الجزئيات عن مكانها فإن هذا يعني حدوث تشوه للخلية. إن هذه الخلية الدقيقة يمكنها إنتاج مائتي ألف نوع من البروتينات، وهي في حالة تجدد مستمر.

والعقل هو الوظيفة الأولى للدماغ في الإنسان. ونسبة وزن دماغ الإنسان، وهي نحو 1375 جرامًا في المتوسط، إلى وزن جسمه أكبر منها في أي حيوان. ولكن دماغ الإنسان يمتاز برقي تركيبه ووظائفه، حيث يختص نصفا كرة المخ بالوظائف الذهنية كالوعي والذكاء والذاكرة والتقدير والتخيل والابتكار. والواقع أن قشرة الدماغ بالذات هي المختصة بهذه الوظائف العليا، ومساحة سطحها في الإنسان أكبر من مساحة الدماغ نفسه، ولذلك فهي تنثني على نفسها كثيرًا، حيث تظهر تلافيف كثيرة وعميقة.

4- علّمه البيان: أما البيان الذي علمه الله للإنسان، بعد أن سواه في أحسن تقويم، فقد جعل الله أسبابه وأدواته في جسم الإنسان حيث يوجد مركز النطق في المخ، وتوجد أجهزة النطق في الرئتين والقصبة الهوائية بشُعَبها والحنجرة واللهاة واللسان والشفتين والفكّين والأسنان، حيث تشترك كلها في النطق والبيان. ويعمل كل من السمع والمخ والأعصاب في ترجمة هذا النطق إلى معان تُفهم ويستجاب لها بالإيجاب أو النفي. ويرى الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين" أن هناك ارتباطًا بين العقل والبيان، لأن الإنسان مكلف بأن يدرك بعقله ويعبّر بلسانه. وقد خص الله الإنسان بهاتين الميزتين من بين جميع الكائنات، فما عليه إلا أن يقيم رابطة بينهما، فلا ينطق بلسانه ما لا يدركه بعقله. وما اللسان إلا واسطة لبيان ما في العقل.

فسبحان الذي علم آدم الأسماء كلها وأنطقه بالكلام المنظوم ليكون وسيلة تعارف واتصال بين البشر، وأداة للتعبير عما ينجزه الإنسان من علوم ومعارف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولله درّ القائل:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما***جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

5- شُعوبًا وقبائلَ: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (سورة الحجرات: 13).

تقرر هذه الآية الكريمة أن التنوع في السلالات البشرية من ذرية آدم عليه السلام دليل واضح من دلائل القدرة الإلهية أوجده الله سبحانه وتعالى لييسر التعارف بين الناس، أما عامل التفضيل عند الله فلا يكون إلا بالتقوى. ويؤكد القرآن الكريم في مواضع أخرى هذه الحقيقة المهمة الماثلة أمام العيان ليل نهار، آية ناطقة بوحدانية الله وقدرته وجلاله، من ذلك قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: 1).

ويقتضي منطق التوحيد في الفكر العلمي والمعرفة الإنسانية بوجه عام أن يُعنى كل عاقل بالبحث دائمًا عن الوحدة التي تؤلف بين الكثرة أيًّا كان الموضوع. ومن كانت عقيدته هي التوحيد الإسلامي القائم على "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله". فإنه يجد في نفسه دافعًا أقوى مما يجد سواه نحو البحث عن محور الوحدانية من خلال مظاهر التنوّع والكثرة، إيمانًا منه بأن كل ما في الكون من موجودات ونواميس وسنن مستمد من إرادة الخالق الواحد ومتوقف عليها، فالله سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، وهو مصدر كل الحقائق الجزئية التي أمرنا بالبحث عنها واستقرائها في وحدة النظام بين الظواهر الكونية المختلفة.

ويرى أهل الاختصاص في "علم الإنسان"، أو الأنثروبولوجيا Anthropology - وهو العلم الذي يبحث في أصل الجنس البشري وتطوره وأعراقه وعاداته ومعتقداته، وقد استغلت بعض مباحث هذا العلم استغلالاً خاطئًا في العصر الحديث لتبرير هيمنة جنس معين والزعم بأحقيته في الريادة والسيادة على حساب الجنسيات الأخرى - يرون أن تقسيم (تصنيف) السلالات البشرية المختلفة كان يعتمد قديمًا على المظاهر الخارجية لهيئة أجزاء الجسم ولون الجلد وشكل الشعر، لكن التصنيف الحديث يعتمد على تردد "الچينات" Genes (وهي المورّثات أو الوحدات البيولوجية المسئولة عن الصفات الوراثية وانتقالها عبر الأنسال).

ويتخذ العلماء من العامل الجغرافي أساسًا للتمييز بين السلالات المختلفة في أشكالها الرئيسية المعروفة وهي: القوقازي والمغولي والاسترالي والزنجي "النجرو" والكبويد.

وإن كان هذا لا يمنع من وجود سلالات محلية حسب تربية مجموعة من الناس، مثل تلك السلالات الموجودة في وسط وجنوب أفريقيا. كذلك يمكن للعوامل الطبيعية أن تكون سببًا في تحديد سلالة مجموعة من الناس تعيش في منطقة جغرافية محددة ويجمع بينها صفات مشتركة، مثل سكان شمال منطقة الصحاري (الصحراء الكبرى) في أفريقيا الذين يكوّنون جنسًا مشابها لشعوب الشرق الأوسط وأوربا في حوض البحر الأبيض المتوسط.

وليس مهمّا في سلالة ما عدد أفرادها، فسلالة " البوشمان "– على سبيل المثال –، وهم شعب من القناصة الرُّحَّل يعيشون في جنوب أفريقيا، يبلغ عددهم حوالي (25000) خمسة وعشرين ألفًا فقط، بينما زنوج أمريكا يصل عددهم إلى 19 مليونًا.

وقد لوحظ أن عُزْلة السلالات أو امتزاجها من العوامل التي تؤثر تأثيرًا كبيرًا على البناء الجسمي للإنسان، فمن الواضح أن الشعوب التي تعيش منعزلة عن بعضها تتغير ببطء شديد في شكلها الجسمي، أما الجماعات التي تتصل مع شعوب كثيرة متباينة جسمانيًّا فيمكن أن تطرأ عليها تغيرات في البناء الجسمي خلال فترة قصيرة نسبيًّا.

وهناك اعتقاد بأن تغير لون الجلد تبعًا للسلالة يعني وجود علاقة بين لون الجلد وشدة الأشعة البنفسجية في منطقة وجود السلالة، لكن هذه العلاقة غير ظاهرة حاليًّا بسبب الهجرة المتبادلة بين الشعوب والأجيال منذ آلاف السنين. ومع هذا يكون اللون داكنًا في السودان واستراليا مثلاً حيث تكون أشعة الشمس في أشد حالاتها، ويعزي تغير لون الجلد من الناحية العلمية إلى تغير كمية صبغة الجلد الموجودة في بشرته والمعروفة باسم "الميلانين".

كذلك يختلف شكل الشعر حسب السلالات الجغرافية المختلفة، ولكنه ليس مرتبطًا وراثيًّا بلون الجلد، كما أنه لا يتغير في تركيبه البيولوجي تبعًا للسلالة، فالشعر في الجنس المغولي مثلاً يكون مستقيمًا مستدير المقطع، بينما في الجنس القوقازي يكون مموّجًا في أغلب الأحيان، وفي الزنجي "النجرو" يكون ملفوفًا وبيضاوي المقطع.

فسبحان القائل في محكم التنزيل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ} (سورة الروم: 22). 

المصدر: كلمات ربي وآياته في القرآن والكون، أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو مجمع اللغة العربية)