بعد صدور طبعة جديدة من «الحي السابع» نعيم صبري: أهتم بالدراما في أعمالي| حوار

نعيم صبرى
نعيم صبرى

الكاتب الكبير نعيم صبري، له مشوار طويل ممتد، فكتب الشعر والمسرح الشعرى وصاحب باع طويل فى مجال الرواية، وكان من الأصدقاء المقربين لعميد الرواية نجيب محفوظ، وقد صدرت له مؤخراً طبعة جديدة من رواية الحى السابع والتى استقبلها الوسط الأدبى بحفاوة، وعن الرواية والقضية المحورية التى تناقشها، وأسباب عزوفه عن الشعر، وروايتيه الجديدتين اللتين يعكف عليهما حالياً، كان لنا معه هذا الحوار.

 بفارق 22 عاما صدرت طبعة جديدة من «الحى السابع».. ألا ترى أن المجتمع المصرى مازال كما هو كأنها كتبت اليوم؟
رواية الحى السابع تعرض للتغيرات التى حدثت للمجتمع المصرى بعد نكسة 1967، التى تمثل هزة مجتمعية وتاريخية مزلزلة لهذا المجتمع نقلته من حالة حضارية إلى حالة أخرى مغايرة تماما. قوة حدث النكسة المفاجئة، بعد الفترة الناصرية المستقرة الحافلة بالآمال والتطلعات والبناء، زلزلت المجتمع وأحدثت به بعض التغيرات اللافتة، كانت تغيرات سلبية للأسف أعقبت الصدمة. استمرت تلك التغيرات السلبية بعد النكسة وحتى حرب 1973، فقد كان المجتمع فى حالة ألم عظيم، ويأس حزين، وضائقة اقتصادية رهيبة بسبب أعباء بناء الجيش وحرب الاستنزاف، فى ضوء الزيادة السكانية الكبيرة التى يعانى منها المجتمع المصرى وانفجار العشوائيات فى أرجائه بكل معانيها.

اقرأ أيضاً | منى نور تكتب : دراسة تطبيقية فى فلسفة حرمة الجسد

أدى ذلك إلى تفاقم مشاكله وإلى التغيرات البنيوية فيه. بدأت هذه التغيرات فى الازدياد مع الزيادة السكانية المتنامية ومع سياسات الانفتاح الاقتصادى العشوائى التى تبناها الرئيس السادات، والتى تسببت فى زيادة الفجوة الاقتصادية فى المجتمع بشكل متنامٍ استمر معنا حتى الآن، لعدم كفاءة السياسات، فى الفترة الطويلة التى أعقبته بحكم الرئيس مبارك لمدة ثلاثين عاما تقريبا، مع كل الخلل السياسى المتنامى بسبب غياب الديمقراطية الحقة وتغليب الطبقات الرأسمالية الطفيلية التى نمت بقوة، فاستمرت السلبيات وتفاقمت فى ضوء تنامى الفجوة الطبقية المجتمعية وتلاشى الطبقة المتوسطة تقريبا حتى تماسها مع تخوم مستوى الفقر. لذلك لم يختلف المجتمع المصرى حتى الآن، وإنما تعمقت مشاكله بل وزادت باطراد، لاستمرار معظم الأسباب.



شخصية «رامى» تحمل تناقضات متعددة حتى أن القارئ لا يدرى هل يتعاطف معه أم يحنق عليه.. كيف تحمل شخصية واحدة هذه المشاعر المركبة؟
الدراما الإنسانية ليس بها شخصيات أحادية، حتى لو بدت كذلك من الخارج. الإنسان كيان غنى بتعقيدات شخصية متعددة. والدراما المكتوبة تعرض للشخصيات الأكثر تركيبا وتنوعا، بل هى تهتم أساسا بالضعف الإنسانى لتعرضه وتتعمق فيه لنتأمله جميعا. تهتم بالشخصيات المُعَذَّبة وحياتها وتعقيداته. هل يمكن أن نتصور رواية تكتب عن شخص عادىّ بلا مشاكل ولا أخطاء، ينهض من نومه ليذهب لعمله، يؤديه كما يجب ثم يعود لبيته فيتناول غداءه مع أسرته ثم ينام القيلولة ويصحو ليذهب إلى المقهى أو ليشاهد التليفزيون حتى يتثاءب ويداعبه النعاس؟

«صلاح باشا» نموذج للجد المثالى الذى قام بتأمين مستقبل أحفاده.. لماذا لا يوجد هذا النمط فى مجتمعنا إلا استثناء؟ هل لا يجيد المصريون التخطيط للغد؟
المثالية استثناء درامى وإنسانى، والتعميم غير وارد، فالقضية لا تخص المصريين وحدهم، ولكنها قضية إنسانية عامة.

أدنت الانفتاح لكنك مع حرية رأس المال.. كيف يمكن تحقيق هذه المعادلة؟
أدنت الانفتاح العشوائى، فلا يمكن إدارة المجتمعات بالعشوائية. وسياسات الانفتاح التى حدثت فى عصر الرئيس السادات كانت سياسات عشوائية، وقد أطلق عليها كاتبنا الرصين أحمد بهاء الدين، انفتاح السداح مداح.

من قال إنى مع حرية رأس المال المطلقة؟ رأس المال يجب أن يكون ضمن إطار اقتصادى رشيد محكوم بالضوابط التى تحد جموحه وانفلاته وفساده وتضمن حقوق العاملين والدولة. أنا لست مع حرية رأس المال بلا تنظيم وحدود قانونية صارمة لحماية حقوق العاملين ولعدم تغوله على النشاط الاقتصادى والدولة. أنا مع العدالة الاجتماعية فى المقام الأول.



سلمى نموذج للزوجة الخائنة التى لا تشعر بتأنيب الضمير.. ما الذى يجعل هذا النموذج منتشرا ربما منذ عقود؟
اسمح لى أن أختلف معك. الرواية أوضحت أنها كانت معذبة فى العلاقة وكانت تشعر بتأنيب الضمير. حاولت أن تتوقف وهربت بالسفر إلى لندن فلحق بها رامى. القضية فى ظنى هى قضية الضعف الإنسانى وليس الخيانة. كلنا نضعف، ولولا الضعف الإنسانى ما وجدت دراما الحياة. سلمى مات زوجها الأول وتقدم لها أسامة بعدها، وكانت تتساءل، هل تسرعت فى الزواج منه، وأوضحت أنهما مختلفان فى الشخصية والطباع.

هى أحبت رامى ولم تتبين، وفجأة حدث التقارب فى لحظة ضعف، وعندما تأكدت من مشاعرها وضعفها عرضت عليه أن يتزوجا ويواجها المجتمع كله، ذلك عندما ابتعدت عن رامى ولم يستطع هو الابتعاد عنها. كانت قد قررت الابتعاد فعلا، وأفصحت أنها توقفت عن معاشرة زوجها لأنها لم تحتمل الموقف.

وعن تساؤلك الأخير، فلا يوجد نموذج منتشر للمرأة، ولكن بنفس المنطق، ربما النموذج المنتشر للعلاقات المزدوجة بعد الزواج هو للرجل، ففى المجتمع الذكورى، الرجل أكثر حرية وتسلطا، ويسمح لنفسه فى كثير من الأحيان بعلاقات خارج مؤسسة الزواج.

تركت النهاية مفتوحة بعزم «رامى» على الانتحار.. القارئ يريد أن يعرف.. هل انتحر «رامى» أم هرب للخارج؟
وهل تظن أننى أعرف يا عزيزى. حقيقة أنا لا أعرف. لم أصل إلى موقف أرضى عنه بضمير مستريح، فجاءت النهاية كما جاءت.



فى رواياتك دائما لا يوجد غريم للبطل وصديقه دائما يتميز بالشهامة الزائدة.. أليس هذا غريبا بعض الشىء؟
كما فهمت منك فإنك قد قرأت ثلاث روايات لى، وأنا لى ست عشرة رواية، فأظن أن بانوراما عملى الكامل غير مكتملة الوضوح. ولماذا يوجد غريم؟. دراما الحياة لا تسير طبقا لوصفة معينة أو كتالوج معين، لذلك ليس الأمر غريبا بافتراض واقعية وصحة الملاحظة.

71 شخصية محور أحداث رواية «شبرا».. كيف استطعت تضفير كل هذا العدد فى عمل قليل الصفحات نسبيا؟
كان الموضوع منهكا جدا. قمت بعمل رسم بيانى على لوحة ضخمة للشخصيات جميعا، كل شخصية بصفاتها وعمرها وما يخصها. بدأت فى عمل سيناريوهات جزئية لكل مرحلة من العمل وشرعت. روح العمل كانت فى ذهنى والكثير من شخصياته قابلتها فى الواقع، فأنا ولدت وتربيت فى حى شبرا وفى نفس المنطقة منه التى وردت فى الرواية، لكنه كان عملا منهكا استغرق أكثر من عام فى عمل يومى متواصل تقريبا، وبالنسبة لحجم العمل فأنا أميل إلى التكثيف وأبتعد عن أى ثرثرة روائية. لا أستطيع تحمل الأعمال الأدبية التى تعانى من الترهل والثرثرة.

أنت متعلق بالأماكن بشدة فى رواياتك ولا أبالغ إن قلت إنها البطل الحقيقى سواء منطقة أو شارعاً أو شركة أو فندقاً.. ما السبب؟
فى بعض الروايات مثل شبرا والحى السابع، لكن فى رواياتى الأخرى الموضوعات مختلفة. ربما أختار مسرح الأحداث فى شبرا، لأنها المكان الذى أعرفه جيدا بمعظم تفاصيله، لكن رواياتى الأخرى ليست عن المكان بصفة خاصة، فرواية أمواج الخريف عن أزمة منتصف العمر مثلا، ورواية دوامات الحنين رواية أجيال، كذلك حافظ بتاع الروبابيكيا وتظل تحلم إيزيس وجنون العطش والمهرج وصافينى مرة، كلها فى موضوعات متفرقة.

عاصرت فترات مهمة فى تاريخ الوطن بأفراحها وأتراحها لكنى ألاحظ تأثرك بفترة ما بعد حرب 67 وما تلاها فى السبعينيات من تغيرات جذرية.. لماذا هذه الفترة تحديدا؟
هذا فى رواية «الحى السابع» لأنها تعرض لتلك الفترة وتوابعها، وربما فى رواية صافينى مرة أيضا لأنها عن مأساة الجيل، ما نطلق عليه جيل الثورة. رواياتى الأخرى عالجت مختلف الموضوعات التى شغلتنى خارج تلك الفترة، وحتى وقتنا الحالى.

لا تهتم بتنميق الأسلوب لكن تركز على الحدث الدرامى.. هل ترى أن التسليط على القصة أهم من سردها؟
الكتابة الدرامية همهما الأساسى هو الدراما وليس البلاغة الأسلوبية، لأن البلاغة الأسلوبية فى رأيى تعوّق الانسياب الدرامى. ملاحظتك قد تكون منطلقة من أهمية البلاغة فى الأدب العربى تاريخيا، لأن الشعر هو أساس الأدب العربى، أو هو ديوان العرب كالمتداول، والبلاغة أساس الشعر، كما أن الدراما لم يكن لها دور جوهرى فى الأدب العربى، ربما ظهرت مع الجاحظ فى أعماله كالبخلاء. الدراما ظهرت بقوة وازدهرت فى الأدب اليونانى القديم فى المسرح الإغريقى عند إسخيلوس وسوفوكليس ويوريبيدس والساخر العظيم أريستوفان وأترابهم. كما ظهرت فى الأساطير فى الحضارات المختلفة. لغة الدراما لغة مقتصدة معبرة عن انفعال أو حالة شعورية مكثفة فى الغالب، ولا مجال فيها للبراعة الأسلوبية أو للطنطنة اللغوية.

أين الدراسات النقدية من أعمالك؟
هذا سؤال يوجه للنقاد وليس لى. الإجابة، هى محدودة وقليلة.

لك حتى الآن 16 رواية و3 دوواوين شعرية ومسرحيتان شعريتان وسيرة طفولة بما يمثل مشروعا إبداعيا كبيرا ومتنوعا.. أين تجد نفسك أكثر فى هذه الكتابات؟
واضح منها أننى واصلت الكتابة الروائية منذ زمن طويل، قد أكتب بعض الخواطر التى ربما تندرج تحت عباءة الشعر أو القصيدة النثرية، يحدث هذا من آن لآخر وأكتبه فقط على صفحتى على الفيس بوك، لكنى لا أجمعه.

سؤال لم أجد له حتى الآن إجابة مقنعة من المبدعين.. ما سبب جرأة الشعراء على كتابة الرواية بينما لا يحدث العكس فلا يكتب الروائيون الشعر؟
لا أعلم بصفة عامة، لكن عن نفسى فقد شعرت بالاختناق من كتابة الشعر والمسرح الشعرى، وشعرت بعدم إمكانية خروج مسرحياتى الشعرية إلى الحياة بسبب صعوبات الإنتاج ومحدوية الاهتمام بالمسرح الشعرى، باختصار شعرت بالرغبة فى الانطلاق والعمل الذى أملك كل جوانبه، فاتجهت لكتابة الرواية التى لا تحتاج لسواى لتخرج إلى الوجود، ووجدت أننى راضٍ يهذا الحل ومستمر فيه.

ما مشروعك الأدبى القادم؟
عندى روايتان منتهيتان منذ فترة، إحداهما جاهزة تماما للنشر، والثانية تحتاج للمراجعة النهائية فقط.