أبرزها مراجعة قرارات شطب الآثار.. قضايا على «طاولة» أمين عام «الأعلى للآثار»

محمد الكحلاوى
محمد الكحلاوى

قرار تعيين أمين عام جديد للمجلس الأعلى للآثار جاء بعد سلسلة طويلة من التخبطات داخل الوزارة خلال السنوات الأخيرة، وصلت ذروتها بالإعلان عن مشروع تكسية «تبليط» هرم منكاورع، والذى أعلن عنه الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للآثار. قبل أن تتراجع عنه الوزارة فى نهاية الأمر وتقرر عدم استكماله؛ ومن ثم إعفاء الدكتور مصطفى وزيرى من منصبه. لكن فى المقابل قررَّ أحمد عيسى وزير الآثار مؤخرًا تعيين الدكتور جمال مصطفى رئيسًا لقطاع الآثار الإسلامية، خلفًا للدكتور أبو بكر عبدالله. وهو قرار - يبدو- أنه سيكون مجرد بداية لسلسة من التغييرات الإدارية داخل وزارة الآثار.

سألنا بعض المتخصصين عن رؤيتهم للوضع الأثرى داخل مصر حاليًا بهدف تقديم صورة كاملة حول مشكلات «الآثار» ومطالبهم خلال الفترة المقبلة.

اقرأ أيضاً | مكتبة الإسكندرية تحتفظ بالحروف المعدنية التى كُتب بها: «مصحف الملك فؤاد» أول المصاحف المطبوعة فى الوطن العربى

الأثرى الدكتور منصور بريك يرى من الضرورى عودة المجلس الأعلى للآثار لتبعية وزارة الثقافة بهدف الخروج من عباءة وزارة «السياحة» إذ يرى أن هناك تعارضًا كبيرًا بين الآثار والسياحة.

كما يرى أيضًا ضرورة علاج المشكلات الداخلية للمجلس، ومنها إعادة «هيبة» رؤساء القطاعات والمناطق الأثرية «للأسف هذه الأمور تغيرّت كثيرًا فقد جرى دفن وتهميش الكثير من الكفاءات داخل الوزارة لذلك يجب إعادة ضبط الأمور، مع إحداث عمليات تدوير لقيادات الوزارة وخصوصًا رؤساء المناطق الأثرية الكبرى، لأنه ليس منطقيًا أن يستمر الموظف فى منصبه لثمانى سنوات!»
 
ويطالب بريك بإعادة النظر فى كثير من القرارات والترميمات التى جرت خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة لضرورة تغيير أعضاء «اللجنة الدائمة» لتكون مستقلة بقرارتها «اللجنة الدائمة» يجب أن تضم فى عضويتها المعارضين وغير المعارضين، مثل الدكتور محمد عبد المقصود، والدكتور أحمد عيسى والدكتورة مونيكا حنّا.

وأن تستعيد قوتها مرة أخرى، بهدف الخروج بقرارات حيادية مستقلة بعيدة عن رغبات المسئولين فى الوزارة وأهوائهم، فاللجان الدائمة مسئولة عمّا وصلت إليه الآثار خلال السنوات الأخيرة من مشكلات، إذ جرى الاعتماد على أعضائها لهدم وشطب الآثار، وخصوصًا الإسلامية منها، فما حدث للحمام العثمانى الأثرى بقنا من شطب «كارثة»، فأنا كتبت فصلًا ضمن كتاب صادر عن المعهد الفرنسى للآثار الشرقية حول الحمامات فى مصر، وتناولت فيه الحمام العثمانى الأثرى فى قنا، لأنه ضمن النماذج النادرة المكتملة للحمامات الموجودة فى مصر وخصوصًا الصعيد، وكان يستحق الإبقاء عليه وترميمه وليس شطبه؛ لذلك أطالب الدكتور محمد إسماعيل بمراجعة جميع قرارات شطب الآثار خلال السنوات الأخيرة، كما أطالبه بإعادة مراجعة ما حدث بتماثيل معبد الأقصر من جانب لجان علمية متخصصة وفكها إذا كانت قد خالفت المعايير الدولية والمحلية أثناء ترميمها».

وبخصوص البعثات الأجنبية يرى بريك ضرورة فتح المجال بشكل أكبر ورفع الضغط عنها، إذ يفرض عليها الكثير من الأموال نظير عملها داخل المواقع الأثرية. يقول: قوة مصر الناعمة مستمدة من آثارها المصرية وكل الجامعات فى العالم بداخلها أقسام متخصصة للآثار المصرية؛ لذلك من الضرورى التوقف عن محاربتها، فخلال السنوات الأخيرة جرى استنزاف هذه الجامعات، وعطلت الكثير من أعمالها، لأن استمرار هذا الوضع يعنى أن البعثات الأجنبية سيتم سحبها من مصر لصالح الدول الخليجية المحيطة، فهذه الدول تدفع ملايين الدولارات لاستقدام بعثات أجنبية بهدف الحفر والتنقيب داخل مواقعها الأثرية. 

قرارات خاطئة
الدكتور محمد الكحلاوى رئيس اتحاد الآثاريين العرب وأستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة يرى أن عملية الاستثمار فى التراث تتم بشكل خاطيء، نظرًا لكونها بعيدة عن مفهوم الحماية الطبيعية للتراث والآثار «غالبًا ما يترك الموقع الأثرى للمستثمر وكأننا ليس لنّا أى صلة بالموقع بعد تسليمه وهذا خطأ كبير؛ وبالتالى يجب ألا يترك الموقع الأثرى للمستثمر وأن يؤخذ بمحاضر مفتشى الآثار الموجودين داخل الموقع الأثرى لضمان حمايته، فالآثار الإسلامية خلال الفترة تمت إهانتها بمباركة وزارة الآثار، فقد مرَّت جميع هذه القرارات عبرَّ لجان متخصصة كان من المفترض أن تحافظ على هذه المواقع الأثرية، لكن ما حدث كان العكس؛ لذلك يجب إعادة النظر فى تشكيل جميع اللجان العلمية، وخصوصًا اللجان الدائمة سواء الإسلامية منها أو المصرية، إذ ينبغى ألا تضم هذه اللجان «المقربين» بل لابدَّ أن يجرى تشكيلها من «المخالفين والمعارضين»؛ أى ممن يرفضون الاعتداء على التراث، لأن هؤلاء لديهم رؤية وهذه الرؤية يجب أن تستجيب لها الوزارة خصوصًا إذا كانت رؤية صائبة. أما إذا تركت الآثار للشطب والهدم كما حدث من قبل فهذه المشكلات ستتفاقم أكثر؛ لذلك نصيحتى للأمين العام الجديد هى أن يتحرر من اللجان المقيدة بالوظائف، لأن أعضاء ما يهم أعضاء هذه اللجان تحقيق رغبة المسئول عن الآثار وهذا لا يجوز لأن رغبتهم يجب أن تكون نابعة من فكرة احترام الأثر وحمايته وفقًا لقوانين الآثار، وأن تتم مراجعة قضايا شطب الآثار وكذلك القرارات الخاطئة التى اتخذت خلال الفترة الأخيرة».

كذلك يجب الاستفادة من أعضاء هيئة التدريس بكليات الآثار، وإشراكهم فى الجانب العملى وربطه بالجانب الأكاديمى. كما يجب وقف جميع عمليات الترميم التى تجرى لأنها فى الأصل عمليات «تطوير»، وهى بمثابة هدم للآثار وتغيير من ملامحها وهو أمر لا يتوافق مع قوانين حماية الآثار، فالمجال الأثرى لا يعرف التطوير لكنه يعرف الترميم، والحفاظ، والصيانة، أما ما دون ذلك فهو اعتداء على الآثار وتغيير فى الواقع التاريخى».
 
الأمر الثالث لابد أن يتم الإعلان عن المشروعات الأُثرية بصورة علنية وألا تدار من خلال خطابات سرية بل ينبغى عدم التضحية بهذه المواقع الأثرية؛ لذلك يجب شرح المشروع وعرضه على لجان فنية متخصصة بشأن الرأى الأثرى، فالآثار الإسلامية فى خطر داهم وهى آيلة فى السقوط وإذا استمرت فى هذا الوضع فلن نجد أيًا منها خلال الـ50 عامًا المقبلة. وينبغى إعادة تأهيل المواقع الأثرية والتراثية بشكل كامل، فجبانة المماليك أصبحت آيلة للسقوط بسبب ممارسات القاطنين بداخلها؛ لذلك من الضرورى إعادة تأهيلها بهدف خدمة المسارات السياحية والأثرية.

 إعداد كوادر 
عبد الحميد صلاح  رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث يرى أيضًا أن هناك نقصًا كبيرًا فى الكفاءات الموجودة داخل الوزارة؛ لذلك يطالب بإعداد كوادر الوزارة من خلال توفير أدوات متخصصة داخل كل إدارة أثرية، ووضع تخصص تأهيلى، وإعداد كوادر للصف الأول والثانى والثالث. يقول: الوزارة بشكل عام تعانى من فكرة استبدال الكفاءات؛ لذلك الحل هو تأهيل الإدارات المتخصصة، من خلال وضع خريطة للتخصصات التى تحتاجها بناء على لجنة لتقييم الاحتياجات والأولويات الإدارية والفنية. كما ينبغى إعطاء الموظفين حقوقهم وتوفير تأمين صحى شامل يضمن لهم العيش داخل مناخ أثرى جيد.