حكم قول كل عام وأنتم بخير أو عيدكم مبارك في الأعياد؟.. الإفتاء تُجيب

صورة موضوعية
صورة موضوعية

ورد الى دار الإفتاء المصرية سؤال نصة "ما حكم قول كل عام وأنتم بخير في المواسم والأعياد، وكذلك قول عيدكم مبارك في العيدين؟ حيث يدَّعي البعض أنها ليست مشروعة وأنها تحية الكفار، وأنها سرت إلينا نحن المسلمين في غفلة منا، ومشابهة الكفار في تهنئة أعيادهم لا تجوز؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أبو داود، وأنه لا يقال ذلك في عيد الأضحى ولا في عيد الفطر فضلًا عن غيرهما، ولا يجوز إلا قول تقبل الله طاعتكم".

اجابت دار الإفتاء"يستحب للمسلم تهنئة أخيه في كل ما يصيبه من الخير؛ سواء أكان ذلك في الأعياد أم كان في المناسبات الخاصة، ويجوز له ذلك بكل لفظ يحمل معنى الأماني الطيبة والدعوات الصالحة مما اعتاد عليه الناس بينهم، ومن ذلك قولهم: "عيدكم مبارك"، أو "كل عام وأنتم بخير"، بل يستحب التهنئة بهما؛ لما فيهما من الدعاء بالخير، والتبشير به، وأما نفي جواز ذلك أو القول ببدعيته لمشابهته لقول الكفار: فهو كلام باطل؛ إذ المنهي عنه في مشابهة الكفار هو مشابهتهم في عقائدهم الكفرية أو عاداتهم التي ورد النهي عنها في شرعنا، أما ما لم يرد عنه نهي في شرعنا من عاداتهم أو أقوالهم الحسنة فلا يشمله النهي عن التشبه بهم، بل هو مما يندب فعله.


وأوضحت دار الإفتاء بالتفصيل حكم "كل عام وأنتم بخير"، أو "عيد مبارك" كما يلي : 


 أما الادعاء ببدعية التهنئة بقول: "كل عام وأنتم بخير"، أو "عيد مبارك"، والادعاء بلزوم التقييد بقول: "تقبل الله طاعتكم"، فهو دعوى باطلة لا سند لها من عقل أو نقل؛ ذلك لأن الشرع الشريف لم يقيد التهنئة بلفظ دون لفظ، أو حال دون حال، بل أمر بها على جهة العموم، ليشمل بذلك جوازها بكل لفظ يدل على معناها ومقصودها مما اعتاده الناس:
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ؟ إِنِ اسْتَعَانَ بِكَ أَعَنْتَهُ، وَإِنِ اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِنِ افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِنِ مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِنْ مَاتَ اتَّبَعْتَ جَنَازَتَهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ» أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"، والطبراني في "المعجم الكبير" و"مسند الشاميين"، والبيهقي في "شعب الإيمان".
وقد جاءت السنة النبوية بالتهنئة في أحوال عديدة، وبألفاظ مختلفة.
فوردت التهنئة بلفظ "هنيئًا مريئًا" و"هنيئًا لك" في حال حصول الشيء المحبوب، أو التبشير بالبشرى:
فروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: 2]، مَرجِعَه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ؛ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»، قال أصحابه: هَنِيئًا مَرِيئًا.

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، قال: فنزلنا بغدير خُمٍّ، قال: فنودي: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرة فصلى الظهر فأخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟» قالوا: بلى، قال: «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ؟» قالوا: بَلَى، قال: فأخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ»، قال: فلقِيَهُ عمر رضي الله عنه بعد ذلك فقال: "هَنِيئًا لَكَ يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولى كل مؤمن ومؤمنة" أخرجه الإمام أحمد في "المسند" و"فضائل الصحابة"، وابن أبي شيبة في "المصنف"، والشجري في "ترتيب الأمالي".
ووردت التهنئة عند الشفاء من المرض بلفظ: "ليهنك الطهر".
وعن مسلم بن يسار قال: كان أحدهم إذا برأ قيل له: "لِيَهْنِكَ الطُّهْرُ" أخرجه الإمام أحمد "الزهد"، وأبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء".
ووردت التهنئة عند النكاح بلفظ "بارك الله لك"، وبلفظ "على الخير والبركة":
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيَّ صلَّى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفَّأ الإنسانَ إذا تزَوَّج قال: «باركَ الله لَكَ، وبَارَكَ عليكَ، وجَمَعَ بينكما في خيرٍ» أخرجه أحمد في "المسند" وابن ماجه وأبو داود والترمذي والدارمي في "السنن".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "تزوجني النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتتني أمي فأدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر" متفق عليه.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إملاك رجل من أصحابه فقال: «عَلَى الْخَيْرِ وَالْإِلْفَةِ وَالطَّائِرِ الْمَيْمُونِ، وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ، بَارَكَ اللهُ لَكُمْ، دَفِّفُوا عَلَى رَأْسِهِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الدعاء"، والأصبهاني في "حلية الأولياء".
فلم يرد في الشرع الشريف ما يقيد أوقات التهنئة بوقت دون وقت، أو حال دون حال، بل جعل ذلك مرهونًا بعادات الناس وأعرافهم، سواء كان من الأعياد والمواسم العامة، أم كان من الأمور الخاصة بالأشخاص، كتحقيق نجاح، أو تجاوز صعاب، أو غير ذلك مما يسعد به الناس، كما لم يرد أيضًا ما يقيدها أيضًا بلفظ دون لفظ، بل تُرِكَ ذلك لما اعتاد عليه الناس من ألفاظ وعبارات ما دامت تحمل في طياتها الأماني الطيبة والدعوات الحسنة.

نصوص الفقهاء الواردة في جواز التهنئة بما اعتاد الناس عليه من ألفاظ

نص الفقهاء على أنه يجوز التهنئة بما اعتاد الناس عليه من ألفاظ، ومنها قولهم: "كل عام وأنتم بخير".
قال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (3/ 56، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة: بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في "الصحيحين" عن كعب بن مالك رضي الله عنه، في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك، أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فهنأه، أي: وأقره صلى الله عليه وآله وسلم "مغني" و"نهاية" قال: ع ش قوله: مر "تقبل الله" إلخ أي: ونحو ذلك مما جرت به العادة.. وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد مع المصافحة] اهـ.
وقال العلامة الشبراملسي الشافعي في حاشيته على "نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج" (2/ 401-402، ط. دار الفكر): [(قوله: تقبل الله منا ومنك)، أي: نحو ذلك مما جرت به العادة في التهنئة ومنه المصافحة، ويؤخذ من قوله في يوم العيد: أنها لا تطلب في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام، ولا مانع منه؛ لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور] اهـ.

وقال العلامة سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 105، ط. دار الفكر): [وقوله "تقبل الله منا ومنك"، أي: ونحو ذلك مما جرت به العادة في التهنئة، ومنه المصافحة ويؤخذ من قوله "في يوم العيد" أنها لا تطلب في أيام التشريق وما بعد يوم عيد الفطر، لكن جرت عادة الناس بالتهنئة في هذه الأيام ولا مانع منه؛ لأن المقصود منه التودد وإظهار السرور.. وعبارة البرماوي: والتهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مستحبة، ويستأنس لها بطلب سجود الشكر عند حدوث نعمة، وبقصة كعب وصاحبيه رضي الله عنهم حين بشر بقبول توبته لما تخلف عن غزوة تبوك وتهنئة أبي طلحة له وتسن الإجابة فيها بنحو "تقبل الله منكم"، "أحياكم الله لأمثاله"، "كل عام وأنتم بخير"] اهـ.
وقال العلامة البيجوري في "حاشيته على متن أبي شجاع" (1/ 291): [وتسن التهنئة بالعيد ونحوه من العام والشهر على المعتمد، مع المصافحة إن اتحد الجنس، فلا يصافح الرجل المرأة ولا عكسه، ومثلها الأمرد الجميل، وتسن إجابتهما بنحو "تقبل الله منكم"، "أحياكم الله لأمثاله"، "كل عام وأنتم بخير"] اهـ.
وقال العلامة الرحيبانى الحنبلي في "مطالب أولي النهى" (1/ 804-805، ط. المكتب الإسلامي): [ولا بأس بتهنئة الناس بعضهم بعضًا بما هو مستفيض بينهم من الأدعية] اهـ.
وقد ورد في خصوص التهنئة بالدعاء بالبركة نصوص عديدة، يستفاد منها جواز ذلك مطلقًا.

فعن  السري بن يحيى، أن رجلًا ممن كان يجالس الحسن ولد له ابن، فهنَّأه رجل فقال: "ليهنك الفارس"، فقال الحسن: "وما يدريك أنه فارس؟! لعله نجار، لعله خياط"، قال: فكيف أقول؟ قال: "قل: جعله الله مباركًا عليك، وعلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم" أخرجه الطبراني في "الدعاء".
هذا بالإضافة إلى أن هذه الألفاظ هي ألفاظ حسنة تبشر بالخير، وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن نكون من المبشرين.
فروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ الصَّالِحُ: الكَلِمَةُ الحَسَنَةُ» أخرجه البخاري في "صحيحه".
اقرا ايضا | العمل في أسبوع | 6 أيام إجازة عيد الفطر للعاملين بالقطاع الخاص.. الأبرز