د. آمال عثمان تكتب: ضلال الفكر.. وفكر الضلال تفخيخ العقول سلاح جماعات الإرهاب لإسقاط الدولة

كريم عبد العزيز «حسن الصباح» في مسلسل الحشاشين
كريم عبد العزيز «حسن الصباح» في مسلسل الحشاشين

فتح مسلسل الحشاشين» أمام المُشاهِد طاقة فكر ومعرفة، وأضاء جوانب من التاريخ لم يكن يدرك أبعادها الكثيرون، وحرضتهم على البحث والتعمق والقراءة والاستبصار، واكتشاف أسرار هذا العالم السرى لفرقة إرهابية دموية ضالة، استباحت القتل باسم الدين، وصارت دستوراً ومرجعاً تستقى منه جماعات الفكر الظلامى قوانينها، وتستمد منه الحركات الجهادية منهجها، وأصبحت فرقة الحشاشين أول جماعة تتخذ من الاغتيالات المنظمة سلاحاً سياسياً مروعاً، عماده انتحاريون رفعوا الاغتيال إلى مرتبة الواجب المقدس، فكان الإرهاب صناعتهم، والفساد شريعتهم، وارتكبوا جرائم على مدى قرنين من الزمان، اهتز لها العالم الإسلامي، وقتلوا أعداداً من البشر لا تُحصَى، ونشروا الرعب والفزع فى أنحاء البلاد.

أدرك حسن الصباح زعيم جماعة الحشاشين، أن أتباعه ليس بإمكانهم مواجهة دولة، والانتصار على جيوشها المسلحة، إنما يمكن لجماعة صغيرة منظمة ومخلصة، إسقاط دولة من خلال ضربات إرهابية قوية وموجعة، ضد عدوهم الذى يتمتع بتفوق ساحق، فكان الاغتيال المنظم أمضى سلاح فى يد الحشاشين، وصار الفدائيون عماد هذا السلاح الإجرامي، ولهم إقدام وجرأة على التضحية الجسدية لا نظير لها، وتصميم وعزم وثبات لا مثيل له فى تاريخ الجريمة.

اقرأ أيضاً | مصمم الديكور أحمد فايز: الديكورات مصرية 100٪ وميزانيتها «زهيدة» مقارنة بالسوق العالمية

لذا قام زعيم الحشاشين بتدريب الأطفال على الطاعة العمياء، والإيمان بكل ما يقوله لهم، والتضحية المطلقة، واحتقار الحياة البشرية، واعتبار الحياة الدنيا مجرد تجربة خالية من النعيم الحق، لا تعادل فى متاعبها وآلامها ذرّة من رغد الحياة الأخرى ونعيمها الباذخ، والسبيل الحق إلى اكتساب الجنة والتقلب فى نعمائها وسعادتها الخالدة، هو اقتداء النفس بعمل من أعمال الدنيا، وسلامتهم متوقفة دائماً على فداء أنفسهم، وأقل مخالفة تبدر منهم تكون سبباً فى وقوعهم تحت العقوبة والمسئولية إلى الأبد، ومن يقدم الطاعة جزاؤه الجنة، وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة المعروفة، ولا سيما الخناجر، ويتعلمون الاختفاء والسرية، وأن يقتل الفدائى نفسه قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم.

كما جعل الشجاعة النادرة، وحب المخاطرة والصبر، الرباط الذى يربط بين أفراد الجماعة، حيث كان الفدائى يترقب الفرصة المواتية لتنفيذ مهمته شهوراً، بل سنين، ويذكر التاريخ أن الفدائيين الذين كُلفوا بقتل «كونراد مركيز مونتفرات»، تمكنوا من الإقامة فى معسكر الصليبيين 6 أشهر كاملة ينتظرون الفرصة السانحة، وهم بثياب الرهبان المسيحيين! 

وبذلك أعدوا طائفة الفدائيين التى أفزعوا بها العالم الإسلامى آنذاك، ونفذوا الإرهاب الذى تلهبه أهدافهم السياسية الحمقاء، والنفوذ الأخرق، وخدمة الطموح الرهيب الذى لا يلجمه شيء، وبسطوا فكرهم على المشرق، وانتشر «الفدائيون» شراذم فى الأقطار، فأظلم بهم وجه الأرض، وسقط مشاهير الرجال من جميع الأمم ضحايا الإسماعيلية بين غبطة القتلة وأسف العالم، يقول المؤرخ رشيد الدين: «إن ديناً نصب الشباك والفخاخ، من أجل أن يصيد أول كل شىء هدفاً كبيراً مشهوراً، كنظام الملك، ويجعله يسقط فى شباك الهلاك والموت، وبهذا العمل ذاع صيته وعمّته شهرته، وأرسى أسس الفدائية».

وقد عزم «حامل مفتاح الجنة» على تكوين مجتمعات إسماعيلية قوية ومنظمة ليضمن لها البقاء، وجاء الاستيلاء على قلعة «ألموت» بمثابة فاتحة بالنسبة للإسماعيلية فى استيلائهم على قلاع وحصون أخرى، إذ ما لبث فى القلعة حتى جمع حوله الإسماعيليين، وقام بتنظيم صفوفهم للإغارة على القلاع والحصون المجاورة. ويقول المؤرخ «عطا ملك الجويني»: لقد بذل الحسن كل جهد ممكن للاستيلاء على الأماكن الملحقة بـ«ألموت» أو المجاورة لها، وكان يفعل ذلك عن طريق كسب السكان بأخاديعه الدعائية، فإذا لم تنطل عليهم حِيَلُه أخذها بالمذابح والسلب والنهب وسفك الدماء والحرب، وبهذا استولى على ما استطاع الاستيلاء عليه من القلاع، وأينما وجد صخرة مناسبة كان يبنى فوقها قلعة له!!

ذكر تقرير لمبعوث أرسله الإمبراطور «فريدريك بريروسه» إلى مصر وسوريا: «يوجد عند تخوم دمشق وأنطاكية وحلب جنس معين من العرب، يعيشون فى الجبال يسمون أنفسهم بالحشاشين، ويُعرفون فى الرومانية بسادة الجبل، هذه السلالة من الرجال يعيش أفرادها بلا قانون فى شبه عزلة كاملة، وراء أسوار قلاعهم الحصينة، ولهم سيد يُلقى أشد الرعب فى قلوب كل الأمراء العرب القريبين والبعيدين على السواء».

وفى كتابه «الحشاشون» يتتبع المستشرق الإنجليزى «برنارد لويس» تطور هذه الأساطير فى العصور الوسطى، وأوروبا الحديثة، والتسرب التدريجى للمعرفة الدقيقة المتعلقة بالإسماعيليين، ويتناول أصول الطائفة وأنشطتها، على أساس المصادر الفارسية والعربية المعاصرة، وعلى خلفية تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي، ويناقش فى الفصل الأخير بعض الدلالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للإسماعيليين، ويبحث فى أهمية الحشاشين فى تاريخ الحركات الثورية والإرهابية، ويشير إلى أن كلمة الحشاشين (ASSASINS) دخلت معظم اللغات الأوروبية مع بداية القرن 13 من قبل الصليبيين، كاسم شائع يدل على القاتل المحترف، وكناية عن أول جماعة منظمة استخدمت الاغتيال السياسى كسلاح أساسى ضد أعدائها، وجعلتْهم معتقداتُهم وأساليبُهم كلمة مرادفة للتعصب والإرهاب فى سوريا وبلاد فارس، خلال القرنين الحادى عشر والثانى عشر، وموضوعاً لنمو وافر للأسطورة. ووصف «حسن الصباح» بأنه مفكر وكاتب، وحفظ له المؤلفون السنّيون نصّين من تأليفه، أحدهما شذرات من قصة حياته بقلمه، والآخر مختصر لمقال فى اللاهوت، وكان الإسماعيليون المتأخرون يشيرون إليه باحترام، وأن الاغتيالات السياسية كانت مألوفة منذ البدايات الأولى للتاريخ السياسى الإسلامي، فمن بين الخلفاء الأربعة الراشدين الذين خلفوا النبى عليه الصلاة والسلام فى رئاسة الجماعة الإسلامية اغتيل ثلاثة.

ويعتبر كتاب «تاريخ فاتح العالم» للمؤرخ علاء الدين عطا ملِك الجوينى، أهم الكتب التى تناولت فرقة الحشاشين، وترجع أهميته إلى سلامة المصادر التى اعتمد عليها المؤلف، وأنه كان واحداً من أبرز من كتبوا عن المغول، وجنكيز خان، حيث شارك فى حملة «هولاكو» على قلاع الإسماعيلية فى إيران، ونقل تلخيصاً لكتاب نادر فى تاريخ الإسماعيلية، عثر عليه فى قلاعهم التى دمّرها التتار، ويشتمل هذا الجزء أيضاً على ترجمة حواشى وتعليقات محقق الكتاب العلامة محمد بن عبد الوهاب القزوينى على بعض الموضوعات والشخصيات التى ذكرها المؤلف.

وطبقاً للموسوعة الميسرة.. تلتقى معتقدات جماعة الحشاشين مع معتقدات الإسماعيلية، من حيث ضرورة وجود إمام معصوم، ومنصوص عليه بشرط أن يكون الابن الأكبر للإمام السابق، وكل الذين ظهروا من قادة الحشاشين، يمثلون الحجة والداعية للإمام المستور، باستثناء الحسن الثانى وابنه، فقد ادعيا بأنهما إمامان من نسل نزار، حيث زيّن لهم شيطانهم أنهم يحكمون بإرادة من الله، وأنه استخلفهم لكى يكونوا همزة الوصل بين الخالق والمخلوق، وهى مكانة لا يصل إليها إلا الإمام «حامل مفتاح الجنة»، وعن طريقه يكون الخلاص والجائزة الكُبرى، ونسبوا أنفسهم إلى آل البيت، واتخذوا ذلك ستاراً لما يقومون به من أعمال لا يقرها العرف والدين، ويعتقدون أن القرآن له طبيعتان، طبيعة ظاهرة يفهمها الجميع، وطبيعة باطنة تُخفى حروفاً وأسراراً نورانية وقدرات روحانية لا يفهمها غير الفئة المُختارة من الله، وعن طريق ذاته الإلهية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وتوفى الحسن بن الصباح عام ٥١٨هـ-١١٢٤م دون سليل، لأنه قام بقتل ولديه أثناء حياته!! لكن ظلت هذه الجماعة من الدجالين السفاكين - الذين سقط تحت نصال خناجرهم أسياد الدول- قوية على مدى ثلاثة قرون، إلى أن سقط وكر الحشاشين فى يد الخلافة التى كانت منذ البداية هدفاً للتدمير بأيديهم، كرمز للسلطة الروحية والزمنية للمسلمين.

وفى موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام، التى قام بإعدادها مجموعة من الباحثين، تحت إشراف الشيخ «عَلوى بن عبد القادر السقاف»، رصد كامل للحركات والأفكار التى يقوم بها أولئك الخارجون بهدف تعرية دورهم الخطير، وجلاء حقيقتهم والتحذير منهم، وبيان ما يقومون به لخدمة تلك الأفكار المشبوهة، والمقاصد الباطلة الضالة وترويجها، ويؤكد الباحثون أنه ما من بلاء فيما سبق من الزمان، إلا وهو موجود اليوم بوضوح تام، فلكل قوم وارث، وهذه الفرق وإن كانت قديمة، فالعبرة ليست بأشخاص مؤسسيها ولا بزمنهم، ولكن العبرة بوجود أفكار تلك الفرق فى وقتنا الحاضر، وإذا نظرنا إلى فرقة من تلك الفرق الماضية نجد أن لها امتداداً يسرى فى الأمة سريان الوباء.

وإن كانت الموسوعة فى ظاهرها دراسة للماضي، ومراجعة لتاريخ الفرق المبتدعة التى تعمل فى الظلام لنشر أفكارها، وفرض مخططاتها المعادية للإسلام، إلا أنها كذلك دراسة حاضرة، تكشف جذور البلاء التى شتتت قوى المسلمين وفرقتهم شيعاً، وجعلت بأسهم بينهم شديداً، وتكشف الظلام الفكرى المفتعل الذى لا يخدم إلا أعداء الإسلام، وكل الأفكار والآراء التى سبقت ولها أتباع ينادون بتطبيقها، فالنزعة الخارجية وتنطع أهلها فى الدين، واستحلال دماء المسلمين لأقل شبهة، وتكفيرهم الشخص بأدنى ذنب، مازالت قائمة حتى الآن على أشدها فى كثير من المجتمعات الإسلامية، فما من جماعة أو فرقة ظهرت، إلا وقامت مبادئها على كثير من المنكرات، وهى تدعى أنها هى المحقة، وما عداها على الضلال، فألبسوا الحق بالباطل، وأظهروا مروقهم وخروجهم وفجورهم عن منهج الكتاب والسنة، ولكن فى أثواب برّاقة لترويج بضاعتهم وبدعهم والدعوة لها، والناظر لأقوال الفرق المبتدعة التى فرقت الأمة بذلك يجدها خرجت بسبب الغلو والتعصب، بينما جاء الإسلام آمراً بالاعتدال والاقتصاد والوسطية فى كل أمر، حتى ميزت بذلك الأمة.