فواصل

أسامة عجاج يكتب: المواجهة

أسامة عجاج
أسامة عجاج

لم يجد الأمين العام العاشر للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش نفسه منذ أشهر، أمام (منكر) ولكنه فوجئ بمواجهة أحد أخطر أزمات الإبادة الإنسانية، والتهجير القسرى فى حق الشعب الفلسطينى، والتى تتم تحت بصر ونظر العالم فى قطاع غزة، فلم يسع إلى تغييره (بقلبه) وهو أضعف الإيمان، ولكن استخدم الوسيلة الأعلى وهى (بلسانه)، طبعا لم يفكر أن يواجهه (بيديه)، فالأمر خارج اختصاصاته المنصوص عليها فى ميثاق الأمم المتحدة، وكشف عن السبب المباشر فى ذلك القصور، عندما حذر فى خطابه فى السابع من فبراير الماضى، من أن النظام العالمى يدخل حقبة الفوضى، مشيرا إلى الانقسامات التى يعانيها مجلس الأمن، جعلته غير قادر على التعامل مع قضايا ملحة، على غرار العدوان الإسرائيلى، ولعل التاريخ سيذكر مواقفه الأمينة من العدوان، عندما انحاز إلى الحق ومنذ اللحظة الأولى، وفى نفس يوم العدوان، دون أى اعتبار لموازين القوى، واختطاف عدد محدود من الدول الدائمة العضوية فى مجلس الأمن للقرار الدولى، والانحياز إلى إسرائيل، عندما قال إن (هجوم حماس على إسرائيل، لم يأت من فراغ، ولا تبرر لها القتل الجماعى الذى تشهده غزة، مشيرا إلى معاناة الشعب الفلسطيني من الاحتلال الخانق على مدى ٥٦ عاما، وكان رد فعل تل أبيب فى نفس الجلسة التى ناقشت فيها العدوان على لسان وزير خارجيتها إيلى كوهين غير لائق وينافى أى اعتبارات دبلوماسية، وقال (سيدى الأمين العام فى أى عالم تعيش)، لم يكن الأمر لحظة شجاعة نادرة من الأمين العام، ولكنه قرر أن يدخل (عش الدبابير) بالمواجهة حتى النهاية مع إسرائيل، (ابنة النظام العالمى المدللة)، وفى إطار البحث عن صلاحيات مهجورة له، ولا يتم اللجوء إليها إلا نادرا، وجد ضالته فى المادة ٩٩ من ميثاق المنظمة، والتى تتيح له لفت انتباه مجلس الأمن إلى أى قضية قد تهدد السلم والأمن الدوليين، وهو ما فعله فى السابع من ديسمبر الماضى، عندما حذر فى خطاب للمجلس، من المعاناة الإنسانية المروعة التى يشهدها القطاع، ودعا إلى وقف العدوان.

الإجراء لم يلق قبولا أو ترحيبا من واشنطن وتسبب فى إحراجها، ودفعها إلى استخدام الفيتو، وبعدها فتحت تل أبيب عليه النار، فوزير الخارجية إيلى كوهين طالبه بالاستقالة، واعتبر أن فترة ولايته، تشكل خطرا على السلم العالمى، ومواقفه دعما (لمنظمة حماس الإرهابية)، واتهمه المندوب الإسرائيلى جلعاد اردان (بالانحراف الأخلاقى)، وقال إن (الأمم المتحدة بحاجة إلى أمين عام يدعم الحرب على الإرهاب، وليس أمينا يتصرف وفق النص الذى كتبته حماس)، كل ذلك فقط، لأنه تجرأ وقال (غزة أصبحت مقبرة للأطفال) وتصاعد الهجوم الإسرائيلى الأسبوع الماضى، وتجاوز شخص الأمين العام، إلى اتهام وزير الخارجية للمنظمة بالعداء لإسرائيل، فقط لأن الرجل زار مصر ووقف عند معبر رفح، ودعا من هناك إلى وقف العدوان. الأمين العام جزء صغير (حى)، من الضمير الإنسانى الذى يعانى من حالة (موت سريرى).